أنا من الذين يأسرهم الفن القبطي بعفويته وتلقائيته وبساطة تفاصيله والأهم خصوصيته المصرية ، فهو عبر عن العقيدة المسيحية وجسدها من منطلق جذوره الفرعونية القديمة .
..لذلك حزنت عندما ألغى افتتاح جدارية مرسى مطروح للفنان عادل نصيف سفير الفن القبطي حول العالم وأحد القلائل الذين مازالوا ينفذون الأيقونات بوصفها من أجمل وأهم ما أنتجه الفنان القبطي. جاء إلغاء افتتاح الجدارية بعد الحادث الإرهابي الأليم فى الكنيسة البطرسية ، والذي أدمى القلوب وألقى بظلال كثيفة من الوجع والألم على قلب كل مصري.
أما الجدارية التى نفذها عادل نصيف ، فقد تم تركيبها على واجهة كنيسة السيدة العذراء بالشارع بمدينة مرسى مطروح " 12 متر عرض وارتفاع 4 متر"واستغرق العمل بها 5 شهورمن التصميم والتنفيذ ، خاصه أن العمل بخامة الموزاييك الزجاجى تحتاج مزيدا من الدقه والصبر . جاءت الجدارية تحمل مزيجا من الفن القبطي والإغريقي .أما الأول فقد تمثل فى موضوعها والثانى تمثل فى اختيار خامة الموزاييك الذي جعله الإغريق على رأس الفنون التشكيلية وشغف به ملوك بنى أمية وجعلوه زينة قصورهم فى الشام ثم الأندلس .
فى الجدارية يتمدد نهر النيل بشكل عرضى كما نراه من الشمال الى الجنوب كرمز للخير والنماء. ..بالنهر زهور اللوتس والأسماك كرمز للخير وتتحرك فى اتجاه المركب الفرعونى الذى يحمل مشهد العائلة المقدسة. .المسيح الطفل بالمنتصف واقفا فى وضع صلاة وبركة وترحيب لكل من يقف أمام الجدارية. وتطير حوله 3 حمامات رمزا للسلام .. (وقد رسم السيد المسيح فى سن أكبر مما هو معتاد رسمه تأكيد على أنه عاش وأكل من مصر لمده أكثر من 3.5 سنوات وعند الهروب كان سنه أكثر من عام )
على يمنته تجلس السيده العذراء تنظر بحنو وترفع يدها اليمنى وباليسرى تحمل غصن الزيتون..خلفها تجلس القديسة سالومى "كبيرة الدايات فى بيت لحم التى جعلتها معجزة الميلاد تهب حياتها لخدمة العذراء وولدها المسيح" فحضرت معهم لمصر لخدمتهم. .تجلس بوضع الفلاحة المصريه وأمامها سبت به ملابس وجره الماء ...من الناحية اليسرى يقف القديس يوسف النجار طاعن فى السن كشيخ وقور.يمسك عصا بيده وينظر العائلة. .والجميع بمركب فرعونى..يستقبلهم مركب فرعونى آخر تجلس عليه بنت فرعونيه ترمز لمصر..وترحيبها بالعائلة المقدسه وتحمل بيديها زهر اللوتس ومفتاح الحياة. على المركب نجد طائر أبو منجل رمزا لإله الخصب والنماء فى مصر القديمه .
ومن خلفها رموزالحضارة المصرية ممثلة فى مسلة فرعونيه ومعبد والأهرامات ..ويستمر المشهد فنجد بعض الكنائس والأديرة رمزا للحضارة القبطية ..وبعدها فى الناحيه الأخرى تظهر ملامح الحضاره الإسلاميه متمثلا فى سور قديم يعبرعن العمارة الإسلامية وايضا بيوت سيوة القديمه تعبيرا وربطا للمكان (مطروح) بكامل المشهد ..ويظهر غزالتين لأنه الغزاله شعار مرسى مطروح...ونجد النخيل يزين المشهد وهو يحمل ثمرا،رمزا لأن أرض مصر مثمرة بكل الخير.وفى أعلى الجدارية آية من التوراة "مبارك شعبي مصر "
الفنان العالمى عادل نصيف الذي تزين أعماله من الأيقونات والجداريات أبرز الكنائس داخل مصر وخارجها ،تخرج في كلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية قسم تصوير عام 1985 وتعلم فن الأيقونة على يد أهم روادها فى العصر الحديث الدكتور إيزاك فانوس ثم بدأ مشواره معها عبر أكثر من 35 عاما .
وزينت أيقوناته معظم الكنائس المصرية ومنها أيقونات كنيسة الأنبا انطونيوس بالمنيا . وله لوحة موزاييك فى كنيسة القديسة مار مينا فى الساحل الشمالى وأيقونات فى كنيسة القديس انطونيوس فى البحيرة وفى كنيسة الملاك ميخائيل بكفر الدوار . وخارج مصر له أيقونات وأعمال فريسك فى كنيسة أمستردام . وفى عام 2012 أدرجت وزارة الثقافة الفرنسية جداريته التى تتصدر كنيسة الملاك ميخائيل فى فرنسا ضمن المزارات السياحية ، وهى جدارية العائلة المقدسة بعرض عشرة أمتار وارتفاع ثلاثة أمتار ونصف والتى تم تركيبها عام 2005 . ووزع كتابه عن فن الأيقونة 30 الف نسخة وعقد له معرض فى مانهاتن .
ويبقي القول إن الفن القبطى العتيد ظلم طويلا لوجوده ربما كما قال ثروت عكاشة لأنه وجد بين حقبتين عظيمتين فيما قدمانه من فنون هما العصر الفرعونى والعصر الإسلامى ..لكن الفن القبطى يبقى صاحب الفضل فى حفظ التراث الفرعونى بكل مفرداته ومنها ترانيم الكنيسة التى تردد صداها منذ قرون فى المعابد الفرعونية