يعد التأريخ من الأعمال الأدبية والفنية الرائعة التي مارسها المصريون منذ القدم، ولعل "مانيتون" المصري هو أبو التاريخ وليس "هيرودوت" والسبب في ذلك يرجع إلى أن نبض التاريخ المصري كان دوما يتسارع في تيارات ودفقات تماثل نيله العزيز في دفقاته وفيضانه". هكذا يستهل عبد العزيز جمال الدين تقديمه لتاريخ الجبرتي "عجايب الآثار في التراجم والأخبار" الصادر أخيرًا في سبعة مجلدات من تحقيقه عن الهيئة العامة لقصور الثقافة. وعبد الرحمن بن حسن برهان الدين الجبرتي (1756 - 1825)، عاصر الحملة الفرنسية على مصر ووصف تلك الفترة بالتفصيل في كتابه المعروف اختصارا ب"تاريخ الجبرتي"، قدم أبو جدة من قرية جبرت - والّتي تقع الآن في إرتيريا - إلى القاهرة للدراسة في الأزهر، واستقر بها. ويقول جمال الدين: "عاش الجبرتي أحداث الحملة الفرنسية، وعايش حلم علي بك الكبير وهو يحاول الاستقلال بمصر، وعاش حلم محمد علي ورصد ذلك كله في ذهول المسجل اليومي للأحداث المنبهر بتقلباتها والمعجب بها أحيانا والساخط عليها في أحيان أخرى، فأعطانا العديد والعديد من الشواهد والأحداث واطلعنا على آداب عصره ومآسيه وكوارثه واحتفالياته وأعياده، فكان بذلك خير شاهد على عصره، وإن لم يعى هذه الشهادة كاملة".