إذا كان استخدام الرمز فى الفنون بشكل عام يعكس منهجًا فكريًا ذا طابع فلسفى فيمكننا أن نتوقع ارتباط الفنون المسيحية المبكرة لا سيما المصرية منها بمنهج فلسفى كونى وعقائدى فى آن واحد. وفى سياق هذا البنيان الرمزى تجلت أعمال فنية، منها ما عرف باسم الأيقونة، وهى الامتداد المصرى لما يعرف ب«بورتريهات الفيوم» التى تعد بمثابة الأشكال الأولى للأيقونة المصرية التى انتشرت فى العالم المسيحى الشرقى، وأضحت ذات وظيفة رمزية مقدسة عند الفنان والمتعبد والمجتمع المسيحى بشكل عام. فى أسبوع الآلام تستخدم الأيقونات للتعليم بل وللصلاة، حيث تدفن صورة لدفن المسيح فى وسط الورود والحنوط وتستبدل بصورة لرسمة القيامة، من هنا تأتى أهمية الحديث مع الفنان القبطى العالمى عادل نصيف عن أيقونات أسبوع الآلام. ■ ما الأيقونة؟ وما الفرق بينها وبين الأعمال الفنية الأخرى؟ - يعتبر فن الأيقونة هو المعبر عن الإيمان المسيحى بطريقة بسيطة شارحًا كل الأمور الإيمانية، الأيقونة تختص بالتعبير عن الخليقة السمائية والرسل وكل الشخصيات المقدسة، ولا بد أن تكون مرسومة على قطعة من الخشب بخامة التمبرا (الأكاسيد الطبيعية المخلوطة بصفار البيض) والأعمال الأخرى تسمى أعمالًا فنية وليست أيقونات. والعجيب أن الفكرة الأولى لفن الأيقونة وتنفيذها بألوان التمبرا أو الشمع، كانت مصرية وقبل الميلاد واستمرت خلال القرن الأول الميلادى المعروفة باسم (بورتريهات الفيوم) وتعتبر مصر أول من أبدعت فن الأيقونة وتوجد أقدم أيقونة تمثل السيد المسيح يحتضن القديس مينا أسقف دير بمنطقة باويط بمتحف اللوفر. ■ كيف يعبر فن الأيقونة عن كل أحداث أسبوع الآلام المتشابكة؟ - كان فن الأيقونة هو المعبر الحقيقى عن الإيمان منذ نشأة المسيحية وحتى عصر النهضة، ونظرًا لدقة هذا الفن واهتمامه بجميع التفاصيل، فإنه يجمع أحداثًا كثيرة فى مساحة صغيرة، ونجد أيقونات كثيرة تكثف وتجمع كل أحداث أسبوع الآلام، وأشهرها أحداث الصلب. ■ كيف تأثرت الأيقونة القبطية الحزينة بالفن الفرعوني؟ - الفن القبطى والأيقونة هى الوريث الشرعى للفن الفرعونى، فقد احتفظ الفنان القبطى بجرعة كبيرة من التعبير عن الحزن موروثة من الفن الفرعونى، حيث كان طقس الموت والدفن للمتوفى يستغرق وقتا طويلا، مع استخدام النائحات فى تجسيد مشاهد الحزن على الميت، لكن فى المسيحية أصبح الإيمان بأن الموت هو انتقال من حياة إلى حياة أفضل، ولذلك لا تميل الأيقونة القبطية إلى التعبير المبالغ فيه عن الآلام. ■ ما أبرز ملامح الأيقونات القبطية؟ - الأيقونة القبطية لا تمثل الواقع بل هدفها التعليم وتوصيل الإيمان تتميز بروح الفرح فلا تهتم بمشاهد الآلام والدم والتعذيب، فنجد الشخص وقت استشهاده فى حالة هدوء وسلام، الضوء فى الأيقونة ينبع من داخل القديسين وليس من الخارج وتحت أقدامهم ضوء على الأرض، تتميز بالحنو والعطف العيون الواسعة تعبر عن انفتاح البصيرة الداخلية وهى مستمدة من بورتريهات الفيوم، تتميز بالمصرية الشديدة، القديسين فى حاله نظر دائم للمصلى وكأنهم يدعونه للتشبه بهم، الهالات الدائرية على رءوس القديسين، متأثرة بالفن الفرعونى فترسم الشخصية الأساسية كبيرة الحجم عن الآخرين للتركيز عليها. ■ ما أصعب صورة بالنسبة للفنان؟ هل هى عرس قانا الجليل التى تعبر عن الفرح وأيضا دخول أورشليم ولا أيقونة الصلبوت؟ - أصعب صورة للفنان هى التى لا يقتنع بها أو لا يجد لها فكرة لكن إن قام الفنان بالدراسة وتجهيز الفكرة تكمن الصعوبة فى الوقت، ولا إبداع بدون معاناة وشقاء، لو لم يذق العبقرى مايكل أنجلو العذاب 4 سنوات معلقًا على السقف ما ترك لنا رائعته بسقف كنيسة السيستين. موضوع عرس قانا الجليل من الموضوعات التى نفذتها بخامة الموزاييك بمطرانية الإسماعيلية فى بانوراما تعبر عن الأحداث فالعذراء تطلب من المسيح لعمل المعجزة، المسيح يبارك، وتغير لون الماء تعبيرا عن المعجزة، ثم الفرح، واتخذ ملامح فرعونية هنا تظهر خصوصية المكان لأن الفن الدينى يحمل ملامح المكان وأيضا دخول أورشليم صعبة فى التنفيذ لكنها ممتعة.. نفذتها موزاييك بكنيسه باريس. ■ هل الألوان القاتمة هى التى تعبر فقط عن الألم؟ - لكل فنان أدواته ومشاعره وتختلف النتائج تبعا لتمكن كل فنان، الألوان القاتمة تعطى تركيزًا للحدث ودراما لكنها ليست رمزا للآلالم الأهم العناصر وملامح الشخصيات والجو العام والدرجات اللونية. ■ كيف يمكن التعبير عن الألم الذى حطم الأم العذراء مريم وقت صلب ابنها بالريشة؟ - تكفى نظرتها لابنها معلقا على الصليب، فأصعب شىء على الأم أن ترى هذا المشهد، مع التعبير عن ملامح الهلع والحزن الشديد وتركيز المشهد. ■ هل هناك أيقونات وصور لكل أسبوع الآلام، وما الحدث الذى لم يأخذ حقه فنيا فى أسبوع الآلام؟ - طبعا كل أحداث ولحظات أسبوع الآلام مسجلة بالفن العالمى، لكن بالأيقونة القبطية توجد أيقونات لبعض الأحداث لكن ليس لدينا تسجيل كامل لها فى مكان محدد، بعض الأحداث لم يهتم بها مثل، خيانة يهوذا، تطهير الهيكل من الباعة، قارورة الطيب، غسل الأرجل وغيرها. ■ كيف عبر الفنانون الغربيون عن أسبوع الآلام؟ - الفن الغربى لديه مخزون ضخم من التعبير عن أحداث أسبوع الآلام، ومشاهد الصلب وإنزال المسيح عن الصليب تتصدر تلك المشاهد، لدرجة أنى زرت كنيسة بأمستردام فوجدت كل الجدران تسجل فقط أحداثاً من المحاكمة إلى الصلب، وقد تبارى وأبدع كثير من الفنانين ومن أشهرهم الفنان الهولندى رمبرانت الذى عبر عن البعد الإنسانى للمشهد الدينى وتتميز أعماله بالضوء البسيط وسط ظلام اللوحة وأيضا الفنان روبنز. ■ ما ملامح أيقونة القيامة القبطية؟ - أيقونة القيامة القبطية تركز على شواهد القيامة مثل لقاء المسيح بمريم المجدلية والملاك الذى دحرج الحجر ثم بطرس ويوحنا وباقى المريمات.