تعتبر الخطوبة هي أجمل فترة يمر بها الشاب والفتاة قبل الزواج ففيها تسمو مشاعر الحب والأحاسيس ، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم لقوله تعالى :{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ}[ البقرة: 235]، ولذلك فهي الطريق السليم لإتمام الزواج وتكوين حياة أسرية، والسؤال: هل التصريح بكلمات الحب والإعجاب خلال فترتها بين المخطوبين حرام ؟ وما هي آدابها والأحق بالشبكة والهدايا عند فسخها ؟ وللإجابة عن هذة التساؤلات إستعنا برأي بعض علماء الأزهر الشريف الذين أجابونا في السطور التالية : معاني الحب يقول الدكتور عمرو الورداني مدير إدارة التدريب وأمين الفتوى بدار الإفتاء : أن لفظ الحب له ثلاثة استعمالات ، فهو قد يكون بمعنى التقدير والإحترام ، أو بمعنى الإعجاب ، أو بمعنى الميل القلبي المشفوع برغبة في الإتصال الجسدي ؛ فالنوع الأول والثاني ليس فيهما مشكلة . أما النوع الثالث فهذا فيه مشكلة،لأن الكثيرون في فترة الخطوبة يستعملون لفظ الحب في إطار مخالفً للأعراف والتقاليد والقيم التي يجب أن نسير عليها في فترة الخطوبة ، وقد يتساءل أحدنا ويقول : كيف نعرف ذلك ؟! ونجيب بأن هذا يكون من خلال سياق الكلام ، فمثلاً على سبيل المثال لو شاب قال لخطيبته : أنا بحبك عن طريق الشات في وقت متأخر من الليل ، فالكلام في الحب في هذا الوقت تكون فيه إشارة إلى السير في هذا الطريق الممنوع ؛ ولكن يجب أن نعي جيدًا إن الخطوبة إذا استعمل فيها هذا النوع الثالث من الحب لا تكتمل أبدًا ، لأن أحد الطرفين سيدرك أن الطرف الآخر لا يريد أن يقيم حياة زوجية بل علاقة جسدية ، بعكس لو كانت الخطوبة قائمة على التقدير والإحترام ، فهنا بيزداد الترابط بين المخطوبين ولا يحدث بينهما فسخ ، لأن أحد الطرفين سيدرك أن الطرف الأخر الذي يريد الإرتباط به شخص حكيم يسعى لتكوين حياة زوجية ولا يسعى وراء شهواته بل يؤجلها إلى حين الزواج بشكل رسمي ، وفعل ذلك في الحلال . ويضيف الدكتور الورداني : فالشرع الشريف لم يمنع الخاطب من أن يتكلم مع خطيبته ، ولكن يجب أن يكون ذلك في إطار المعروف والإحترام المتبادل ، وقد يعترض أحدنا على هذا الكلام يقول : إن هناك شيء أسمه المشاعر ؟! ، وهنا نحن نقول نعم يوجد شيء أسمه المشاعر ، ولكن هناك فرق بين الكلمات والمشاعر التي لا يستطيع أحد في أن يمنع أحد من أن يعبر عنها ، ولكن العبرة هنا في السلوك المرتبط بهذه المشاعر الذي يجب أن يكون محاطًاً بالأخلاق التي تمنع أي نوع من أنواع التجاوز الجسدي أو الحسي بين المخطوبين ، فالخطبة لها آداب . آداب الخطبة وتوضح الدكتورة إلهام شاهين مساعد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية لشئون الواعظات بالأزهر الشريف: إن من آداب خطبة المرأة ألا يقدم عليها إلا الراغب الجاد في الزواج ، وإذا وعد بالزواج فيجب عليه الوفاء به وينظر الخاطب إلى الوجه والكفين ، فإن رأى منها ما يدعوه إلى نكاحها خطبها وإلا أعرض عنها من غير إيذاءً لها ولأهلها ، ولا يجوز للخاطب أن يخلو بمخطوبته أو الخروج معها بدون محرم ، لأن الخطبة ليست