تكريم طالبين بجامعة عين شمس لحصولهما على جائزة بمسابقة عمرانية    مشروعات عملاقة تنفذ على أرض أشمون.. تعرف عليها    الملاذ الآمن يتألق من جديد.. ارتفاع ب أسعار الذهب مع تراجع الدولار وتصنيف «موديز»    فلسطين.. الطائرات الإسرائيلية تشن 10 غارات على شرق غزة وجباليا شمال القطاع    نتنياهو: الحرب يمكن أن تنتهي غدا إذا تم إطلاق سراح الرهائن المتبقين    أحدها لم يحدث منذ 2004.. أرقام من خسارة ليفربول أمام برايتون    لحل أزمة استقالة كامل أبو علي.. جلسة طارئة مع محافظ بورسعيد    صيام صلاح مرة أخرى.. ترتيب هدافي الدوري الإنجليزي الممتاز بعد خسارة ليفربول    أحمد دياب: إيقاف النشاط أمر غير وارد    عاجل| عرض خليجي خرافي لضم إمام عاشور.. وهكذا رد الأهلي    الأهلي والزمالك.. من يتأهل لنهائي دوري السوبر لكرة السلة؟    نزاع بشأن وصية.. محامي حفيد نوال الدجوى يكشف مفاجآت جديدة في واقعة السرقة    نفوق 10 آلاف دجاجة.. 7 سيارات إطفاء للسيطرة على حريق بمزرعة دواجن بالفيوم- صور    الأرصاد تُحذر: شبورة ورياح مثيرة للرمال والأتربة على هذه المناطق اليوم    حبس شاب متهم بالشروع في قتل آخر بالعياط    إصابة 3 أشخاص في مشاجرة بسبب خلافات الجيرة بسوهاج    الإفتاء: لا يجوز ترك الصلاة تحت اي ظرف    فضل حج بيت الله الحرام وما هو الحج المبرور؟.. الأزهر للفتوى يوضح    محافظ القليوبية يتفقد أعمال تطوير مستشفى النيل ويشدد على سرعة الإنجاز (صور)    سيلان الأنف المزمن.. 5 أسباب علمية وراء المشكلة المزعجة وحلول فعالة للتخفيف    رئيس شعبة مواد البناء: لولا تدخل الحكومة لارتفع سعر طن الأسمنت إلى 5000 جنيه    وسام البحيري يعلن مفاجأة ببرنامجه "من تراثنا الإذاعي" بإذاعة القرآن الكريم    جيش الاحتلال يعلن مقتل رقيب وإصابة اثنين آخرين في عملية عربات جدعون    أحمد كمال صاحب دور المجنون ب إعلان اتصالات: مكناش نقصد نزعل الزملكاوية والأهلي عشق (فيديو)    «ليست النسخة النهائية».. أول تعليق من «الأعلى للإعلام» على إعلان الأهلي (فيديو)    سفير مصر في بروكسل يستعرض أمام البرلمان الأوروبي رؤية مصر تجاه أزمات المنطقة    منافس الزمالك في ربع نهائي كأس الكؤوس الأفريقية لليد    إغلاق 7 منشآت طبية مخالفة و7 محال تجارية فى حملة بقنا    هشام زكريا: الأهلي الأفضل في أفريقيا.. وتدريب الزمالك شرف كبير    وزير الاستثمار يتوجه للعاصمة الألمانية برلين لتعزيز العلاقات الاقتصادية المشتركة بين البلدين    4 أبراج «زي الصخر».. أقوياء لا ينكسرون ويتصرفون بحكمة في المواقف العصيبة    استشهاد 10 فلسطينيين بينهم أم وأطفالها الستة في قصف للاحتلال على قطاع غزة    ترامب يوقع مشروع قانون يجعل نشر الصور الإباحية الانتقامية جريمة اتحادية    سلطات فرنسا تعلن مصرع مهاجر وإنقاذ أكثر من 60 آخرين فى بحر المانش    توريد 178 ألف طن من القمح المحلي في كفر الشيخ    هل يوجد في مصر فقاعة عقارية؟.. أحمد صبور يُجيب    بعد نجل محمد رمضان.. مشاجرات أبناء الذوات عرض مستمر في نيو جيزة| فيديو    رسميًا بعد الانخفاض.. سعر الدولار مقابل الجنيه اليوم الثلاثاء 20 مايو 2025    عليك إعادة تقييم أسلوبك.. برج الجدي اليوم 20 مايو    تامر أمين ينتقد وزير الثقافة لإغلاق 120 وحدة ثقافية: «ده إحنا في عرض مكتبة متر وكتاب»    "يا بختك يا أبو زهرة".. الصحفي محمد العزبي يكشف تفاصيل وقف معاشه بعد بلوغه ال90 عاما    حدث بالفن | حقيقة إصابة عبدالرحمن أبو زهرة ب "الزهايمر" وموعد حفل زفاف مسلم    موعد نقل القناع الذهبي لتوت عنخ آمون إلى المتحف المصري الكبير    أستاذ علاقات دولية: الاتفاق بين الهند وباكستان محفوف بالمخاطر    ما مصير إعلان اتصالات بعد شكوى الزمالك؟.. رئيس المجلس الأعلى للإعلام يوضح    شعبة المواد الغذائية تكشف 4 أسباب لعدم انخفاض أسعار اللحوم مقارنة بالسلع التموينية (خاص)    سامي شاهين أمينا للحماية الاجتماعية بالجبهة الوطنية - (تفاصيل)    جامعة حلوان تنظم ندوة التداخل البيني لمواجهة تحديات الحياة