انتقد المفكر المعلوماتي الدكتور نبيل علي، قيام المجلس القومي بترجمة كتاب "الثقافتان" لعالم الفيزياء والأديب الإنجليزي " سى. بى سنو"، قائلًا: "هل هناك جدوى من ترجمة كتاب صدر منذ 50 عامًا خاصة وأنه يطرح قضية التقدم فيها سريع جدًا". جاء ذلك خلال الصالون الثقافي الذي عقده المجلس القومي للترجمة بمناسبة صدور الطبعة العربية لكتاب "الثقافتان" لسي.بي. سنو بتقديم ستيفان كوليني وترجمة وتقديم مصطفى فهمي. وأضاف علي: " دعوني أعلن لكم إعجابي بالضجة، لكنني لست معجبًا بالمغني!"، في إشارة منه للضجة التي أثارتها محاضرتي "سنو" اللتان ألقيتا في كامبريدج خلال عامي 1959، و1963، حول الفروق بين الثقافتين العلمية التي تتضمن الطبيعية والفيزياء والكيمياء والبيولوجيا، وبين الثقافة التقليدية أو الإنسانية والتي تتضمن الآداب والفنون، حيث عاب "سنو" على الفئتين أن تكونا منفصلتين تقريبًا بلا تواصل، بحيث لا يدرى أصحاب كل فئة الكثير عن نشاط الفئة الأخرى، وهاجم هذا الانفصال واعتبره نوعا من الإضرار بالمصلحة العامة للمجتمع، وهما المحاضرتان اللتان يشكلان مضمون الكتاب بالإضافة إلى مقدمة ل"ستيفان كوليني" أخذت حوالي نصف الكتاب. تلك المقدمة التي رأها الناقد الدكتور محمد السيد أفضل من الكتاب نفسه ناصحًا القارئ بأن: "يستحسن لمن يقرأ الكتاب أن يبدأ به ثم يعود لقراءة هذه المقدمة الجميلة لكوليني والتي تقع في بداية الكتاب". ويعيب "السيد" على سنو أنه: "دافع عن العلماء دفاعا ضاريا، حط فيه من شأن الأدباء، واصطنع لهم عدوا وهميا، لعل ذلك وقتها كان منطقيا بعض الشيء، حين كان الطلاب يقبلون على الدراسة الأدبية وقليلا منهم من يقبل على الدراسة العلمية، لأن الطريقة الملكية وقتها لم تكن للعلم وكانت للأداب والحقوق، وكان الأدباء يلقون اهتماما واسعا من الجمهور والملوك، لكن هذا الأمر تغير الآن تمامًا، انظر إلى ما يحدث في الغرب، حيث يتحدث العلماء بطلاقة وكل غرور، وتراجع الأدباء بشدة". وأضاف: "بالرغم من أن سنو نفسه عاب على النقاد، استخدامهم ما يسمى بحجة التجريح الشخصي في نقدهم له، لكنه وقع في المشكلة نفسها إذ وصف الأدباء بالشاذين جنسيًا، وقال إن في داخل المشروع العلمي بذرة أخلاقية، نافيا بذلك وجودها في المشروع الأدبي، كما وصف الأدباء بأنهم أعداء السامية". وأشار السيد إلى أن مؤلف الكتاب لم يوغل في الحديث عن الثورة العلمية وعرضها بشكل سطحي، قائلًا: "حينما تحدث عن الثورة العلمية تخيلت أني سأقرأ عن بنية الثورة العلمية ونشأتها، ولكني وجدته يساوي بين الثورة العلمية والتقدم الصناعي، بالإضافة إلى أنه لم يتحدث على الإطلاق عن العلوم الاجتماعية إلا فيما ندر، وفي مجمل حديثه عن العلماء تحدث عن الفيزياء، ولم يتحدث عن علم النفس والاجتماع، فهل كان يعدها علومًا أم يلحقها بالإنسانيات". واستكمل: "حين تحدث سنو عن الفجوة بين مثقفي العلم والفن، أشار أن حلها يكمن في تثقيف الطرفين، لكنه أغفل الحديث عن المنهج العلمي، وكيف نساعد الناس على التفكير العلمي في أمورهم بدلا من أن يعينوها كخرافة أو أسطورة". كذلك رأى نبيل علي أن سنو قد: "اختزل مفهوم الثقافة اختزالا معيبًا، بالإضافة إلى أن السرد المتكرر خلال الكتاب والمتمثل في مقدمة كوليني، ثم المحاضرة الأولى ثم الثانية، كان فائضًا عن الحد وكان من الممكن تلخيصه في عدة نقاط أساسية". ويضيف صاحب "العرب وعصر المعلومات" : لكني أريد أن أستخلص ما قاله "سنو" في أن الثورة العلمية لها دافعان؛ دافع لتفسير العالم الطبيعي وآخر في كيفية التحكم في هذا العالم، لأن هذا التصور الساذج الذي طرحه فرانسيس بيكون أن العالم كتاب مفتوح سبب كل هذه الويلات التي نعيشها الآن، وهذا الغرور العلمي جلب لنا العديد من النكبات، فالإفراط بالثقة في العلم محفوفة بالمخاطر". وتساءل صاحب "العقل العربي ومجتمع المعرفة" قائلًا: "هل الأدب ينطوي على معرفة؟" وأجاب: "نعم! لأن المعرفة العلمية، وهذا التدريب العقلي الصارم ليس هو كل شيء. إن الأدب كنوع من الفن هو ضرب من المعرفة، تأتي أهميته في أنه يتعامل تعامل مباشرًا مع تعقد العالم، فلقد تعرفنا من خلال أدب نجيب محفوظ إلى علم النفس والاجتماع، بل على العكس لا يمكن أن يخرج عالم واحد مبدع لا يقرأ الأدب... فالعلم الذي يزهو بنفسه يواجه حاليا أزمة حقيقية!" ويوضح: "هناك علاقة عضوية بين العلم والديمقراطية، لابد أن السياسة النزيهة تعني أن الشفافية شرط لإحداث التغيير، وألح على ذلك بشدة كي نضمن مستقبل أولادنا، فكل سلطة سياسية وغير سياسية تقوم على معرفة، لكن سلطة الحكم لدينا تستند إلى معرفة رديئة لأنها تحكم على نفسها بحكم رديء، هل يعقل أن يكون في بلد واحد موظفون يتجاوز دخلهم الشهري مليون جنيه، بينما تترك مرتبات أساتذة الجامعة بهذا الشيء من التدني، بالإضافة إلى استيرادنا كل شيء من الخارج حتى النظريات العلمية!".