عقدًا شرعيًا يبيح للخاطبين أن يفعلا ما يفعله الزوجان بل هي فرصة للمزيد من التعارف والاطمئنان على استقرار الحياة المقبلة ، ولحماية المخطوبة من أن تمتهن سمعتها وكرامتها . كما ينبغي أن تكون المرأة المراد خطبتها خالية من الموانع الشرعية التي تمنع الخاطب من الزواج منها ، كأن تكون محرمة عليه بأي سبب من أسباب التحريم ، أو كانت في عدتها لكونها مطلقة أو متوفي عنها زوجها إذا كان قد سبق لها الزواج قبل ذلك . وتضيف الدكتورة شاهين : كما أنه من آداب الخطبة هو أنه لا يجوز لأحد أن يخطب على خطبة أحد كان قد وصل إلى اتفاق مع أهل العروسة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : "المؤمن أخو المؤمن فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر أي حتى يترك ويفسخ الخطبة " رواه أبو داود والنسائي ، فالخطبة إذا تمت ووجد أحد الخاطبين من الطرف الأخر سوء سلوك أو جفاء في الطبع أو عرف ما لم يكن يعرفه مما ينفره منه ، فله أن يفسخ الخطبة لأن الحياة الزوجية لن تكون هانئة ومستقرة ، وفسخ الخطبة فيه دفع لضرر قد يصعب زواله في المستقبل ، ففسخ الخطبة حينئذاً مشروع ، ولكن إذا تعنت أحدهما وفسخ الخطبة لأنه راى طرفًا أخر أكثر مالاً وأعظم جاهًا كان فسخ الخطبة حرامًا ولن يفلت فاعله من عقاب الله لأنه ارتكب أثمًا . الشبكة والهدايا ويشير الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف وعضو مجلس النواب : إلى إن الخطبة وقراءة الفاتحة وقبض المهر وقبول الشبكة والهدايا كل ذلك من مقدمات الزواج ومن قبيل الوعد به ما دام عقد الزواج لم يتم بأركانه وشروطه الشرعية ، وقد جرت عادة الناس بأن يقدموا الخطبة على عقد الزواج ؛ لتهيئة الجو الصالح بين العائلتين . فإذا عدل أحد الطرفين عن عزمه في الزواج ولم يتم العقد ، فالمقرر شرعًا أن المهر إنما يثبت في ذمة الزوج بعقد الزواج لأن المهر حكمًا من أحكام العقد ، فإن لم يتم العقد فهنا لا تستحق المخطوبة من المهر شيئًا ، وللخاطب استرداده . أما بالنسبة للشبكة التي قدمها الخاطب لمخطوبته فقد جرى العرف على أنها جزء من المهر ؛ لأن الناس يتفقون عليها في الزواج ، وهذا يخرجها عن دائرة الهدايا ويلحقها بالمهر ، وقد جرى اعتبار العرف في التشريع الإسلامي ؛ لقوله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ [الأعراف: 199] ، وقد جاء في الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه: "ما رأى المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن ، وما رأَوا سيئًا فهو عند الله سيئٍ" أخرجه أحمد والطيالسي في"مسنديهما" واللفظ لأحمد . فالشبكة من المهر ، والمخطوبة المعدول عن خطبتها ليست زوجة حتى تستحق شيئًا من المهر ، فإن المرأة تستحق بالعقد نصف المهر وتستحق بالدخول المهر كله ، ولهذا إذا فسخت الخطبة فالشبكة تكون للخاطب سواء كان الرجوع من طرفه أو من طرف المخطوبة ؛ لأن الشبكة جزء من المهر ، وكذلك الهدايا غير المستهلكة إذا كانت ثمينة وطالب بها الخاطب . أما المستهلكة فلا ترد لأن الاستهلاك مانع من موانع الرجوع في الهبة شرعًا .