أنور عبداللطيف صدر عن المركز القومى للترجمة الطبعة الثانية من كتاب هيرودوت يتحدث عن مصر، الكتاب ليس جديدا، لكن الجديد هو الترجمة الواعية، التى وضعها الباحث الراحل محمد صقر خفاجة وقدم لها العالم الكبير أحمد بدوى، أهم مافى الطبعة البحث الدقيق الذى عالج خرافات هيرودوت عن مصر وحضارتها فى هوامش لا تقل أهمية عن قيمة الكتاب، لأنها تكشف أغلاطه وأغراضه الخبيثة من زيارة مصر عام 440 قبل الميلاد، وإذا كان المجلس قد انتوى فى عهده الجديد أن يضيف مهمة الترجمة العكسية بانتقاء أعمال مصرية وعربية مميزة وتقديمها للقارئ الأجنبى، فإن الترجمة العكسية ينبغى أن تشمل الطبعة المترجمة الجديدة بهوامشها، لأنها تصحح المفاهيم الخاطئة فى العقل الغربى عن حضارتنا! بعد أن قرأت الطبعة المنقحة نظرت إلى تمثال هيرودوت على غلاف طبعة قديمة.. ودار بيننا حوار: أنت جئت إلى مصر ولم تمكث بها أكثر من أربعة أشهر، وقلت إنك اعتمدت على الترجمان والثقاة من الأغارقة المقيمين بمصر، وتعرف أن المصريين لا يتعلمون لغة محتل، حتى فارس التى كانت تحتلنا جيوشها لم يعرف المصريون لغتها ولا الإغريقية.. ألا ترى أن ذلك يثير الشك فى مشاهداتك؟ قال: كتبت عن العالم كله 9 كتب تناولت حروب البرابرة والملوك فى الشرق والغرب لكنى كتبت عن مصر هذا الكتاب المخصوص! فقلت: وهذا الكتاب يا شيخنا هو أحبها الينا وأعزها علينا لما ذكرت فيه من عظمة المصريين وجلائل اعمالهم وما حملت ارضها من مختلف البدائع والروائع لكن يدعونى للشك فى نواياك! انزعج هيرودوت ورجانى أن أهدأ وقال: أى شك .. وصف لى الأغارقة المقيمون خيرات مصر الزراعية ومحاصيلها والنيل واثره فى تكوين الارض وتلوينها وسخاء حكامها وترفهم، وشاهدت من أعجب عجائبها أن النساء يشتغلن عندهم فى التجارة والبيع والشراء، بينما يشتغل الرجال بالحياكة ويغتسلون بالماء البارد مرتين نهارا ومرتين ليلا، والناس من الأقوام الأخرى يجعلون طعامهم من القمح والشعير ولحاء الشجر، لكن ذلك من العيب فى مصر حيث إنهم يؤثرون الصناعة فى كل شيء من الخبز والملابس حتى العجلة، كما انتقلت عنهم صناعة التيل وشاهدتها بنفسى فى فلسطين! فقلت: وهل يعقل دولة بهذا التقدم آمنت بعقيدة التوحيد تصدق تخاريفك عن جدنا خوفو، وقد زرت مصر بعد بنائه هرمه ب2500 سنة. فقال: نقلت بعضها عن الكهان والأحبار وهم قادة الفكر وأئمة المجاهدين! فقلت لن أتكلم عن طريقة بناء الهرم المضحكة التى ذكرتها لكنك تقول: قالوا لى إن بناءه تكلف 1600 (تالنت) من الفضة وقد أثبت مترجم الكتاب أن الفضة لم تكن عملة على أيام خوفو، كما قلت إن الهرم نقش عليه مقدار ما أنفقه العمال الذين جلبوا بالسياط من استهلاك الفجل والبصل والثوم، فى حين أنك قلت فى موضع آخر إن العمال لا يضطرون لدفع ثمن ما يحتاجون إليه، فكل شيء لهم بالمجان من خبزهم المصنوع من الذرة المقدسة ومعه الكثير من لحم البقر والماعز، ومقدار من النبيذ المصنوع من عصير العنب! فرد: هذا إذا ما وعت ذاكرتى! فأضفت: تقول وقد بلغ الملك كيوتس خفرع أحط درجات الرذيلة، فإنه لحاجته الى المال وضع ابنته فى ماخور وأمرها أن تحصل على مبلغ من المال يوميا لم يذكروا لى مقداره، لكنها ارادت ان تبنى لها هرما خاصا بجوار هرم أبيها فكانت تطلب ممن يريدها بجوار المال أن يهديها حجرا لبناء هرم، ومن هذه الاحجار بنت الهرم الرابع بجوار الأهرام الثلاثة لوالدها وعميها خفرع ومنقرع! فقاطعنى مشككا: نقلت لى بين ما يقوله المصريون! وأين عقلك أبا التاريخ! هل تخيلت مواطنا بزيه الفرعونى البسيط يدخل ماخورا فى حزامه صرة فضة وشايل على قلبه حجرا وزنه ألفى كيلوجرام لكى يقضى ليلة حلوة مع بنت الملك؟.. وأضفت: أغلب الظن كما قال المترجم خفاجة إما أنك لا تعرف أخلاق المصريين الذين كانوا يعتبرون الزنا من الكبائر، أو كان هدفك الفتنة بين الملك ورعاياه تمهيدا للغزو الإغريقى الذى تم بعد زيارتك بسنوات، بدليل أنك اتهمت قائد ثورتهم العظيم أمازيس «أحمس الثانى» بأنه كما هى العادة مع قادة أى ثورة كان مغامرا وهلاسا وزير نساء، وقد اتبع من جاءونا بعدك نفس الطريقة اسهبوا فى وصف محاسن البلاد وخيرها، وحاجتها للحرية، فكانوا مقدمة للمستعمرين من الاغريق حتى الفرنسيين والانجليز إلى الامريكان؟! فقاطعنى: هذا ما نقله لى الترجمان عن مسلات الأخبار! فقلت ضاحكا: يبدو أنك يا شيخا نقلت معلوماتك عن مسلات الفيسبوك!