ملف كامل بالتقرير والتحليل ينشره الأهرام إبدو عن المؤامرة الثلاثية التي كشفت عنها إيميلات هيلاري كلينتون بالعدد رقم 1347 صفحات 2، 3 ،4 مع مقالات لكل من الباحث السياسي د. أحمد يوسف ويوسف داوود كشفت إيميلات هيلاري كلينتون السرية النقاب عن حجم الدعم المادي والإعلامي الذي كانت تقدمه الإدارة الأمريكية وقتها ودولة قطر لجماعة الإخوان المسلمين في هذه الفترة الحرجة من تاريخ مصر. أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 7 اكتوبر الماضي أنه رفع السرية عن جميع الوثائق المتعلقة بالتحقيقات الفيدرالية في قضية مراسلات مرشحة الرئاسة السابقة هيلاري كلينتون الخاصة عبر البريد الإلكتروني الحكومي واصفا ما ورد فيها ب بأنها أكبر جريمة سياسية في التاريخ الأمريكي، وتكشف تلك الوثائق عن حجم الدعم الأمريكي المقدم لجماعة الإخوان في مصر خلال الفترة من عام 2011 وحتي عام .2013 في وقت أبكر عن هذه التواريخ لم تخف واشنطن مخاوفها من وصول الإسلاميين إلي السلطة في حالة رحيل الرئيس الأسبق حسني مبارك، وهو ما تضمنته وثيقة بتاريخ 29 يناير 2011 توضح مخاوف الولاياتالمتحدة من "ظهور إيران أو كوبا جديدة" إذا تولي الإسلاميون في مصر الحكم بعد سقوط نظام مبارك. ولكن سرعان ما تغير الموقف الأمريكي وتحول إلي الدعم الكامل لجماعة الإخوان المسلمين التي تولت السلطة في مصر فعليا في العام 2012، من بين عشرات الوثائق التي تكشف هذا الدعم تلك المتعلقة بزيارة هيلاري كلينتون إلي مصر في 14 يوليو 2012 لتقديم التهنئة لمحمد مرسي بفوزه في الإنتخابات، ووصفت كلينتون خلال هذا الاجتماع إنتخاب مرسي بأنه "نقطة تحول في تاريخ الديمقراطية المصرية"، قبل أن تقترح إرسال فريق من خبراء الشرطة والأمن الأمريكيون "سرًا" إلي مصر لإعادة هيكلة جهاز الشرطة المصرية. بينما أشارت وثيقة أخري بعنوان "الإخوان المسلمون في دافوس وما بعدها" إلي أن "الدول الغربية قبلت الإخوان المسلمين باعتبارها القوة المهيمنة الجديدة في مصر وبدأوا في تعديل سياساتهم الخارجية والاقتصادية وفقًا لهذا التوجه الجديد". وكشفت الوثائق المنشورة عن الدور القطري وذراعها الإعلامي في زعزعة إستقرار مصر في هذا الوقت الحرج من تاريخها فبحسب وثيقة مؤرخة بتاريخ 14 سبتمبر 2012 خططت هيلاري لإنشاء قناة إعلامية وصحيفة يومية بالتعاون مع قطر، بحيث تمول الدوحة هذه القناة الجديدة برأسمال أولي قدره 100مليون دولار، علي أن تكون إدارتها من خلال شخصيات إخوانية بارزة مثل خيرت الشاطر وأحمد منصور. وقد اتخذ فيما بعد الدعم المالي أشكالاً عديدة، فنجد وثيقة اخري تتحدث عن إتفاق بين إدارة أوباما وقطر لإطلاق صندوق استثمار مصري أمريكي يهدف إلي تقديم الدعم المالي لحركات الإسلام السياسي في المنطقة العربية، وتكشف هذه الوثيقة أن إدارة أوباما قد خصصت مبلغ أولي يقدر ب 60 مليون دولار لإطلاق هذا الصندوق الاستثماري ، وكان من المقرر تحويل 300 مليون دولار إضافية من قبل الكونجرس الأمريكي علي مدي 5 سنوات، بالإضافة إلي ملياري دولار تعهدت بدفعها قطر الي مصر وكان من المخطط