هل سيكون العام الجديد 2021 هو عام العملات الافتراضية المشفرة؟ هذا هو التساؤل المطروح داخل اسواق المال العالمية وذلك بعد النمو الهائل فى التعامل عليها خلال العام المنصرم والذى شهد دخول الكثير من المستثمرين الجدد الى السوق، بسبب سياسة التيسير النقدى التى قامت بها البنوك المركزية لمعالجة آثار جائحة كورونا وماترتب عليها من تخفيض لاسعار الفائدة، فضلا عن حصولها على مصادقة العديد من المؤسسات الكبيرة والهيئات الادارية والعديد من المستثمرين البارزين، ولذلك زاد الطلب على هذه العملات بشدة وارتفعت القيمة السوقية لعملة البيتكوين اكبر العملات المشفرة بنسبة 300% فى عام 2020 لتصل الى 35 الف دولار امريكى،بينما وفي المقابل انهى الذهب تعاملات العام بارتفاع بنسبة 25% فقط. وتجاوز الحجم الاجمالى للتعاملات اليومية على البيتكوين فى البورصات الفورية الخمسة مليارات دولار. الامر الذى دفع وزير الخزانة الامريكى للقول بأن وزارته تدرس اذا ما كانت هناك حاجة الى قاعدة بشأنها ام لا؟ في ظل زيادة الطلب العالمي عليها. هذه العملات هي عملات الكترونية افتراضية ليس لها وجود ملموس ولا يمكن رصد حركتها بالأسواق الدولية لكونها تتداول عبر الأشخاص والمؤسسات عن طريق الانترنت وتستخدم التشفير وقاعدة بيانات تسمح بتحويل الأموال بسرعة وسرية خارج نظام الدفع المركزي التقليدي. وتتميز بأنها عملة لا مركزية، أي لا يتحكم بها غير مستخدميها، ولا تملك رقما متسلسلا ولا تخضع لسيطرة الحكومات والبنوك المركزية كالعملات التقليدية، بل يتم التعامل بها فقط عبر شبكة الإنترنت دون وجود فيزيائي لها. وبالتالي تم تجاوز نظام التداول النقدي التقليدي بعملة غير ملموسة بعيدة عن أعين السلطات الرسمية أو وجود تغطية من الذهب أو عملات أجنبية تدعمها وإعادة الناس إلى عالم بلا قيود وقد جاءت نشأتها خلال فترة التسعينيات من القرن الماضى، وانتشرت بشدة في عقب الازمة المالية العالمية عام 2008 حيث سعى عدد من المبرمجين لتأسيس العملات الرقمية. وكانت هذه المحاولات غالبًا ما تفشل لأسباب عديدة أهمها غياب الهيكل التنظيمي والتشريعي وانخفاض عدد مستخدمي الإنترنت في العالم انذاك وفي عام 2008 ومع تلقي الاقتصاد العالمي ضربات موجعة بفعل الانهيار المالي وبدافع التخلص من سيطرة الحكومات وانعدام الثقة المدفوعةً بالتوجس العام بانهيار النظام المالي العالمي قام شخص يدعي ساتوشي ناكاموتو بنشر ورقة عن البيتكوين كنظام عملة إلكتروني. وفي يناير2009 تم إطلاق أول عملة وكانت قيمتها ضعيفة للغاية مع العلم بأن هوية المؤسس غير مؤكدة، فالبعض يرجعها إلى مجموعة أشخاص والبعض يؤكد أنها لأمريكي ياباني يقيم في كاليفورنيا، إلا أنه ليس من دليل يؤكد هويته الحقيقية. وتشكل هذه العملات عدة تحديات أساسية امام النظم النقدية الحالية والبنوك المركزية، لأنها تتسم بدرجة عالية من التقلب والمخاطر وكثافة استخدام الطاقة ولان التعامل التكنولوجي الذى تستند عليه لم يصبح بعد قابلا للقياس لكنها وعلي الجانب