د. وحيد عبدالمجيد اجتهادات سيكون الأوروبيون يوم الجمعة المقبل فى وضع مطمئن كان كُثّر منهم يحسبون حساب هذا اليوم، ويخشون مواجهة صعوبات اقتصادية واجتماعية كبيرة فى حالة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى رسميًا دون اتفاق. بقيت ولادة هذا الاتفاق متعثرة، فيما كان موعد الخروج البريطانى يقترب، والمخاوف تزداد من فوضى اقتصادية تُفاقم معاناة معظم الفئات الاجتماعية فى أوروبا من تداعيات جائحة كورونا. وجاء غلق الحدود مؤقتًا مع بريطانيا فى بداية الأسبوع الماضى، عقب اكتشاف ما يُعتقد أنها سلالة جديدة لفيروس كورونا فيها, بمثابة بروفة صغيرة لما يمكن أن يحدث فى حالة خروجها دون اتفاق. اصطفت طوابير طويلة من الشاحنات، التى حملت سلعًا مختلفة متجهة إلى فرنسا ودول أوروبية أخرى، أو إلى بريطانيا، فى الطريق المؤدية إلى ميناء دوفر العابر لبحر المانش. وفى الوقت الذى ساد فيه اعتقاد أن المفاوضين من الجانبين باتوا عاجزين عن تذليل خلافات قليلة باقية، حقق رفع مستوى التفاوض ما كان معتقدًا أنها معجزة. وأمكن حل الخلافات على القضايا الباقية. والمفارقة، هنا، أن هذه الخلافات التى هددت بعدم إبرام الاتفاق تشغل مساحة محدودة فى اتفاق ضخم يصل عدد صفحاته إلى ما يقرب من ألفين. ولم يكن معقولا أن تتسبب فى إهدار جهود كبيرة لحل معظم الخلافات بين الطرفين. وهذا فضلا عن أن الأهمية الاقتصادية للصيد البحرى، الذى بقى الخلاف عليه مستمرا حتى اللحظة الأخيرة، محدودة للغاية. ولكنه اكتسب قيمة سياسية كبيرة بالنسبة إلى بريطانيا، ودول أوروبية عدة تمسكت بوصول صياديها إلى المياه البريطانية. وثبت مجددا أنه لا سبيل للتوصل إلى اتفاقات دون تنازلات متبادلة، حتى إذا تنازل أحد الطرفين أكثر من الآخر. ولذلك، وصلت المفاوضات إلى بر الأمان فى آخر لحظة عندما حدث تنازل متبادل، وأمكن التوصل إلى تسوية مقبولة من الطرفين بشأن الصيد البحرى والعلاقات التجارية التى ستكون ترتيباتها قريبة إلى حد كبير من تلك التى تحكم التبادلات بين الاتحاد الأوروبى وكندا. وعندئذ صار الاتفاق, الذى ربما يكون الأكبر حجمًا فى تاريخ المفاوضات الدولية، أفضل هدية للشعوب الأوروبية فيما بين البلاد.