أن يتولي إدارة هذا الصندوق جيم هارمون، وهو مصرفي أمريكي مقرب من الرئيس السابق باراك أوباما. وكان من بين الوثائق التي كشفت عنها إيميلات كلينتون والتي تعد دليلا علي وجود قنوات اتصال مفتوحة بين واشنطن وأعضاء من جماعة الإخوان المسلمين تلك المتعلقة بمحتوي ما كان يدور في إجتماعات الإخوان السرية والتي كان يعقدها المرشد الأعلي محمد بديع أو محمد مرسي، وكان يتم تسريب محتوي تلك الاجتماعات عن طريق أحد الأشخاص المقربين من قادة الاخوان المسلمين كما تنقل وثيقة بتاريخ 16 ديسمبر 2011 أن المرشد الاعلي محمد بديع وبعض من مستشاريه كانوا يخططون لتحويل مصر الي "دولة ذات طابع إسلامي علي غرار النموذج التركي"، لكن الخطير في هذه الوثيقة هو أن الخطة كشفت عن نية الإخوان لتطبيق النموذج التركي علي القوات المسلحة المصرية، وذلك عم طريق استبدال قادة الجيش الحالي ب "جيل جديد من القادة الشباب الذين يدعمون المشروع الإسلامي". وكشفت وثيقة اخري بتاريخ 14 يناير 2012 أن محمد بديع كان يخطط لتشكيل تحالف برلماني مع حزب النور،يسمح للاسلاميين أن يسيطروا علي ما بين 65 إلي 70٪ من مقاعد البرلمان كي يتمكنوا من تشكيل حكومة مؤقتة. وامتدت التسريبات من الجلسات السرية للإخوان إلي اجتماعات مرسي بعد توليه الرئاسة مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة ووزير الدفاع. وبحسب رسالة بريد إلكتروني بتاريخ 14 أغسطس 2012 أرسلها "مصدر سري" ، تبين أن "مرسي لا يزال يخطط لتحويل مصر إلي دولة إسلامية، وأنه يعتبر جهاز المخابرات العامة تهديدًا محتملا لنظامه. الإستراتيجية الأمريكية الخاسرة في العالم العربي بقلم: يوسف داوود عندما قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع السرية عن رسائل البريد الإلكتروني لهيلاري كلينتون، وزيرة خارجية سلفه باراك أوباما، تكشفت العديد من التفاصيل المشكوك فيها بشأن الاستراتيجيات التي تبناها الأمريكيون في التعامل مع الشرق الأوسط في فترة حرجة من تاريخه، ولا سيما الدعم المباشر للحركات الإسلامية في هذه البلدان، وينظر إلي هذه الأسرار أحياناً باعتبارها مكيدة ومؤامرة من قبل تيارات سياسية في الدول العربية المعنية، وأحياناً بكونها فشل ذريع للإدارة الديمقراطية من قبل الجمهوريين الأمريكيين. بادئ ذي بدء، تتضمن هذه الرسائل الإلكترونية محادثات تبرر التدخل المباشر للولايات المتحدة فيما يعرف بأحداث الربيع العربي، والعلاقة الوطيدة بين إدارة أوباما وقطر، والتي تضمنت جهدًا مشتركًا لإنشاء قناة إعلامية و صندوق اقتصادي مخصص للتدخل في شئون الدول العربية. ثانيًا، تتضمن هذه الرسائل تحذيرًا أمريكيًا لوزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل من إرسال قوات درع الجزيرة إلي البحرين عام 2011 إذ قد يتسبب ذلك في حدوث أزمة كبيرة بين الولاياتالمتحدة والسعودية. لكن الموقف السعودي بشأن موجة الاضطرابات المصاحبة لما يسمي بالربيع العربي والتدخلات الأمريكية فيه أُظهر للعالم علناً عندما زار الأمير سعود الفيصل الدول الأوروبية بعد ثورة الشعب المصري ضد