كانت العيون شاخصة، فى نهاية رحلة مصرية قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسى للعاصمة الفرنسية- الأوروبية- (باريس)، فى نهاية الأسبوع الأول من الشهر الأخير فى عام 2020 (ديسمبر الحالى). وكان من الممكن لكل متابع أن يقرأ المشهد المصرى، والإقليمى، بل المستقبلى لعالمنا، ومنطقتنا، فى عام جديد ننتظره، لنخرج من صعوبات ألمتْ بنا، وبمنطقتنا، وأحداث جسام، وتطورات متتابعة، وضحايا، وأرقام اقتصادية صعبة، ليس نتيجة لعام جائحة «كورونا» فقط، ولكن لأخطاء، وحروب، وحسابات خاطئة للكثيرين، بل مشكلات ثقافية بين الشرق والغرب، محورها الإرهاب، والتطرف، والتدخل فى شئون الآخرين. كما كان كل مصرى ومصرية فخورين بوطنهم، بل بجمهوريتهم، التى استطاعت تجاوز الفخاخ، التى نصبها منظرو التطرف والإرهاب، وجماعتهم فى المنطقة، والعالم، وكان من الممكن أن نقرأ نتيجة الزيارة ونجاحها، ليس فى عيون المصريين فقط، من خلال الفرحة التى علت وجوههم بوطنهم ورئيسهم، ولكن كذلك من خلال حالة الذعر والهياج، التى انتابت عواصم كرست سياستها للإيقاع بمصر، بحسابات تسودها الكراهية، ومحاولة السيطرة، لا أكثر ولا أقل، بل كلها خاسرة، ونستطيع أن نصفها بالجاهلة، وكانت مُرتكزة فى تركيا وقطر، ومن خلفهما الجماعة الإخوانية،اللتين جندتاها لمعاداة مصر وشعبها، فقد كان رهانهما الخاسر أنهما تستطيعان هزيمة مصر عبر قضيتين واضحتين، الأولى خاصة بالتطرف ومعاداة الغرب وفرنسا، وهى استخدام الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، والثانية خاصة بحقوق الإنسان والمجتمع المدنى عموما فى مصر. لقد تصورت العقول القاصرة على الفكر الأردوغانى والإخوانى أنها تركب حصانا قادرا على إحراج الرئيس السيسى فى رحلته الأوروبية، وأمام الرأى العام، كبروفة تنتظر أن تكررها أمام الإدارة الأمريكية القادمة، برئاسة بايدن، فوجدت ما أزعجها وجعلها تخرج مذعورة، فى حملة جديدة من الشتائم والكراهية ضد مصر، وجيشها، ورئيسها، لأن القاهرة الواضحة كانت قادرة على التصدى لكلتا القضيتين بوضوح، وبقوة أفقدت هذه العقول وعيها، بل توازنها، وعرّتها أمام الرأى العام الأوروبى- الغربى عموما. لكن مصر كانت قادرة، بعلو شأنها، على أن تدافع عن قيم جمهوريتها أمام قيم الجمهورية الفرنسية، وأحرجت المتطرفين على الجانبين الإسلامى والغربى، وكذلك الشرقى والغربى ، وانتصرت قيمنا، وعلت عليها، وحتى على المصالح، أما فى قضية حقوق الإنسان، فكانت مصر قادرة على المكاشفة، ومواجهة المغالطين، لأن مكانتها أعلى من اتهاماتهم، وليس عندها ما تخفيه، أو ما تخشى مواجهته، بل إن قانونها الجديد، الذى صدر فى نهاية نوفمبر الماضى، واللائحة التنفيذية، أحدثا نقلة نوعية فى تاريخ العمل الأهلى، لكونه يعكس إيمان الدولة بالدور الحيوى لمنظمات المجتمع المدنى فى تحقيق التنمية، والحفاظ على حقوق الإنسان فى مختلف المجالات. كما نجحت الرؤية المصرية فى اعتماد الكثير من المبادرات، مثل الحق فى العمل، ومكافحة الإرهاب، وتمكين الشباب والمرأة، وتعزيز دورهما، وعدم التمييز، فكان لنا ملف فى سجل حقوق الإنسان نفتخر به، ونكشف المغرضين ومخططهم الذى حاولوا إلصاقه، فليس فينا حماقات وجهالة الجماعة التى تجذرت منذ 90عاما، وشنت على الدولة المصرية حروبها الشعواء، وكانت الصورة كاشفة عن أن مصر أعلى وأقيم من مغالطاتهم وأكاذيبهم فى تلك