إن كان الجلد هو مرآة الجسم، كما يقولون، فإن العين مرآة القلب، وربما اللسان أيضًا؛ خاصة في زمن الكورونا، بعدما صارت الكمامة فرض عين على الجميع، وصار كشف الوجه "عورة" يخشى الناس تداعياتها الصحية!.. وإن كانت توابع أزمة كورونا على وجوه الناس أثارت اهتمام الدراسات العلمية بلغة العيون اليوم، كوسيلة للتحاور الصامت والمنطوق، فإن كنت تريد معرفة ما يشعر به شخص ما عندما تختفي ملامح وجهه خلف الكمامة، فقد تحمل العيون الإجابة التي تبحث عنها، هكذا يقول علماء النفس والأعصاب.. غير أن الشعراء قد سبقوهم إلى ذلك منذ أمد طويل، ومن ذلك ما يقوله الشاعر عمارة بن عقيل: العينُ تُبدِي الذي في نفسِ صاحبها.. من المحبة أو بُغضٍ إذا كانا والعينُ تنطق والأفواهُ صامتةٌ.. حتى ترى من ضمير القلب تِبْيانا بيتان ما زلت أحفظهما منذ كنا طلبة في كلية الإعلام أوردهما الدكتور عبدالحليم محمود أستاذ علم النفس في جزء خاص بلغة العيون في كتابه "علم النفس الاجتماعي".. وفي هذا يقول شكسبير: "العين نافذة الروح".. نعم من المؤكد أن العيون تعكس ما بداخلنا وتوفر قدرًا كبيرًا عن المعلومات عن حالتنا، وتتيح لنا التواصل أيضًا مع الآخرين. هكذا يرى فيها الشعراء جمالًا ولغةً، وعلماء النفس والأعصاب يرونها مؤشرًا على الصدق والكذب والعاطفة.. نعم، قد تؤثر الكمامة على قدرة البعض على التواصل، لكنها تشكل تحديًا أكبر لأولئك الذين يعانون مشكلات في السمع ويحتاجون إلى مراقبة حركة الشفاه لفهم الكلام.. فلا يمكن الاستهانة بالعواطف؛ برأي علماء النفس، فهي اللغة التي نتمكن من خلالها من فهم بعضنا بعضًا عمومًا، وقد وجدت بعض الأبحاث أنه من الممكن فهم عواطف الناس من خلال تحليل نظراتهم لبعضهم بعضًا.. في دراسة حديثة في جامعة كورنيل الأمريكية عرضوا على متطوعين صورًا لعيون تعبر عن مشاعر مختلفة؛ مثل الحزن أو الاشمئزاز أو الغضب، أو الفرح أو المفاجأة أو الخوف، فاكتشفوا أن العيون توفر رؤية أساسية مشتركة بين الناس، وأن الحالات المختلفة للعيون مثل مدى انفتاحها أو مدى انحدار الحاجب تعطي معلومات حول الحالات العقلية والعاطفية المختلفة. أما علماء الأعصاب فينظرون إلى العين من زاوية أخرى.. فأنت عندما تنظر إلى شخص آخر تنشط لديك "اللوزة الدماغية"، وهي الجزء من الدماغ المرتبط بالعواطف، ما يدل على وجود صلة بين العاطفة والعينين على المستوى العصبي. ليس هذا فحسب، بل أهمية لغة العيون تأتي من الكيمياء العصبية من زاوية "هرمون الأوكسيتوسين"، الذي يُنتج بشكل طبيعي في الجسم وله دور مهم في التفاعلات الاجتماعية، فقد ثبت أن من تزيد لديهم نسبة هذا الهرمون؛ يٌطيلون النظر إلى العيون لكي تساعدهم على تحديد تفاعلاتهم الاجتماعية مع الآخرين بشكل أفضل. باختصار نحن قادرون على معرفة حال من يحيط بنا من خلال عيوننا، حيث تساعدنا على تقييم مشاعرهم، بالتالي تسمح لنا بالتفاعل معهم بشكل مؤثر. فالعيون لا تكذب ولا تتجمل، كما اللسان.. وعلى سبيل المثال، بإمكانك معرفة ما إذا كان شخص ما يكذب أو لا من خلال مراقبة حركة عينيه عندما يتحدث، أو إذا كان ينظر إلى الأعلى أو يمينًا ويسارًا. قد يقول قائل إنه يمكن اكتشاف الكذب بسهولة من خلال "جهاز كشف الكذب"، الذي تلجأ إليه جهات التحقيقات في التحري عن الموظفين الجدد في المراكز القيادية، ليس عندنا بالطبع، بل في بلاد الغرب أو في الإيقاع بالمتهمين في الجرائم.. لكن في الحقيقة لغة العيون ليست من ضمن خيوط المراقبة الفعلية هنا، لأن الجهاز يعتمد بالأساس على قياس ومراقبة العديد من المؤشرات الفسيولوجية، كضغط الدم والنبض والتنفس واستجابة الجلد، في أثناء استجواب شخص ما. ومع ذلك، فإن جميع علماء النفس، وفق تأكيد جمعية علم النفس الأمريكية يتفقون على عدم وجود دليل يثبت دقة اختبارات جهاز كشف الأكاذيب، وفي عام 1991، اعتبر ثلثا المجتمع العلمي الذين يملكون الخلفية اللازمة لإجراء الاختبارات على أجهزة كشف الكذب، بأن الجهاز مجرد "علم زائف"؛ لأن الأبرياء قد يرتبكون في إثناء الاستجواب فيصبحون مذنبين! باختصار، قد لا يكون أمامك أحيانًا من خيار لكي تعرف ما تريد أو ما يشعر به شخص ما عندما تختفي ملامح وجهيكما خلف الكمامة، سوى مراقبة لغة العيون، فقد تحمل لكليكما الإجابة التي تبحثان عنها. ورغم الكمامة، يمكننا معرفة ما إذا كان الناس يبتسمون بالنظر إلى عيونهم، والابتسامة، من أهم التفاعلات بين البشر على الإطلاق، وخصوصا في الوقت الراهن، زمن "اكتئاب الكورونا".