الأسرية    وفد قبطي من الكنيسة الأرثوذكسية يلتقي بابا الڤاتيكان الجديد    سرعة الانتهاء من الأعمال.. محافظ القليوبية يتفقد أعمال تطوير مستشفى النيل    وزير العمل: قريباً توقيع اتفاقية توظيف للعمالة المصرية في صربيا    هل يجوز للمرأة أداء فريضة الحج عن زوجها أو شقيقها؟.. أمينة الفتوى: هناك شروط    «للرجال 5 أطعمة تحميك من سرطان البروستاتا».. تعرف عليهم واحرص على تناولهم    خالد الجندي: الحجاب لم يُفرض إلا لحماية المرأة وتكريمها    مزارع الدواجن آمنة إعلامى الوزراء: لم نرصد أى متحورات أو فيروسات    ما حكم صيام يوم عرفة للحاج وغير الحاج؟    رئيس جامعة دمياط يفتتح المعرض البيئي بكلية العلوم    موعد امتحانات الشهادة الإعدادية بالمنيا 2025.. جدول رسمي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التنوع الخلاق للثقافة (2)
نشر في بوابة الأهرام يوم 07 - 02 - 2021


د. جابر عصفور
والثقافة المصرية هى نموذج لمثل هذه الثقافات؛ أقصد إلى ثقافة التنوع الخلاق، ففيها عناصر تعود إلى أقدم عصور الحضارة، كما أن فيها عناصر تعود إلى هذا العصر الإسلامى أو ذاك. وحتى ثقافة العصور الإسلامية فى مصر، فمنها ما ينتسب إلى العصر الإسلامى الأول، ومنها ما ينتسب إلى العصور المتأخرة مثل العصر المملوكى على سبيل المثال. وأضف إلى ذلك، العناصر التى تنتسب إلى غير ذلك من أقاليم جغرافية وتتراكم من الخارج عبر العصور والأزمنة. فالثقافة المصرية بهذا المعنى هى ثقافة «تنوع خلاق» بكل معنى الكلمة، فيها ما يربطنا بمصر الفرعونية، وفيها ما يربطنا بمصر القبطية، وفيها ما يربطنا بمصر الفاطمية والمملوكية، وفيها فضلًا عن ذلك كله ما يربطنا بالعالم الحديث الذى يقع فى شمال وجنوب وشرق وغرب البحر الأبيض المتوسط. ولذلك فالثقافة المصرية هى ثقافة تنوع خلاق، وقوتها الحقيقية تنبع فى هذا الجانب على وجه التحديد؛ ذلك لأنها لا تنفصل فيها عبقرية المكان عن عبقرية الزمان، أو تتعامد فيها عبقرية المكان على متواليات متعاقبة من الزمان.
ولا شك فى أن أضعف عصور الثقافة المصرية هى العصور التى تقوقعت فيها على نفسها، أو فُرِض عليها اتباع ثقافة زمنٍ دون غيره، أو ثقافة مساحةٍ جغرافيةٍ دون غيرها من المساحات، فمصر لم يخلقها الله لكى تكون تابعة لثقافة دون غيرها، أو لحقبةٍ زمنيةٍ دون سواها، أو حتى دائرة جغرافية على وجه التقديس أو الإعلاء، وإنما لكى تكون ثقافة تنوع، تتنقل ما فى تضاريسها الجغرافية عبر الزمان والمكان، خصوصًا من حيث وضعها الإستراتيچى بين القارات التى تضيف إلى شعبها، وتضيف ما ينجزه شعبها إلى غيره من الصفات والملامح القائمة بها هذه الثقافة أو تلك، فى علاقات الزمان والمكان. ولذلك لا يمكن أن نَصِف الثقافة المصرية بأنها ثقافة عربية خالصة، أو حتى ثقافة أوروبية خالصة، أو حتى ثقافة إسلامية فحسب، أو مسيحية فحسب، وإنما هى ثقافة تجمع ما بين مراحل مصر فى الزمان والمكان، تتميز بنوعٍ فريدٍ من التنوع الخلاق الذى يسمح لها بعبقرية خاصة تبدع فى المكان والزمان، ما يؤسس لخصوصيتها الثقافية، ويجعل منها قرينة عبقرية المكان فى تغير تعامده على الزمان. ولولا ذلك ما تمصَّرت المسيحية عندما جاءت إلى مصر، ولا تمصَّر الإسلام كذلك حين دخل إلى مصر. فثقافة التنوع الخلاق هى الاسم الآخر للثقافة المصرية حين تنتشر فيها الحرية التى تطلق سراح العقل كى يفكر حرًّا، وتحل عقدة اللسان كى ينطق كل ما يرد أو ينقل ما فى الداخل إلى الخارج. وإذا كان التنوع الخلاق أولى الصفات التى ينبغى أن تتوافر فى كل ثقافةٍ مؤثرة قائدة ورائدة، فإن الحرية هى الخاصية البارزة التى لا ينبغى أن تُفارق صفة التنوع التى تتأكد بها المعانى الأساسية لما نُسميه الآن صفة «التنوع الخلاق للثقافة». ولا شك فى أن أعدى أعداء هذا التنوع الخلاق للثقافة, هو كبح زمام العقل، وأسره بأنواع قليلة أو كثيرة من القيود. عندئذ لا تفتقد الثقافة دافع التنوع الخلاق فحسب، بل تفتقد القدرة على التأثر والتأثير، ومن ثم القدرة على البقاء أو الوجود الفاعل فى الزمان والمكان.
