د. السيد أمين شلبي منذ إعادة تأسيس العلاقات المصرية الأمريكية في منتصف السبعينيات وبعد الدور الذي لعبته الولاياتالمتحدة ودبلوماسيتها في التعامل مع تداعيات حرب أكتوبر 1973، والذي أدي في الواقع إلي نقل النزاع المصري الإسرائيلي من المواجهة إلي الحوار وتوقيع اتفاقية كامب دافيد 1978، منذ هذا التحول اكتسبت العلاقات المصرية الأمريكية أبعادا ثنائية وإقليمية واسعة. وعلي مدي الحقب التالية كان أهم ما يميز علاقات البلدين أن أحد طرفيها قوة اعظم لها اهتماماتها وتحالفاتها الإقليمية والعالمية والطرف الآخر قوة إقليمية ومسئولياتها في إقليمها، طابع العلاقة هذا هو الذي جعلها تجمع مع التعاون والتنسيق وجعلها توصف بعض مراحلها بأنها إستراتيجية مع تباينات في الرؤية ووجهات النظر حول قضايا ثنائية وإقليمية هذه العلاقة المعقدة هي التي كانت تملي مستويات متعددة من الحوار يطلع كل طرف الآخر علي دوافعه واعتباراته خاصة حول قضايا الخلاف. وفي التسعينيات بوجه خاص بلغت العلاقات المستوي الذي جعل مثل هذا الحوار ضرورة، وجعله حواراً مؤسسياً ومنظماً ولذلك أطلق عليه الحوار الإستراتيجي وهي الصيغة التي تأخذ بها الدول والدبلوماسيات التي تتطلب مستوى وحجم علاقاتها مثل هذا الحوار والواقع ان الحاجة إلي هذه الصيغة من الحوار ظهرت في الثمانينيات وتبناها كل من سفير مصر في واشنطن السفير عبد الرءوف الريدي، والسفير فرانك وينرنز سفير الولاياتالمتحدة في القاهرة وعقد في ؤحولها حوار استمر ثلاثة ايام، ثم تلته جولة اخري فى واشنطن عام 1989، كان من مزايا الجولتين أن البلدين أصبحتا أكثر إدراكاً لاعتبارات كل منهما حول قضايا الاتفاق والاختلاف بينهما وما يتوقع كل منهما من الآخر. في منتصف التسعينيات جددت الخارجية المصرية الدعوة لحوار إستراتيجي بين القاهرةوواشنطن، ويذكر كاتب هذه السطور، عندما كان مديراً للتخطيط السياسي بوزارة الخارجية المصرية أن الإدارة الأمريكية آنذاك إدارة كلينتون، لم تكن متحمسة لمثل هذه الصيغة، رغم أنها كانت قد أقامتها مع الأردن، وأذكر أنه في حديث مع السفير الأمريكي في القاهرة حيث أثرت معه الحاجة إلي مثل هذه الحوار قال: إن الأجدر بمصر أن تقيم حوارا إستراتيجيا مع إسرائيل، غير أن الخارجية المصرية دفعت لإعادة تأسيس هذا الحوار وعقدت بالفعل جولتين: الأولي في واشنطن علي مستوى الوزراء في يوليو 1998 والثانية علي مستوى مساعدي الوزراء في القاهرة في ديسمبر 1998 وعقدت الجولة الثالثة علي نفس المستوى في واشنطن في فبراير 1991. وجاءت السنوات العاصفة لإدارة بوش الابن وبكل ما حملته من عدم الاستقرار في المنطقة، وهو ما كان يدعو إلي مثل هذا الحوار مع مصر كقوة رئيسية في المنطقة، إلا أن الإدارة لم تكن تقيم وزنا للدبلوماسية والحوار وتفضل عليها سياسات القوة والإملاء، ولذلك لم تكن تقيم وزنا لتأسيس مثل هذا الحوار. وفي بداياتها جاءت إدارة أوباما تبشر بنهج جديد في سياستها الخارجية التي تستند علي الدبلوماسية والحوار والانفتاح ليس فقط مع الأصدقاء ، بل أيضا علي الخصوم، وكان طبيعياً أن ينسحب هذا مع دولة محورية مثل مصر، وكان من المشجع ان يختار اوباما مصر لكي يوجه منها خطابه للعالم العربي والإسلامي، في مثل هذا المناخ لم يكن غريباً أن تستجيب واشنطن لدعوة تأسيس حوار مؤسسي ومنتظم مع مصر، وان تبدآ حوله علي مستوى الخبراء حيث رأس الجانب الأمريكي ويليام بيرنز مساعد وزراء الخارجية لشئون الشرق الاوسط، والجانب المصري السفير وفاء نسيم مساعد وزير الخارجية المصري، وتلى هذه اللقاءات في القاهرةوواشنطن مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وبين الوزير احمد ابو الغيط . في ولاية دونالد ترامب كانت العلاقات المصرية الأمريكية من السلاسة وبلا أزمات، ومن ثم لم تبد الحاجة إلي صيغة الحوار الإستراتيجي المنتظم بين البلدين، واستبدل بلقاءات واتصالات متكررة بين وزيري الخارجية. اليوم والعلاقات المصرية الأمريكية تدخل مرحلة جديدة، فقد جاءت إدارة أمريكية ورئيس أمريكي جديد لها توجهاتها وخبراتها أيضا وقد يشغلها في قضايا لم تكن من اهتمام إدارة ترامب مثل حقوق الإنسان، اما مصر فهي، منذ يوليو 2013 تبدأ عهداً جديداً تبلور فيه مشروعها للنهضة والتنمية، وطورت علاقات دولية لخدمة هذا المشروع، فضلا عن تبلور مبادئها ورؤيتها لأزمات المنطقة وتأكد لاقناع الدولي انها تلعب دوراَ بناء نحو استقرار الإقليم، في مثل هذه المتغيرات في الولاياتالمتحدة ومصر، وحجم القضايا ثنائياً واقليميا ،تصبح الحاجة إلي تأسيس حوار إستراتيجي مصري أمريكي يكون هدفه، ومن جهة نظر مصر، تقديم إطار فكري, يتفهم فيه كل جانب اعتبارات الآخر ورؤيته للقضايا التي تشغل البلدين. ونتصور انه لكي يكون هذا الحوار فعالاً، فإنه يجب أن تكون له الاستمرارية والانتظام وألا يقتصر علي لقاءات منعزلة وأن يكون له جدول أعماله المعد مسبقاً والمتفق عليه. رغم الأهمية الأولي للحوار الإستراتيجي علي المستوي الرسمي، ، إلا أن ما يمكن أن يدعمه علي الجانب المصري، ان يتوازى معه حوار يباشره ممثلو المجتمع المدني، ولنا تجربة في هذا المجال، إلا انها لعدة اعتبارات لم تكن فعالة او مقنعة، رغم أن مصر تملك رصيداً أكثر إقناعاً وقبولاً يتمثل في الشخصيات التي عملت لسنوات طويلة في واشنطن ولها خبرة بالجانب الأمريكي وعلاقات عمل بمؤسساتها وشخصياتها وتعرف كيف تخاطب العقل الأمريكي خاصة بعد انتهاء صفتها الرسمية ويتحدث بشكل مستقل وتقدم افكاراً ورؤي سوف يدرك الجانب الأمريكي أنها تضيف إلي تعامله مع قضايا المنطقة والعلاقات المصرية الأمريكية هذا فضلا عن الشخصيات التي درست في الجامعات الأمريكية وتعرف اساتذتها وتملك أسلوب الاقتراب إلي فكرهم.