فتل أبيب تتحفظ على الكثير من بنود الاتفاق الأصلى الموقع قبل خمس سنوات بين إيران من جهة ومجموعة 5 + 1 من جهة أخرى، التى تضم الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا، ومن ثم ظلت تمارس ضغوطها على إدارة ترامب السابقة لحين انسحاب الأخيرة الكامل من الاتفاق عام 2018. وتتمحور مخاوف إسرائيل حول أربعة عناصر أساسية، أولها أنها تعتقد بشدة أن الاتفاق لا يمثل قيدا على طهران كما تروج القوى الكبرى، بل يمنحها الوقت فحسب لتطوير ترسانتها العسكرية، وامتلاك قنبلة نووية. فأغلب بنود الاتفاق تكون «منتهية الصلاحية» بعد 15 سنة. لتكون بعدها إيران قادرة على إعادة تدوير أجهزة الطرد المركزي وتخصيب اليورانيوم إلى أى مستوى تريده، وتصبح دولة نووية «بالقانون». ثانيا، المنشآت العسكرية الإيرانية التي تعتبر هدفا «بعيد النال» بالنسبة لمفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بموجب نص الاتفاق، مما يمكن إيران، وفقا للمنظور الإسرائيلى، من العمل على تطوير برنامجها النووى فى تلك المنشآت، بينما تتظاهر أمام العالم بالالتزام الكامل بالاتفاق الدولى. أما التخوف الثالث، فيثيره برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانى ، فهو غير منصوص عليه فى اتفاق 2015، بينما يعد أبرز ركائز الأمن القومى للبلاد، وتفاخر طهران دوما بمدى صواريخها وقدرتها على بلوغ أى بقعة داخل إسرائيل بسهولة. أخيرا، تعارض إسرائيل فكرة رفع العقوبات عن إيران، معتبرة أنه سيسمح للمؤسسة الدينية فى طهران بالانضمام سريعا إلى النظام المالى العالمى، لتتدفق مليارات الدولارات على خزائن قوات الحرس الثوري الإيرانى، وميليشياته في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وفى ضوء هذا، تتمسك حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو بضرورة إدراج بنود جديدة «أكثر تشددا» فى الاتفاق النووى، فى حالة رغبة الرئيس الأمريكي جو بايدن العودة إليه، موضحة أن أبرز تلك البنود يجب أن تكون التأكيد على وقف إيران دعمها الكامل لميليشياتها فى العراق ولبنان وسوريا واليمن، مع طرح «الصواريخ الباليستية» على طاولة التفاوض. لكن ماذا لو عادت أمريكا للاتفاق بشكله الحالى؟.. فى الواقع، لم تتردد إسرائيل ومسئولوها لحظة عن التأكيد على عزمهم توجيه ضربة عسكرية لإيران ومنشآتها. فرئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوهافي حذر في يناير الماضي من العودة إلى الاتفاق دون شروط قوية، موضحا أن الجيش الإسرائيلي وضع خططا عسكرية لمواجهة أى تهديد إيرانى نووى، وبدأ بالفعل فى التدريب على تنفيذها. كذلك ، قالت صحيفة «يسرائيل هيوم»، أوسع الصحف الإسرائيلية انتشارا أن الجيش يصيغ «ثلاثة خيارات» حاليا لتقويض جهود إيران النووية والتصدى لها، موضحة أن وزير الدفاع بيني جانتس طلب أن يكون «الخيار عسكريا على الطاولة». كما ذكرت هيئة البث الإسرائيلية «مكان» أن وزارة الدفاع الإسرائيلية تطلب تمويلا يصل إلى 3 مليارات شيكل، أي ما يوازى 918 مليون دولار أمريكي، لتمويل تلك الضربة العسكرية. الخبراء يؤكدون أن إسرائيل ربما تراهن فى الفترة القادمة على مواصلة «حربها السرية» ضد التهديدات الإيرانية، والحروب التى تقودها بالوكالة فى منطقة الشرق الأوسط، معتبرين أن الجيش الإسرائيلي يؤمن بقدرته على التصدي للنشاط الصاروخي الإيراني، ومواجهة المجموعات المدعومة من قبلها. حتى الآن، لا تزال الكفة تميل لصالح إسرائيل، فأمريكاوإيران مترددتان فى العودة للاتفاق، وتطالب كل منهما الأخرى بالمبادرة بالخطوة الأولى، ليبقى الموقف جامدا، وتكون النتيجة النهائية «لا اتفاق».