الآخر تجد دعما كبيرا من الأسواق الدولية خاصة بعد ان بدأ التعامل الرسمي بها في بورصة شيكاغو فيما اعتبر الخطوة الأساسية لتقنين التعامل بها ويعطيها شرعية ويعترف بها كأصل مالي يمكن التداول عليه وهي مسألة مهمة في ضوء ما كان معمولا به من قبل باعتبارها عملة لا ينطبق عليها قواعد الاستثمار العامة لكن مع دمج هذه العملات في أسواق المشتقات فانها تصبح قادرة علي الحصول علي معايير تقييم واقعية وهي أمور من شأنها تعزيز جاذبيتها وزيادة الثقة فيها، يضاف الي ما سبق إعلان الجهة الرئيسية المنظمة لسوق المشتقات في الولاياتالمتحدة السماح بالتعامل بعقود بيتكوين آجلة.مع الاخذ بالحسبان ان العقود الآجلة هي نوع من عقود المشتقات المالية التي تسمح بالتداول علي أساس تحركات الأسعار دون شرط ملكية العملة ذاتها. ولم تقتصر هذه التعاملات على البورصتين الأمريكتين، فقد أعلنت البورصات المالية في اليابان التعامل معها بالاضافة الى بلدان عديدة مثل المانيا وكوريا الجنوبية والنمسا وغيرها. وهي خطوات جاءت بعد تزايد طلبات المؤسسات الاستثمارية الراغبة في الدخول إلى السوق. لذلك يرى البعض أنها ستكسب مزيداً من الزخم.في ضوء الانتشار الواسع لأجهزة الكمبيوتر وسهولة الوصول الي الانترنت والمزيد من الاستخدام للهواتف الذكية وغيرها من الأدوات التكنولوجية التي تساعد على التوسع في عمليات الدفع الالكتروني خاصة ان هذه العملات ستساعد الافراد على الحصول على احتياجاتهم المالية دون التعقيدات البيروقراطية البنكية لانها تسمح باجراء المعاملات دون غرف مقاصة أو بنوك مركزية وبالتالى فهى جزء من التطور الطبيعى الذى يعيشه العالم واصبح من الصعب معه التعامل بالعملات المتعارف عليها حاليا. وهنا تطرح عدة تساؤلات تتعلق بمدى قدرة السلطة النقدية على السيطرة على المعروض النقدي بالبلاد؟ أى تأثير هذه العملات على إدارة السياسة النقدية؟ فمن المعروف أن عملية إصدار النقد تعد أحد أهم الوظائف للسلطات النقدية وتتم بناء علي دراسة وتحليل اتجاهات النمو الاقتصادي ومعدل التضخم وغيرهما من العناصر المهمة، ويجب أن يقابلها رصيد من الذهب والعملات الأجنبية والصكوك الأجنبية وأي أوراق مالية نضمنها الحكومة فيما يسمي غطاء العملة، كما أن أي عملة ترغب في أداء دور على الصعيد العالمي ينبغي لها أن تؤدي ثلاث وظائف أساسية هى وسيطة للمعاملات ووحدة للحساب ومخزن للقيم وهو ما يتطلب توافر مجموعة من العوامل التي تتيح لها تأدية هذه الوظائف بصورة معقولة وأهم هذه العوامل هو مدي الثقة في الاستقرار الاقتصادي والسياسي للبلد المصدر لها وهي أمور غير متحققة في العملات الرقمية، ومن ثم هل أصبحنا علي مشارف نظام نقدي جديد يختلف عن القائم حاليا في آلياته ومؤسساته؟ وهل أصبحنا علي مشارف تحقيق النبوءة التي ذكرها ألفن توفلر في كتابه المهم تحول السلطة والصادر عام 1992، مشيرا إلى أن النقود الورقية تواجه ما يشبه الأيلولة التامة إلى الزوال، وهذا ما سنحاول الاجابة عنه فى المقال القادم باذن الله.