لم يبقَ من سمعة «الفخار القناوى» سوى «غناوى» لحنها سيد درويش والشيخ إمام، بالإضافة لعدد قليل من الصنّاع «القابضين على الجمر»، المتمسكين بتراث الأجداد فى مواجهة غزو الأوانى «الصينى»، و«الاستانلس»، و«الميلامين»، الذى أصبح يهدد واحدة من أقدم أنواع «الفن التشكيلى» عبر التاريخ، خاصة فى ظل أزمة الوقود التى تعانى منها ورش الفخار فى قنا. ورغم تحول صناعة الفخار إلى «مشقة» كبيرة للصناع حالياً، فإن أهالى قرية المحروسة التابعة لمركز قنا، ما زالت متمسكة بالصنعة، التى منحت القرية فى السابق اسم «قرية البلاص»، حيث اشتهرت قديماً بالصناعة التى كانت مصدراً رئيسياً للدخل، وحرفة أساسية للسكان مع الزراعة، لكن مخاطر الحصول على الطفلة الطينية من الكهوف الجبلية، وارتفاع تكاليف نقلها، وارتفاع أسعار الوقود، كلها ضربت القرية وصناعتها فى مقتل، وجعلها على وشك الانقراض. من جهته، يقول الفواخرجى فراج حسنين، إنه توارث الصنعة فى قرية المحروسة «أباً عن جد»، موضحاً أنها «كانت معلماً أساسياً لمحافظة قنا، التى اقترن اسمها بالقلل القناوى»، إلا أنه أشار إلى أن تلك الصناعة تواجه العديد من المشاكل مؤخراً، أبرزها ضعف التمويل، وصعوبة نقل المادة الخام، «فالنقلة الواحدة تتكلف 180 جنيهاً، بالإضافة إلى 70 جنيهاً أخرى للسيارة، ويحصل كل عامل على يومية 70 جنيهاً، كما ارتفع سعر المازوت المستخدم فى الحرق إلى 1500 جنيه، وارتفعت أسعار مواد أخرى تستخدم فى الحرق، منها مخلفات الذرة الرفيعة والشامية». وأشار إلى أن «الأوانى الأخرى الحديثة التى غزت كل بيوت مصر، بعدما كانت تعتمد على الأوانى الفخارية بنسبة 80% فى السابق، أصبحت أرخص مما نصنعه، فمثلاً الطبق الصينى لا يتجاوز سعره الجنيهين، بينما أقل منتج فخار، وهو الزبدية، يباع ب5 جنيهات، ويبلغ سعر العلاوة التى تعبأ فيها المياه صيفاً 15 جنيهاً، والزير وصل إلى 25 جنيهاً، وهناك منتجات تعدى سعرها ال40 جنيهاً»، وأضاف: «فى بداية فصل الصيف تنشط مبيعاتنا، خاصة الأوانى الخاصة بتبريد المياه، فما زال التجار يأتون لنا من الوجه البحرى لشراء كميات كبيرة منها». وأوضح أن «ربات البيوت، وكبار السن فى المدن والأرياف، يعرفون أهمية الأوانى الفخارية، لأنها تحافظ على درجة حرارة الطعام كما هى لأطول فترة ممكنة، بالإضافة لمنحه نكهة طبيعية، وتطلب بعض الفنادق والمطاعم كميات كبيرة من الأوانى الفخارية المزخرفة»، وطالب الحكومة ومحافظ قنا بدعم الصناعة وتطويرها، لتحويل الفخار إلى منتجات عالمية، وشدد على ضرورة تقديم مساعدات مالية لإنقاذها، لأنها لم تعد مجرد «منتج»، وإنما هى «تراث شعب». وقال بائع الأوانى الفخارية فى قرية المحروسة، سعيد عبدالموجود، إنه «مع كل شروق، أحمل الأوانى على العربة الكارو، وأدور بها على القرى المجاورة لبيعها»، مضيفاً: «هناك منتجات ينشط سوقها صيفاً، مثل الزير، والقلل، والجِرار، والمرقسيات، أما الطاجن والزبدية فالإقبال عليها كثيف، وأبيع تلك المنتجات نقداً، أو مقابل ملئه بالغلال». ويحكى الفواخرجى محمد حسن ل«الوطن» عن مراحل صناعة الفخار، قائلاً: «فى المرحلة الأولى نأتى بالطفلة الطينية من جبل المحروسة، ثم نخلطها بمواد أخرى من الطبيعة، حتى تصبح عجينة سهلة التشكيل بعد تركها عدة أيام، وتأتى المرحلة الثانية، التى نضع فيها الطين على آلة تشكيل الفخار، الراحونة، وتبدأ عملية التشكيل، وبعدها تأتى المرحلة الثالثة، وهى نشر الأوانى تحت أشعة الشمس، وأخيراً توجد مرحلة الحرق، حيث نجمع الفخار لنضعه فى المسلقة أو المحرقة، وهى مبنى من الطوب اللبِن، يتكون من طابقين، العلوى توضع فيه المنتجات، والسفلى يوضع فيه الوقود، وتترك المنتجات لمدة يوم حتى تبرد، ثم تستخرج تمهيداً لتسويقها».