نظام الإخوان المسلمين في يونيو 2013 وذلك لتأكيد دعم السعودية لاختيار الشعب المصري واستعدادها لتعويض مصر عن أي ضرر مادي قد يسببه هذا الاختيار. علاوة علي ذلك، تكشف هذه الرسائل الإلكترونية أيضًا أنه في يوليو 2009 التقي أحد المسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية بمسؤولين كبار من حركة حماس - محمود الزهار وباسم نعيم - في اجتماع انعقد في سويسرا، شارك فيه أيضاً السفير الأمريكي لدي الأمم المتحدة توماس بيكرينغ. وفي ختام اللقاء أعرب نعيم عن أمله في أن تكون هذه "بداية لدفع الظلم عن حركة حماس" الذي استمر ثلاث سنوات قبل الاجتماع. أخيرًا، في ما يتعلق بسوريا، أظهرت الرسائل أن الولاياتالمتحدة ضخت استثمارات لإطلاق مشروع مشترك مع قناة الجزيرة يهدف إلي تقديم معلومات عن نقاط ضعف النظام السوري، وذلك لإفساح مجال أكبر للمناورة لما يعرف بالمعارضة السورية في مقابل قوات النظام. رؤية متعددة الأبعاد ولكن ما هي الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها من هذه القضية المثيرة للجدل؟ أولاً، الرسائل الصادرة لا تكتفي بإصدار بعض التوجيهات الأمريكية للفاعلين الداخليين أثناء موجات الانتفاضات العربية فحسب ، بل تظهر أيضًا وجود رؤية متعددة الأبعاد تحلل أيضًا ردود الفعل وتحركات الفاعلين الدوليين الآخرين في الأزمات المتتالية. كان هذا هو الحال بالنسبة للرسائل المتعلقة بليبيا، حيث تسرد الوثيقة المسربة 5 أسباب دفعت فرنسا، برئاسة نيكولا ساركوزي، للتدخل في ليبيا: أولها، الرغبة في الحصول علي حصة أكبر من انتاج النفط الليبي ؛ ثانياً، زيادة النفوذ الفرنسي في شمال إفريقيا؛ ثالثًا، تحسين وضعها السياسي الداخلي من خلال ضمان دور مهم لفرنسا في الخارج ؛ رابعًا ، منح الجيش الفرنسي الفرصة لإعادة تأكيد مركزه في العالم؛ والخامس، احتواء نفوذ القذافي فيما يعتبره الرئيس الفرنسي "إفريقيا الفرانكفونية". ثانيًا، تتخطي الآثار المترتبة علي محتوي هذه الرسائل حدود التحليل السياسي البحت، لتشمل أيضاً بعض الجوانب القانونية. ويتجلي ذلك في رغبة بعض المسئولين المذكورين في الرسائل المشار إليها في مقاضاة صانعي القرار الأمريكيين قانونياً لتعويض الضرر المادي والمعنوي الذي تسببوا فيه خلال هذه الفترة (أعلن أحمد قذاف الدم عن نيته تدويل القضية في المحاكم المعنية) بالإضافة إلي ذلك ، تحتوي رسائل البريد الإلكتروني علي تأكيدات لبعض الافتراضات التي كانت موجودة بالفعل من خلال إثباتها بأثر رجعي. فمن ناحية، يكاد يكون من المؤكد بالنسبة لمؤيدي نظرية المؤامرة أن أطروحاتهم تكتسب أرضية وتكتسب حججًا إضافية لا يمكن إنكارها، ومن ناحية أخري، فإن مؤيدي الأطروحات الثورية يجدون أنفسهم في موقف دفاعي لا يحسدون عليه. وأخيرًا، تؤثر هذه القضية بلا شك علي السلوك التصويتي لدي بعض الناخبين الأمريكيين، الذين يخشون من احتمال قيام جوزيف بايدن بإعادة إحياء نموذج كلينتون مرة أخري في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه العالم العربي. مصر تواجه المؤامرة بقلم : د أحمد يوسف