تكتب يأبى الحزن عادة أن يأتي وحيدًا؛ كمعظم الزلازل تليها التوابع؛ أحيانًا تأتي الأحزان سويًا؛ وكثيرًا نستدعي الأحزان السابقة ونضاعف أوجاعنا بأيدينا، وكأن الحزن الحالي لا يكفينا؛ فنزيل عنها أتربة النسيان "ونتنفسها" بعمق ونتسبب بالاختناق ونعطل قدراتنا على التعامل "الأفضل" مع الحزن. ويتضافر الحزن مع خيبة الأمل أو مع وجع الفراق بالموت أو بانتهاء علاقة لم نتوقع يومًا زوالها أو فشل بعمل أو بدراسة أو خسارة مالية.. الحزن "جزء" من الحياة "يزورنا" لأسباب نعرفها ومرات لأننا "نختزن" داخلنا أوجاعًا لم نتخلص منها أو لم نرغب بذلك ومواجهة النفس ضرورية للعلاج؛ فالاستسلام للحزن= انتحار ببطء والحزن يدمر أو يطهر ويقوي ونستطيع الاختيار.. ابتسم لنفسك فإن لم تقتله قتلك؛ فالحزن يقتلنا ونحن أحياء "وتشاغل" عنه بصنع ما يسعدك فإن لم تعوض نفسك عما فاتك ستسمح للحزن بالإقامة بحياتك ولا "مهلك" للصحة النفسية والجسدية مثله. ولاحظت أننا "جميعا" نحزن كثيرًا عند تأخر ما نريده أو حدوث مشكلة وعندما تنتهي ويأتي ما نريده لا نفرح كثيرًا؛ وكأننا نرى أنه "حقنا" الذي تأخر، فنؤذي أنفسنا مرتين؛ الأولى للحزن البالغ والثانية لأننا "لا نغسل" الحزن بالفرحة الناعمة، وبالشكر الحقيقي الذي يضاعف النعم وأدعو الرحمن أن نتغير ونحمي أنفسنا. الحزن عدو خبيث يتسلل ببطء ليتوغل؛ فاحذره وامنع إقامته بحياتك ولا تسمح له بالسيطرة واطرده، ولا تقل لا أستطيع وتهزم نفسك ولا تركز عليه، ووسع حياتك وسيتراجع وتسعد بحياة تستحقها. ولا يوجد أحد يمكنه برمجة عقله ألا يحزن أبداً؛ فهذا ضدّ الطبيعة البشرية؛ ولكن يمكننا توجيه الحزن ليفيدنا ولا يؤذينا، فنجعله وقوداً لتحقيق انتصارات بمجالات أخرى بالحياة، وتحسين ظروفنا بسبب حزننا، وألا نسمح للحزن أن يصبح نارًا تلتهم حبنا للحياة ويورثنا اليأس الذي يؤذينا بشدة صحيًا ونفسيًا ودينيًا أيضاً، ويساعد من أحزنونا ويحقق لهم أضعاف ما يحلمون به. من النصائح الخاطئة البحث عمن نتحدث معه عند شعورنا بالحزن؛ وهي خاطئة فالنتائج - غالبا - سيئة وتضيف للحزن الضيق والغضب؛ فنجد من يقلل ويستهين بأسباب الحزن أو يبالغ بالتعاطف فيضاعفه. ونوصي بالكتابة للنفس أو بتسجيل مشاعرنا والاستماع إليها أو قراءة ما كتبناه ونرحب بالبكاء والكلام للجنسين؛ فهو "رحمة"؛ وإذا شعرت بالرغبة في البكاء فلا تقاومها وانفرد بنفسك وإبكِ - فلا يرى دموعك أحد - فالبكاء نعمة وتنفيس عن الوجع ووسيلة للتخلص من تراكم الضغوط وإعادة قراءة المواقف بعد طرد المبالغة لكثرة المشاعر السلبية، ويمهد الطريق للتخلص من الألم أو تخفيفه "بشرط" ألا يتحول البكاء لترسيخ الوجع وللشفقة على النفس ولزرع الإحساس بالمرارة وقلة الحيلة وأن يكون دافعًا للتصرف وليس مؤشرًا للعجز. لا تسمح بالحزن بالإقامة فهو كالرمال الناعمة كلما توغلت فيها يصعب "إنتزاع"نفسك منها. يتبع الحزن تراجع هائل في الرغبة بالتواصل مع نفاد للصبر ورفض للنصائح بطرد الحزن وتزيد الحاجة للعزلة ويتضاعف الشعور بعدم وجود من يتفهم مشاعرنا أو يجيد قراءتها ويحسن تقديرها. وتتفاوت الاستجابة للحزن؛ فالبعض ينكره وآخرون يحتضوننه؛ عندما نتجاهل مشاعرنا "الحزينة" بسبب موقف ضايقنا أو "خيبة أمل" أو حزن فلن تختفي "وسيختزنها" العقل وتنهك الذهن وتؤلم النفس وتضعف الجسم، أنت "غال" لا تنكر مشاعرك ولا تحولها لكارثة وواجهها وتذكر المثل اللبناني الرائع: كبرها بتكبر، صغرها بتصغر. ومن يحزن لغدر أو تصرف لم يتوقعه من مقربين نهمس له بكل الود له والاحترام لمشاعره: لا تخذل نفسك بالاهتمام بهم أو بالحزن أو الغضب منهم واحتفل باكتشافك لحقيقتهم واحتضن نفسك بحب واحترام ولا تنظر للخلف أبدًا فلا يستحقون ثانية من الحزن عليهم وسارع بمحوهم من حياتك كما تتخلص من بقعة أفسدت ملابسك، وتعلم من التجربة وامنع تكرارها. وتذكر أن الحزن يضعف المناعة ويعرض للاصابة بأمراض القلب ويقلل من قدرات العقل ويمهد للاكتئاب. وأحيانًا تفكر بأمور تتسبب في الحزن ثم تتوقف وتتعرض لانتكاسة وتحزن مجددًا؛ ولتحمي نفسك فلتتوقف وللأبد عن الربط بينها وبين السعادة أو التفكير "وكأنك" خسرت بسببها والمؤكد أنك "تكسب" بالابتعاد عن كل ما يحزنك أو من لم "يجيد" تقديرك والتعامل معك بما تستحقه - ولو كان ما يحزنك شيئًا فقدته؛ فقل لنفسك: لم يكن لي وسيعوضني ربي بالأفضل - ولو كان شخصًا "فثق" أنه لا يستحقك وأنك تستحق من يراك رائعًا ويحرص على التواجد بقربك أليس كذلك؟! أما لماذا تحدث الانتكاسة فهي أمر طبيعي وجزء من الشفاء - بشرط - التنبه والعودة لتقوية نفسك وعدم التعامل مع الانتكاسة وكأنها دليل على فشلك أو صعوبة طرد الحزن؛ بل مؤشر على أنك لم تملأ الفراغ بعد التجربة أو أنك تتحدث عن حزنك "فتنشطه" بدلا من السماح له بالذبول والتراجع.. أخيرًا الأمر بيدك "وحدك" بعد الاستعانة بالرحمن قل لنفسك: سأعيش مرة واحدة والعمر مهما طال قصير ولن أقصره بالهم والحزن، ولن أهزم نفسي "بتوهم" صعوبة ذلك وكما نجحت سابقا - ولو لفترات قليلة - ستنجح أكثر وأفضل مستقبلا ولا تتكلم مع من يضعفونك أبدًا.