القضية الحيوية، وستثبت فى قادم الأيام علو قامتها ومكانتها فى المجتمع المدنى، وفى ملف حقوق الإنسان، بعد أن تَهزم الإرهاب، والتطرف، والجماعات المتأسلمة، وتضعها فى مكانها الطبيعى. فى مرحلة عابرة من تاريخنا العريض، رغم صعوباتها. وإذا عدنا إلى ما حققته رحلة الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى باريس من الناحيتين السياسية، والاقتصادية، فقد أثبتت أن سياستنا الداخلية، والإقليمية، والعالمية مستقيمة، وشريفة، وواقعية، وتضع مصالح شعبها، وأمنها، واقتصادهم، فى المقدمة، وتحترم العلاقات الدولية، والقوانين، التى لا تُخطئها عين، وتهتم بشأن أشقائها العرب، وقارتها الإفريقية، وتسابق العالم على تأثيرها، فالمنطقة العربية تغلى، ومازالت على صفيح ساخن. إن رحلة باريس كشفت عن أن الاحترام الذى وصلت إليه مصر عالميا فى عهد الرئيس السيسى، عبر سنوات حكمه الفاعلة، جعل من مصر دولة إقليمية كبرى تلعب الدور الرئيسى والإستراتيجى لتحقيق الاستقرار، وحل المشكلات، على الصعيدين العربى، والإفريقى، وتعمل على إنقاذ الدول العربية، التى تعانى الفوضى، والتدخلات الإقليمية، (التركية والإيرانية) فى لبنان والعراق وسوريا. أعتقد أن زيارة الرئيس السيسى باريس وضعت النقاط فوق الحروف، فى لحظة دقيقة تسود العالم، فى ظل إدارة أمريكية منتظرة، والأهم أن هناك تغييرات كبرى ستحدث عقبها فى إيران، بعد مقتل زادة وسليمانى، وإدراك الكثيرين من الإيرانيين أن اللحظة المقبلة دقيقة، وهم مطالبون بتقديم تنازلات مهمة للمنطقة العربية، والعالم، فى برنامجهم النووى والصاروخى، وتدخلاتهم فى معظم بلدان المنطقة العربية، وفى الوقت نفسه حان الوقت للوقوف أمام محاولة الأتراك التغيير فى حوض شرق المتوسط، وفى ليبيا، وفى سوريا، أما المنطقة العربية، ففى حالة فوران وقاربت على الاعتدال، والتيارات المتطرفة حان لها أن تنسحب، وتسلم بالمتغيرات، فالهزيمة الساحقة تلاحقها فى كل جولاتها، ولم تعد التمويلات الخارجية متاحة كما كانت، وهذا كله لم يحدث من فراغ، ولكن وراءه سياسة مصرية متزنة ، راعت فيها القاهرة كل الأبعاد الإقليمية، والدولية، وحاصرت فيها قوة الإرهاب والتطرف، وكشفتهما على أكثر من صعيد، وأمام كل المسارح الدولية، وحان الوقت كذلك للدولة المصرية أن تنتصر بكل سياساتها الحكيمة، التى أُعلنت فجر يوليو 2013، عندما أزاحت التيارات الإخوانية من سُدة الحكم، وحاصرت جماعتهم وميليشياتهم المتنوعة. وأخيرا، من المهم أن يعى الجميع أن رحلة باريس كانت إعادة تصوير لهذه الأحداث المتتابعة، وكشفت أمام العالم ما فعلته مصر فى سياساتها الداخلية، الإقليمية، والعالمية، فكل التحية للدور المصرى الرائع، الذى يحمى منطقتنا العربية، والإفريقية، من التدخلات الخارجية، ومن سقوط الدول، ولقد كنا فخورين جدا برئيسنا عبد الفتاح السيسى، وهو يحظى بهذا الاحترام العالمى، خلال زيارته لفرنسا، لأنه لم يكن يمثل مصر وحدها، بل كان صوتا قويا للعرب والأفارقة، ولدعاة السلام، والذين يفهمون روح التسامح والمحبة بين الشعوب، والاحترام المتبادل للثقافات والأديان، ولم نكن وحدنا الذين شعرنا بهذا الفخر، بل كل المشرق العربى، والإسلامى، لأن أصالة ثقافتنا وقيمنا كانت قادرة على محاورة الآخر فى الغرب، وإثبات قوتها، ووجهة نظرها، وهزيمة دعاة الشر، والعنصرية، والتطرف، فى عالمنا. * نقلًا عن صحيفة الأهرام