أحمد كان الجدل العلمي يثور دائما علي الإفراط في استخدام مصطلح "المؤامرة" في تحليل ما يجري في الساحة الدولية علي أساس أن معظم ما يجري فيها إن هو إلا ترجمة للتفاعلات بين محاولات الأطراف علي هذه الساحة لتحقيق مصالحها والدفاع عنها، وكل منها يعتبر أن أفعاله في هذا الصدد مشروعة بقدر ما تسعي لتحقيق مصالحه الوطنية، غير أننا لا يمكن في الوقت نفسه أن نتجاهل التمييز بين الأفعال العلنية التي تجاهر بها الدول وتحاول دائماً أن تضفي عليها طابعاً شرعياً وبين تلك الأفعال السرية التي تتناقض مع مبادئ الشرعية الدولية كالتخطيط للإطاحة بحاكم منتخب كما حدث في تشيلي عام1973، وفي الحالة المصرية يمكن مثلاً أن يُعتبر رفض القوي الغربية تسليح مصر في خمسينات القرن الماضي من قبيل الأفعال العادية التي عبرت بها هذه القوي عن اعتراضها علي سياسة مصر الاستقلالية بعد ثورة 23يوليو1952 أما العدوان الثلاثي علي مصر في أكتوبر-نوڤمبر1956 فلم يكن حرفياً سوي مؤامرة تواطأت فيها كل من بريطانياوفرنسا مع إسرائيل علي إخراج مسرحية لإحباط السياسة المصرية التي استردت مصر بموجبها سيادتها علي قناة السويس بحيث تهاجم إسرائيل سيناء فتدعي بريطانياوفرنسا أن ثمة خطراً علي الملاحة في قناة السويس يهدد السلم والأمن الدوليين يبرر لهما التدخل العسكري في منطقة القناة، وقد تنجح بعض المؤامرات لكن المؤامرات الفاشلة تكون تداعياتها كارثية علي مدبريها كما حدث في هذا المثال تحديداً، ويمكن القول باطمئنان أن مصر تواجه الآن موقفاً غير مسبوق تأتيها فيه التهديدات من كافة الاتجاهات الاستراتيجية بعد أن مرت بها عقود انحصرت فيه هذه التهديدات في الاتجاه الشمالي الشرقي مع إسرائيل، وبعض هذه التهديدات يعكس المصالح المتضاربة للفاعلين الإقليميين كما في السياسات التركية الراهنة في المنطقة العربية وشرق المتوسط أو السياسة الإثيوبية تجاه سد النهضة غير أن بعضها الآخر يعكس نوعاً من التآمر كما في الدعم الخارجي للإرهاب من قبل النظام القطري وغيره واحتضان جماعة "الإخوان المسلمين" كما في السياستين التركية والقطرية بل والتآمر معها للانفراد بحكم مصر كما حدث في السياسة الأمريكية في ظل إدارة أوباما علي النحو الذي كنا نتتبع مؤشراته غير المباشرة في حينه غير أنه تأكد تماماً بالتسريبات الأخيرة لرسائل البريد الإلكتروني لوزيرة خارجيته في ذلك الوقت هيلاري كلينتون والمرشحة الرئاسية لاحقاً، وإن كانت معضلة الرؤية الأمريكية لدور محوري تلعبه جماعة "الإخوان المسلمين" في مستقبل المنطقة عامة ومصر خاصة معضلة قديمة أمكن تتبع مؤشراتها بوضوح منذ تسعينات القرن الماضي علي الأقل حيث اعتبر تيار داخل السياسة الأمريكية أن هذه الجماعة بمقدورها أن تلعب دوراً محورياً في إنجاز الإصلاح السياسي كحائط صد للجماعات الإسلامية المتطرفة بعد أن نجح "الإخوان المسلمون" في تصوير أنفسهم كجماعة تحترم الآليات الديموقراطية! كانت المناعة المصرية ضد التهديدات الخارجية بما في ذلك أفعال التآمر في حدها الأدني بعد تداعيات ثورة يناير من منظور عدم الاستقرار، ومع