كل شىء ينطق بفن مصري أصيل.. هنا في وادي النيل حيث امتزجت العقيدة المسيحية الوافدة بتراث مصري قديم، ليُولد نتاج جديد قديم هو الفن القبطي. في تلك الكنائس تجذبك الصور المعلقة على الجدران: ملامح وجه صافية أقرب إلى الملائكة منها إلى البشر، وعينان متسعتان تكاد ان من فرط تجسيدهما تشعر أنهما تحدقان فيك، وتأخذانك إلى عالم مغاير تحلق فيه بعيدا عن الأرض.. إنها صور القديسين والقديسات، الشهداء والشهيدات الذين دافعوا عن المسيحية الوليدة ضد الوثنية الرومانية ثم خاضوا حربا أخرى ضد الاضطهاد الروماني لمذهبهم... مضى الزمن وبقيت أرواح أولئك الشهداء تسكن تلك اللوحات المعروفة باسم «الأيقونات».. هذا هو فن الأيقونة الذي استمد جذوره من بورتريهات الفيوم الشهيرة.. وتوارثه عن الأجداد فنان مصري معاصر هو الفنان عادل نصيف أحد أبرز فناني الأيقونات على مستوى العالم، والذي زينت أعماله كنائس مصر والعالم. منها جدارية فى مسرح بروكلين بنيويورك عن الحضارة الفرعونية والفن القبطي ورحلة العائلة المقدسة. كما زينت أيقوناته كنيسة مارمينا فى كينج مريوط وكنيسة الأنبا أنطونيوس بالمنيا، وكنيسة القديس أنطونيوس بالبحيرة. وعام 2012 أدرجت وزارة الثقافة الفرنسية جداريته فى كنيسة الملاك ميخائيل بفرنسا ضمن أهم المزارات.. معه وعنه دار الحوار الآتي. يعتبر مؤرخو الفن الأيقونة القبطية امتدادا لبورتريهات الفيوم الشهيرة التي هي في الأساس تطور للفكر المصري القديم..؟ الأيقونة صورة رمزية للمسيح والسيدة مريم العذراء والقديسين والقديسات، وهى ما تبقى من الفن الشعبي المصري وتعد تطويرا لما يعرف ب «بورتريهات الفيوم» وهى اللوحات الجصية التى كانت تحمل صورة وجه المتوفى لتعرف الروح طريقها إلى الجسد. وقد ظهرت بورتريهات الفيوم فى أواخر العصر الروماني. ومع دخول المسيحية مصر بدأ الفن القبطى الوليد يتأثر بفكرة البورتريهات فظهرت الأيقونة إلا أنها لم تهتم بتجسيد الملامح البشرية كما في البورتريهات. بل انصب اهتمام الأيقونة على الجانب الروحاني، فهى مجرد رمز وليست تجسيدًا تجسيد للواقع. والفنان القبطي أول من رسم الأيقونة على مستوى العالم. شهد المسيحيون الأوائل كثيرا من الاضطهاد على أيدي الرومان الوثنيين.. فمتى بدؤوا ينسجون خيوط عقيدتهم الجديدة في «أيقونات»؟ جاء ذلك فى عصور متأخرة من ظهور المسيحية، ففي القرون الأربعة الأولى للميلاد كان هناك اضطهاد للمسيحية ثم خلافات مذهبية. ومع استقرار الوضع تفنن الأقباط في رسم الأيقونات. ومن أقدم الأيقونات في مصر أيقونة السيد المسيح في سانت كاترين وتعود إلى القرن الثالث الميلادي، وهناك أيقونة قبطية موجودة في اللوفر تعود إلى القرن الخامس وتصور السيد المسيح وقد وضع يده على كتف القديس مينا. إلى أي مدى تأثر فنان الأيقونة بالتراث المصري القديم من حيث الشكل والمضمون؟ اقتبس الفنان القبطي بعض المشاهد المصرية القديمة وأهمها مشهدان الأول: السيدة مريم وهى ترضع السيد المسيح عليهما السلام، وهو استنساخ لصورة إيزيس وهى ترضع حورس، وهناك صورة القديس مارجرجس على الحصان وهو يقتل التمساح تشبه صورة حورس وهو يقتل «ست» إله الشر عند المصريين القدماء . كما يظهر فى الأيقونات الكثير من زخارف الفن المصري القديم كاستخدام علامة عنخ أو مفتاح الحياة والسمكة التى كانت رمزا للخصوبة عند المصري القديم. وفى الفن القبطي استخدمت رمزا للسيد المسيح . وبعد الفتح العربي دخلت على الأيقونة بعض الكلمات العربية مثل «عوض عبدك يا رب» . - ما أهم ملامح الأيقونة المستوحاة من روح العقيدة المسيحية؟ أهم ما يميز ملامح الشخصية في الأيقونة اتساع العينين تعبيرا عن انفتاح البصيرة الداخلية. وتستخدم الألوان التقليدية وهى الأزرق رمز الطهارة والأبيض رمز النقاء والأحمر للعظمة إضافة إلى درجات البنى للأرضية. أما السيدة العذراء فترسم وقد وضع على ملابسها 3 نجوم على الرأس والكتفين الأيمن والأيسر لأنها دائمة بتول قبل وبعد وأثناء الولادة. ولابد من وضع هالة دائرية حول رأس القديس. وفى أيقونة السيد المسيح نضع داخل الهالة علامة الصليب. حدثنا عن مراحل تطور وازدهار فن الأيقونات؟ صناعة الأيقونة فن فطري شعبي بامتياز ولهذا كان فقيرا نسبيا لأنه بإمكانات شعبية ولم يكن بإمكانات الدولة كما كان الفن المصري القديم.. وقد انتعش حتى شن رجال الدين ما يعرف ب«حرب الأيقونة» في العصور الوسطى، فقد رأوا أن الناس قد اتجهوا إلى تقديس الأيقونات فحرقوا أعدادا كبيرة منها. ثم عاد إنتاج الأيقونة لينتعش فى القرنين الثامن عشر التاسع عشر الميلاديين على يد الفنانين الوافدين من سوريا وفلسطين ومنهم: حنا الأرمني ويوجد كثير من أيقوناته فى كنائس مصر القديمة. وقد أنتجوا منها كميات كبيرة حتى ظهر د. فانوس وتعلم تكنيك الأيقونة القديم على يد فنان روسي وبدأ يعيد إنتاجها. ما الفارق بين الأيقونة القبطية ونظيرتها الأوروبية؟ الفن القبطي فن التعبير عن الروح، هو فن الرمز لا الواقع.. وهو عكس الفن الغربي الذي يجسد الواقع ويفتقد روحانية فنوننا القبطية. فمثلا فيما يخص قصة الميلاد نجد أن الأيقونة القبطية فيها أحداث متباعدة زمنيا، لأن الغرض هو توصيل الحالة الروحية إلى الموضوع ذاته لأنها تعتمد على أحداث الكتاب المقدس. أما الأيقونة الأوربية فترسم أحداثا معينة من الموضوع. كما يستلهم الفنان الأوروبي لحظة الميلاد من البيئة والطبيعة الأوروبية. ما تكنيك عمل الأيقونة وفقا للطريقة المصرية التقليدية؟ الأيقونة ترسم على سطح من الخشب بخامة «التمبرا»، ويتم الرسم بالأكاسيد الطبيعية المخلوطة بصفار البيض وهذه الطريقة استخدمها الفراعنة ثم الأقباط، ولأن كل الخامات المستخدمة فى الأيقونة طبيعية فإنها تكون قادرة على مواجهة الزمن. - رسمت كتابا يروي قصة الميلاد للأطفال بالأيقونات.. حدثنا عن الفكرة؟ هذا الكتاب أَلَّفْتُهُ بناء على طلب أحد الكتاب في جزيرة برمودا لتقديم معلومات مصورة للطفل عن ميلاد السيد المسيح.. فصممت عددا من الأيقونات لنحكي قصة الميلاد من خلال حمار يوسف النجار وهو بطل القصة واسمه «زيكا». ويبدأ الكتاب بنبوءة النبي أشعيا حول هروب العائلة المقدسة إلى مصر وكانت النبوءة ذلك قبل الميلاد بقرون «هَا العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعى اسمه «عمانوئيل» أى الله معنا». فى بداية القصة أرسم أشعيا يكتب النبوءة وفوقه ملاك يعطيه الرؤية. ثم مشهدا للقاء يوسف النجار والسيدة العذراء، يليه مشهد البشارة والملاك يبشر العذراء بميلاد السيد المسيح وتتوالى المشاهد لنصل إلى الملك «هيرودس» وهو يأمر الجنود بالبحث عن الطفل وقتل جميع الأطفال من عمر يوم وحتى سنتين، ومشهد يوسف النجار يأخذ العذراء وهى حامل ليسجلا اسميهما فى بيت لحم مقر الميلاد. ويظهر يوسف النجار وهو يطرق باب أحدهم الذي يقوم بإدخالهما إلى الحظيرة حيث يعد يوسف النجار المِزوَد حتى يتم الميلاد ليأتى مشهد الكوخ منيرا بالضياء .ثم الميلاد والعذراء مضّجعة ويوسف النجار بجوارها والملائكة تظهر فى المشهد ويبشر الرعاة بالميلاد ليذهبوا لرؤية الطفل.