لم تتصدر القلة الفخارية الصور الفوتوغرافية فقط؛ بل عاشت فى ذاكرة الطقوس الشعبية، وغنى لها سيد درويش أغنيته الشهيرة "مليحة قوي القلة القناوي"، وتقول الحكاية الشعبية إن الصانع الأول للقلة أعطى لها دون أن يدري بعضًا من ملامح الأنثى التي تتكور بطنها في شهور حملها الأولى، ومن يومها صار شكل القلة القناوي مختلفًا عن غيرها من القلل التي تصنع في غيرها من مدن مصر المختلفة. "بوابة الأهرام" تسرد تاريخ قلل الفخار القناوي بعد أن تحولت للوجو وصورة في المشروع القومي لتطوير القرى المصرية، وهو المشروع الذي أطلقه الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي يستهدف التدخل العاجل لتحسين جودة الحياة لمواطني الريف المصري، بإجمالي 4584 قرية، وذلك ضمن مبادرة حياة كريمة.
ويستخدام الدولاب الخشبي في صناعة القلل لتشكيل العجين الصلصال، وهو يرجع إلى الأسرة الفرعونية الأولى، ويؤكد الباحث الدكتور جمال كمال الدين أستاذ الجيولوجيا بجامعة جنوب الوادي بقنا من خلال دراسة أجراها على الفخار أن صناعة الفخار بدأت في حضارة نقادة الأولى من عام 4500 إلى عام 4000 قبل الميلاد.
بجانب أيادي الفواخري يكون الدولاب الذي يشكل القطعة والتنور الواحد يسمح بصناعة 6 آلاف قلة صغيرة و3 آلاف قلة كبيرة الحجم، وترص هذه الأواني رصًا محكمًا يبدأ من أسفل بالحجم الصغير ويليها بالحجم الكبير بالتدريج في الطبقات العليا التي يليها وبعد الرص تغطى بقطع من الفخار المكسور المتخلف من عمليات الإحراق السابقة، ثم تليها طبقة أخرى من الوقود الناعم المندي بالماء الذي يبدأ بإشعاله في أثناء الحريق، وذلك لمساعدة إحراق الطبقات العليا من الفخار ولتوزيع النار عليها بالتساوي.
وقامت صناعة الفخار في محافظة قنا على الجغرافية والتاريخ معا فجغرافية قنا أعطت لها مادة الطفلة وهى عبارة عن صخور رسوبية شائعة التواجد في محافظة قنا على جانبي وادي النيل من مدينة إسنا جنوبا إلى مدينة نجع حمادي شمالا، هذا بجانب تواجد الطفلة في وادي قنا الذي يبعد 7 كيلو متر شرق قنا وجبل السراي الذي يبعد حوالي 20 كم شرق قرية كرم عمران، ولكن المشكلات الأساسية في الحصول على الطفلة هي الحصول على مادة غنية بالمعادن وهذا ما جعل الباحث الدكتور جمال كمال الدين يذكر في دراسته إن الطفلة لابد أن تكون خالية من العروق وهي أصبحت نادرة الوجود مما دفع مجتمع الفواخرية بالاتجاه إلى استخدام تربة طينية بديلة في قرية المحروسة غرب قنا أو خلط التربة الطينية بالطفلة كما في قرى الدير الغربي أو الاتجاه إلى جبال أسوان بعد طحنه في مصانع بالقاهرة.
من الأسطورة الشعبية إلى الأساطير الفرعونية تنقلنا صناعة الفخار إلى الإله خنوم إله الفخار وخالق البشر من الصلصال إذ كان الفراعنة القدماء يصورونه على هيئة شخص جالس على عجلته التي تشبه الآلة التي يستخدمها صانع الفخار الآن في تشكيل صناعته وهي ذات العجلة التي يستخدمها الآن الصانع المصري.
بينما كان الفراعنة القدامى يصورون الآلة تحوت إله الحكمة على شكل أبو قردان صديق الفلاح الذي كان الفراعنة يقومون بتحنيطه في إناء مصنوع من الفخار يشبه القُلَّة وهو ما جعل القُلَّة تمثل رمز الحكمة في الاعتقادات الشعبية، لكن ارتباط القلة بالأنثى في الصعيد يبدو هو المسيطر في المعتقدات الشعبية لذلك ليس غريبا أن أعياد السبوع تشهد القُلَّة موجودة خاصة للمولودة الأنثى بينما يؤخذ الإبريق في أعياد السبوع رمزا للمولود الذكر.
مسميات القلل مختلفة عند الصناع كثيرة فهى تأخذ أسامي الحلوة والزعنونة والأمورة وقصدية وهذه المسميات المختلفة والأنواع المختلفة جعل للقلة المصرية (القناوية) مكانة خاصة في العالم أجمع هذا ماجعلها أيضا تتجاوز حدود الاستخدام في شرب المياه إلى استخدامها في وحدات البناء حتى أنهم شيدوا بها بنايات كاملة قديمًا.
ويوضح الدكتور محمد سعد عبد الله أحد الباحثين الذين تخصصوا في دراسة مجتمع الفواخرية في دراسة علمية أن محافظة قنا كانت تضم إلى وقت قريب نحو 500 صانع من أمهر الصناع فضلًا عن ألف وخمسمائة شيال وعجان وحراق غير أن عددهم تقلص كثيرًا الآن فهم الآن يعدون بأطراف الأصابع، مما يجعل هذه المهنة تواجه الإنقراض في جميع أنواع الفخاريات من قلل وأزيار وبلاليص، وغيرها من الأنواع ، كما أنها صارت من أفقر المهن.
وارتبطت القلة القناوي بطقوس شديدة الخصوصية فهم إلى الآن يوصون بكبسها بالملح قبل استخدامها في تبريد المياه حيث يمنع الملح الحشرات من الدخول إليها قبل وبعد استخدامها، كما يحفل الطب الشعبي في الصعيد من العديد من الوصفات التي تستخدم فيها القلة للشفاء فالشخص الذي يعقره الكلب المسعور يوصف له التمر المغموس في زيت الأديرة المعتق حيث يوضع هذا التمر في قلة ويظل يشرب منه المريض حتى شفاؤه تمامًا، كما أن شهرتها عبرت الآفاق ليغني لها سيد درويش "مليحة قوي القلة القناوي".
ويقول العم حربى رسلي علي إبراهيم، البالغ من العمر 47 سنة، والذي يعمل فى المهنة وهو كفيف البصر، إن ما يحلم به مجتمع الفواخرية هي قطعة أرض لممارسة مهنة أجدادهم، مؤكدًا أن من في قرية الشيخ علي يعملون بهذه المهنة وهي فقط سبب معيشتهم وأنه لابد من الاهتمام بها، معبرًا عن شكره الجزيل للقيادة السياسية على مشروع تطوير القري المصرية.
فيما أكدت محافظة قنا فى بيانات إعلامية على تأسيس قرية الفواخرية بنقادة، والذي هو مطلب أساسي من مطالب قرى نقادة، مع تكوين مجتمع يضم كافة الحرفيين لعدد من المهن الحرفية التي تشتهر بها قنا. سيد درويش اعمال فخارية اعمال فخارية اعمال فخارية