هيمنة جماعة "الإخوان المسلمين" علي الحكم (يونيو2012-يونيو2013) سقطت مصر تماماً في براثن المؤامرة التي تضافرت فيها الجماعة مع رعاتها الخارجيين المتمثلين أساساً في تركيا وقطر وعدد من القوي الكبري المخدوعة في الجماعة أو التي رأت فيها أداة فعالة لتحقيق مخططاتها في مصر والمنطقة، وشمل ذلك بطبيعة الحال الولاياتالمتحدة في ظل إدارة الرئيس أوباما، ووصل الأمر إلي الدرجة التي اعترضت فيها هذه القوي علي الإرادة الشعبية الكاسحة المدعومة من القوات المسلحة عندما أطاحت بحكم الإخوان المسلمين، بل لقد فُرِض نوع من العزلة الدبلوماسية والعقوبات علي مصر جزاءً لها علي تصديها لتيار ما يُسَمي بالإسلام السياسي الذي بدا في ذلك الوقت وكأنه في طريقه لاكتساح المنطقة، غير أن القيادة المصرية التي تمتعت بدعم شعبي غلاب مضت بثقة في مسار ثلاثي الأبعاد تمثل بعده الأول في استعادة الدولة المصرية بالمحاربة الفاعلة للإرهاب الذي كان قد شهد زخماً ملحوظاً في ذلك الوقت والمضي قُدُماً في عملية إعادة بناء الدولة المصرية بأقصي سرعة بما في ذلك ذراعها العسكري الذي باتت تقويته ضرورة ملحة لمواجهة التهديدات الجسيمة للمصالح المصرية آنذاك، وقد حققت الدولة المصرية نجاحات ظاهرة في هذا البعد فخفتت وتيرة الإرهاب علي نحو واضح وجرت عمليات جسورة لتحقيق انطلاقة في الإصلاح الاقتصادي وتحديث البنية التحتية للدولة ووصل الجيش المصري إلي المرتبة التاسعة عالمياً، أما البعد الثاني فكان أساسه استعادة الدور الإقليمي المصري عربياً وأفريقياً،
وعلي الصعيد العربي انطلقت السياسة المصرية من مبدأ حماية كيانات الدول الوطنية العربية في وجه محاولات تفكيكها، ومكنها هذا المبدأ من اتباع سياسة متناسقة تجاه الصراعات الداخلية في عدد من الدول العربية التي واجهت خطر تفكيك حقيقي، وتفاوتت فاعلية هذه السياسة وفقاً لكل حالة فأقامت علاقات تعاونية مع النظام العراقي وصلت الآن إلي مستوي التنسيق الثلاثي بإدخال الأردن كطرف ثالث، ولعبت دوراً سياسياً متوازناً في الصراع الدائر في سوريا نسج خيوطاً مع نظام الأسد وفصائل المعارضة الوطنية في آن واحد مما مكن مصر من تحقيق بعض الإنجازات الدبلوماسية، ولعبت دوراً عسكرياً رمزياً في حماية الشرعية اليمنية في مواجهة انقلاب الحوثيين المدعوم إيرانياً، ثم وصل الدور المصري ذروته في الصراع الدائر في ليبيا باعتبار صلتها المباشرة بالأمن المصري فأيدت جيشها الوطني في محاولاته استعادة الدولة الوطنية الليبية ودعت إلي تسوية سياسية تستبعد الميليشيات الإرهابية والتدخلات الأجنبية وبالذات التركية وصولاً إلي "إعلان القاهرة" وإعلان "سرت-الجفرة" خطاً أحمر في يونيو الماضي، وهو الإعلان الذي أفضي دون شك إلي وقف العربدة التركية في ليبيا وتخفيض التصعيد وصولاً إلي بشائر لتسوية سياسية لا شك أن اكتمالها تحيط به صعوبات جمة حتي الآن، وعلي الصعيد الأفريقي واجهت مصر التحدي الإثيوبي في سد النهضة بأسلوب المفاوضات، وهو أسلوب لم يُفض إلي نتائج محددة حتي الآن وإن كان من الواضح أن دائرة التأييد الدولي للمطالب المصرية