ولقد سبق لى أن قُلتُ إن التنوع البشرى الخلاق هو مبدأ الفعل الابتكارى فى الثقافة التى تتوثب بعافية الحرية، وتشيع فيها قيم التسامح وحق الاختلاف واحترام المغايرة، ولا تنفر من إعادة النظر فى تقاليدها لأنها تنطوى على الوهج الداخلى الذى يحول بينها والركون إلى المعتاد أو السائد. ولا يتحقق مبدأ الفعل الابتكارى فى مثل هذه الثقافة إلا بحلولٍ استثنائية للمشكلات المستعصية، ونظرة أكثر جسارة إلى العقبات القائمة. ويستلزم ذلك مجاوزة التناقضات القديمة والتقاليد الجامدة والسلفية المُعرقِلة للتقدم، ومن ثم الإسهام المتكافئ فى رسم خرائط عقلية جديدة تتأسس بها علاقات النزعة الكوكبية الوليدة فى زمن العولمة أو زمن ما بعد العولمة، خصوصًا بعد أن أصبح الكوكب الأرضى أكثر وعيًا بعلاقاته المتداخلة، وأكثر حرصًا على سلامٍ يؤمِّن ربوعه، وأكثر إلحاحًا على تميز الثقافات التى تؤكد تنوعها واختلافها على امتداد الكوكب الأرضي. فالثقافة التى نتطلع إليها فى الحاضر وفى المستقبل، هى الثقافة التى تجعلنا نفكر بعقول أكثر ذكاء، وننظر بعيون أكثر حدة، عيون ترقب ما يأتى مما وراء الغيب؛ لأنها عيون ترى ما يمكن أن يقع وما ينبغى أن يقع فى عالمٍ مُتسارع الخُطَي، تغيرت فيه حتى مفاهيم الزمان والمكان فانداحت الحدود الفاصلة بين البشر، واختفت معانى التباعد لتحل محلها قيم التواصل والاتصال.
أذكر أننى كنتُ أُقلِّب فى صفحات قديمة لمجلة الجامعة التى كان يصدرها فرح أنطون فوجدتُ مقالًا له يخاطب فيه القرن العشرين، نشره فى اليوم الأول من القرن العشرين، بعنوان: القرن العشرون.. وماذا عمل القرن التاسع عشر؟ فوجدتُنى أتذكر الأمانى التى كان يحلم بها فرح أنطون، وتذكرتُ أن بعض تلك الأمانى لم يتحقق، فقد شهد القرن العشرون أكثر حربين تعذبت فيهما البشرية وانكوت بنيران التعصب والاختلاف. وها نحن فى مستهل العقد الثالث من القرن الحادى والعشرين نتوجه إلى المستقبل نفسه بما لا يختلف كثيرًا عمّا توجه به فرح أنطون إلى مطلع القرن العشرين، لكننا نزيد عليه حلم التنوع البشرى الخلاق. ولا يمكن أن يصل هذا الحلم إلى تحقيق غايته المُثلى إلا بالحرية التى تحرر الإنسان من قيود الضرورة، وبالمساواة العادلة. لقد كتب نجيب محفوظ مُبشِّرًا بمشرق النور والعجائب فى مطلع روايته: أولاد حارتنا، وها نحن نحلم بمشرقٍ جديدٍ من النور والعجائب، وبالمزيد من التقدم العلمى الذى يكون فى صالح البشرية وسعادتها، وندعو أن يتحرر الإنسان من فيروسات التعصب والتطرف بأى شكلٍ من أشكالهما فى كل زمان ومكان، حالمين بنوعٍ جديدٍ من الإنسانية التى تكون ثقافتها دائمًا تحت راية التنوع البشرى الخلاق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.