* من الصعب على بايدن ترميم مادمره ترامب لأنه كثير ويحتاج إلى وقت أكد السفير عزت سعد المدير التنفيذى للمجلس ال مصر ى للشئون الخارجية أن الرئيس الأمريكى المنتخب جو بايدن سيتخذ مجموعة من الخطوات الأولية فور توليه مهام منصبه رسميا فى 20 يناير المقبل، متوقعا أن تنصبّ اهتمامات الإدارة الأمريكية الجديدة أولا على القضايا الداخلية، مثل تحسين الوضعين الصحى والاقتصادى اللذين يعصفان بالبلاد حالياً، فضلاً عن العمل على توحيد الأمة الأمريكية والقضاء على حالة الاستقطاب التى أظهرتها نتائج الانتخابات الأخيرة، من حيث تأييد نسبة لا يستهان بها من الشعب الأمريكى - حوالى 70 مليون ناخب - للنهج الشعبوى، وهى الأصوات التى ذهبت للرئيس ترامب المنقضية ولايته. وحول توقعاته بشأن سياسة الرئيس الجديد تحديدا تجاه ما قام به ترامب على المستوى الدولى، قال سعد إنه من المؤكد أن السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية الجديدة ستُولى اهتماماً خاصاً بمحاولة إصلاح ما أفسده ترامب بالانسحاب من بعض المنظمات الدولية والابتعاد عن الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، إذ من المتوقع إعادة تفعيل دور الولاياتالمتحدة فى كلٍ من منظمة الصحة العالمية واليونسكو ومنظمة التجارة العالمية وغيرها، بالإضافة إلى الانضمام مجدداً لاتفاق باريس الخاص بتغير المناخ، مع توقع انعقاد اجتماعٍ مشترك للم الشمل مع باقى أعضاء حلف شمال الأطلنطى وبدول الاتحاد الأوروبى، هذا بجانب رفع الحظر الذى فرضه ترامب على دخول مسلمى بعض الدول الإسلامية إلى الأراضى الأمريكية. وأضاف أنه فى مقابل ذلك، من المرجح استمرار نهج التشدد الأمريكى تجاه روسيا والصين، وهو ما أكده بايدن نفسه فى تصريحات وكتابات عديدة ارتباطاً بحملته الانتخابية. وأضاف السفير عزت سعد أنه من المنتظر عودة ما يسمى ب«عنصر القيم» فى السياسة الخارجية الأمريكية ، والتركيز على ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة والاقتصاد الليبرالى.. إلخ، مع مكافأة الدول التى تتخذ إجراءاتٍ إيجابية فى تلك الملفات، وفقاً لتعبيرات بايدن ، ومن جهة أخرى، ستشهد الإدارة الجديدة وجوداً لعنصر مهم على رأسها، يتمثل فى الخبرة التاريخية النادرة والفريدة التى يتمتع بها بايدن ، بحكم وجوده فى المطبخ السياسى الأمريكى منذ عام 1973 من خلال منصبه كعضو فى الكونجرس الأمريكى لسنوات قبل أن يصبح نائباً للرئيس. وعن سياسة الإدارة الجديدة تجاه منطقة الشرق الأوسط وقضاياها، قال سعد إن العديد من المؤشرات التى ظهرت بوضوح خلال السنوات القليلة الماضية، والتى من بينها الأسلوب الذى تتعامل به القيادة الأمريكية مع أزمات المنطقة، تؤكد أن هناك تراجعاً نسبياً لأهمية الشرق الأوسط لدى صانعى القرار فى الولاياتالمتحدة، وإن ظلت المنطقة على الأجندة الخارجية لواشنطن دائماً. وقال إنه من المتوقع استمرار تراجع أهمية المنطقة لدى الإدارة الجديدة، ولا سيما أن الولاياتالمتحدة استطاعت تأمين احتياجاتها النفطية، عبر استغلال النفط الصخرى، بل والتصدير، وأصبحت نسبة 85٪ من صادرات الطاقة الشرق أوسطية تذهب إلى الدول الآسيوية، وبعضها حلفاء للولايات المتحدة تحرص على تأمين إمدادات الطاقة لهم، كما أن تكلفة العمليات العسكرية التى كانت تقوم بها فى المنطقة تتجاوز قيمة المنافع التى تحصل عليها منها، فضلاً عن فشل كافة المحاولات الأمريكية لبناء منظومة أمنية إقليمية تضم دول المنطقة جميعاً، خاصة أن الكتابات الأمريكية الحديثة تتفق على وصف المشهد فى الشرق الأوسط بصورة فوضوية وسلبية للغاية، تتسم بالتعقيد الشديد وعدم الوضوح وارتفاع معدلات استخدام العنف واستمرار النزاعات طويلة المدى إلى حد وصفها بالحروب الأبدية من قِبَل البعض. وبالنسبة للصراع العربى – الإسرائيلى، يقول السفير عزت سعد إنه «بالنظر إلى غياب الإشارة إلى عملية السلام فى خطاب بايدن ، فمن المتوقع أن يكون التركيز على القضايا الداخلية الأمريكية الملحة كما سبقت الإشارة، وعدم المساس بالمكاسب التى حققتها إسرائيل بفضل إدارة ترامب، سواء الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها من تل أبيب، أو الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، وإن ظلت محاولات إحياء فكرة حل الدولتين قائمة، وإتاحة الفرصة للأوروبيين لاستعادة دورهم فى عملية السلام ». وأضاف: «لا ننسى دائماً أن بايدن من أشد الملتزمين بأمن إسرائيل وتفوقها النوعى على كل دول المنطقة، وهو التزام تحملته السيدة هاريس نائبة الرئيس بوضوح». أما بالنسبة لإيران، فيُرجَّح سعد أن تكون مسألة استمرار النهج الأمريكى المتشدد إزاءها أو حدوث انفراجة فى هذا الملف، مرتبطة بإعلان إيران عودة الالتزام الصارم ببنود الاتفاق النووى، وأيضاً التعهد بوقف تدخلاتها وامتداداتها فى دول المنطقة مثل سوريا والعراق واليمن، ودعمها لحزب الله فى لبنان، كما أنه من المرجح أن تشمل عملية التفاوض مع إيران مشروعها للصواريخ الباليستية. وأضاف: «تظل هناك بعض التساؤلات التى سيجيب عليها المستقبل بعد تولى بايدن مثل رفع العقوبات التى فرضها ترامب ولا علاقة لها بالاتفاق النووى، وهل ستذهب إيران إلى المدى الذى ترغب فيه الإدارة الجديدة؟... إلخ». وتابع أنه فى كل الأحوال، سيكون من الصعب على بايدن ترميم ما دمره ترامب، لأنه كثير، ويحتاج إلى وقت، وإلى استعادة واشنطن لتحالفاتها والبناء على مصالحها المشتركة مع الآخرين. وفى هذا السياق، وفى إطار الحرص على تقليل الاعتماد على المكون العسكرى فى السياسة الخارجية، من المتوقع أن يكون الاهتمام الأمريكى بكلٍ من سوريا وليبيا واليمن محدودا، مع عدم التدخل إلا فى القضايا الاستراتيجية الحاسمة التى تستدعى ذلك. أما عن الشق الأهم بالنسبة ل مصر ، وهو مستقبل العلاقات ال مصر ية – الأمريكية فى ظل الإدارة الأمريكية الجديدة، فيقول إن هناك حالة من التفاؤل الحذر، فمن جهة، كان الرئيس الأمريكى الجديد بايدن عنصراً فاعلاً فى إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وبحكم تجربته الطويلة فى العمل السياسى كعضو فى الكونجرس أو كنائب للرئيس أوباما يدرك تماماً الأهمية الاستراتيجية ل مصر فى منطقتها والعالم، ومن جهة أخرى، وفى ظل حالة عدم الاستقرار فى المنطقة، وحرص الإدارة الجديدة على التواجد فيها بأقل تكلفة ممكنة، فإن الأمر يتطلب تنسيقاً وتشاوراً وثيقاً بين الإدارة الجديدة و مصر من أجل مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، بما فيها الإرهاب والأمن فى منطقة شرق المتوسط، والأزمة الليبية والنزاع العربى - الإسرائيلى، وغيرها من مشكلات المنطقة. وبالنسبة لموقف الإدارة الأمريكية الجديدة من الإصلاحات الاقتصادية فى مصر ، قال سعد إنه «لا ريب فى أنه كان هناك مردود جيد لهذه الإصلاحات الاقتصادية التى اتخذتها القاهرة على مدار السنوات القليلة الماضية فيما يتعلق بنظرة الولاياتالمتحدة إلى مصر ؛ فالقيادة الأمريكية الجديدة تقدر كثيراً عمليات التحول نحو مزيد من الليبرالية الاقتصادية وتحرير التجارة الدولية، ولا ننسى أن إدارة أوباما ونائبه بايدن قامت بدعم مفاوضات مصر مع صندوق النقد الدولى، مما أتاح ل مصر التمويل الكافى لبدء برنامجها للإصلاح الاقتصادى قبل سنوات، كما شاركت الولاياتالمتحدة بوفد اقتصادى كبير برئاسة جون كيرى وزير الخارجية سابقا فى مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى. وقال عزت أيضا: «يجب على مصر بذل المزيد من الجهد لمحاولة جذب الاستثمارات الأمريكية إليها من خلال العمل على تهيئة مناخ الأعمال فى مصر فى كافة المجالات، وبما يتجاوز مجال الطاقة الذى يستوعب نصف الاستثمارات الأمريكية فى مصر والمقدرة ب 1،6 مليار دولار تقريباً، موضحا أن اتفاق الإطار حول التعاون فى مجالات التجارة والاستثمار الموقَّع بين البلدين عام 1999 يوفر أساساً جيداً لتنشيط الاستثمارات الأمريكية وجذبها للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، واستغلال التنافس الأمريكى - الصينى فى هذا الشأن. وتوقع أن تشهد القاهرة قريباً اجتماعات تحضيرية للجانب ال مصر ى للإعداد للاجتماع القادم مع الجانب الأمريكى فى إطار هذا الاتفاق.