تتسع بالتدريج، كما عملت السياسة المصرية علي تعزيز علاقاتها مع الدول الأفريقية بأقصي ما تستطيعه من جهود. ويتمثل البعد الثالث للمسار المصري بعد الإطاحة بحكم الإخوان في سياسة خارجية نجحت في إقامة شبكة علاقات متوازنة بين القوي العظمي والكبري تساعدها علي الانطلاق بأقصي سرعة في جهود إعادة بناء الدولة المصرية، وصحيح أن هذا التوجه لم يكن جديداً علي السياسة الخارجية المصرية لكن الجديد فيه بعد يونيو2013 هو النجاح الواضح في تجسيده كما يشهد بذلك تنوع شبكة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية مع هذه القوي دون المساس بالعلاقة مع الولاياتالمتحدة القوة الأولي عالمياً، وربما ساعد علي ذلك وجود الرئيس دونالد ترامب الذي علي الرغم من عديد من الملاحظات علي أدائه لم يكن يتبني الرؤية الإيجابية ذاتها التي كان الديموقراطيون قد بلوروها تجاه ما يُسَمي بالإسلام السياسي ودوره في مستقبل مصر والمنطقة، ولعل هذا هو السبب في القلق الواضح الذي يعتري البعض من احتمالات فوز المرشح الديموقراطي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الوشيكة خشية تكرار النموذج الذي كشفت عنه تسريبات رسائل هيلاري كلينتون، والواقع أنني لا أُشارك هذا القلق لسببين رئيسيين أولهما أن جماعة "الإخوان المسلمين" لعام2020 غيرها تماماً في2012، فقد كشفت السنوات الثمانية التي انقضت منذ أُتيحت لها فرصة تاريخية في مصر وغيرها لإثبات صدق ما تدعيه من تبنٍ للآليات الديموقراطية والتسامح الديني، غير أنها فشلت بامتياز وأثبتت فاشيتها وتجذر الإرهاب في طبيعتها ناهيك بتواضع قدراتها في إدارة الدولة الأمر الذي أفضي إلي ثورة شاملة للشعب المصري عليها وإسقاطه حكمها فضلاً عن تراجع شعبيتها في عدد من البلدان العربية الأخري كتونس وليبيا، وبالتالي فإن أي رهان أمريكي جديد علي هذه الجماعة حال فوز المرشح الديموقراطي في انتخابات الرئاسة الأمريكية سوف يكون غير رشيد وخاسر، أما السبب الثاني فهو أن مصر بدورها في الوقت الراهن ليست في الحال الذي كانت عليه في أعقاب التخلص من حكم جماعة "الإخوان المسلمين" مباشرة، ففي ذلك الوقت كانت تعاني من عدم الاستقرار وتفاقم الإرهاب وانهيار الوضع الاقتصادي، أما الآن فقد أصبح الحال غير الحال حيث استعادت الدولة المصرية هيبتها ومكانتها واستقرارها الداخلي وخرجت من عنق الزجاجة اقتصادياً وباتت تملك ذراعاً عسكرياً قوياً يحتل المرتبة التاسعة عالمياً ناهيك بالمكانة الإقليمية والدولية التي أصبحت تتمتع بها نتيجة سياستها الخارجية المتزنة ووضعها الداخلي القوي، وبالتالي فإن قدرتها علي التصدي للضغوط الخارجية والتآمر من قبل قوي دولية بعينها لم تعد موضعاً لشك، وإذا كانت القيادة المصرية لم تفكر للحظة في ردود الفعل الدولية المحتملة للإطاحة بحكم جماعة "الإخوان المسلمين" في2013 فهل نخشي الآن بعد كل ما تم من إنجازات استردت بها الدولة المصرية استقرارها وقوتها من مواجهة تحديات ومؤامرات دولية جديدة؟
اضغط هنا لمشاهدة الملف بالحجم الكامل اضغط هنا لمشاهدة الملف بالحجم الكامل