واجهت دولة الخلافة العلية التركية العثمانية، ثورة كبيرة باليونان التى نهضت تطلب استقلالها عن الدولة العلية، وتكبدت الجيوش العثمانية خسائر فادحة في كل المحاولات التي اصطنعتها لقمع هذه الثورة، فلما أعيتها الخسائر والحيل، نظرت كالعادة إلى مصر، لتستنزفها وتستنزف خيراتها وقوتها وأرواح بنيها، ولاقت بغيتها في محمد علي باشا، واليها المعين على مصر، واثقة من أن حرصه على موقعه، سيدفعه دفعًا إلى قبول ما تمليه عليه الدولة العلية. ولم يسع محمد علي باشا إلاَّ الإذعان لمطالب أو أوامر! الدولة العلية، خوفًا من حمل امتناعه أو تراخيه على أنه عصيان للدولة العلية، ومؤشر للرغبة في الاستقلال عنها، فيما يبدو أن رغاب دولة الخلافة التركية العثمانية كانت مقدمة عند محمد علي على مصالح مصر الخاصة، وأن انصياعه للباب العالى آنذاك اقترن ب استنزاف خيرات مصر وقوتها وأرواح شبابها ورجالها. ولم تتوقف عيون الدولة التركية العثمانية عن مصادر القوة المصرية لاستغلالها لصالحها في كل باب، ولم تغفل هذه العيون أو المآرب عن الأسطول المصرى الذى صار قوة ملحوظة، وبدأت استعانة دولة الخلافة التركية العثمانية ب الأسطول المصري ، فأرسل السلطان محمود الثانى إلى محمد علي باشا بتجريد الأسطول المصري لتطهير البحر الأبيض الذى استفحل فيه أمر السفن اليونانية، من قرصنة هذه السفن، وكان ذلك في سنة 1821 م، أى قبل الحملة المصرية على المورة. ويورد الرافعي في كتابه عن عصر محمد علي نقلاً عن كتاب المسيو مانجان، أن محمد علي أعدَّ الأسطول في الإسكندرية، وأقلع منها في 10 يوليو 1821م (1237 ه)، وكان مؤلفًا من 16 سفينة كاملة السلاح والعتاد، وبها ثمانمائة مقاتل بقيادة طبوز أوغلي، فاتجه الأسطول إلى رودس لمطاردة السفن اليونانية، والتقى الأسطول العثمانى في الدردنيل، ثم عاد إلى مصر في مارس 1822م (1238 ه)، تأهبًا للحملة إلى جزيرة كريت. واستمرارًا في إذعان محمد علي لمطالب أو أوامر الباب العالي، جهز قوة في نحو سبعة عشر ألفًا من المشاة والفرسان والمدفعية، تأهبًا للقيام بعدة مهام، تبدأ بجزيرة كريت التي شبت فيها ثورة سنة 1821م / 1237 ه، لتقف ببلاد المورة، ثم بجزر الأرخبيل. وقد أقلعت حملة الأسطول المصرى إلى كريت من الإسكندرية في نحو خمسة آلاف جندى، طبقًا لرواية الرافعى، بقيادة حسن باشا، قاصدةً جزيرة كريت، حيث تم إنزال الجنود إلى البر في يونيو 1822م (1238ه)، واستمرت الحرب سجالاً إلى سنة 1823م / 1239ه، وقاتل المصريون قتالاً شديدًا، وأنقذوا الحاميات التركية المحصورة في القلاع، ومات حسن باشًا خلال الفتح، فخلفه حسين بك في قيادة الجند، واستمرت الحرب حتى سكنت الثورة واستتبت السكينة بالجزيرة، بعد أن فر الكثيرون إلى الجزر اليونانية. أما الحملة على المورة، فقد سبق تكليف محمد على باشا بالقيام بها، إصدار دولة الخلافة التركية العثمانية العلية، فرمانًا في 5 رجب 1239ه /6 مارس 1824م ، لترضي به أطماع وطموحات محمد على، فعينته واليًا على جزيرة كريد (كريت) وعلى إقليم المورة، وهما بؤرتا الثورة. ويرى الأستاذ الرافعي ، أن السلطان العثماني محمود الثاني، استهدف غرضين: أولهما الاستعانة بالجيش المصرى في إخماد ثورة اليونان، وثانيهما أن يصرف محمد على باشا عن الاستمرار في دعم وتنظيم جيشه على الطراز الحديث، وخشية أن يقوى بتعاظم قوته على دولة الخلافة ويحقق فكرة الانفصال عنها وإعلان الاستقلال. ويبدو أن ما أبطنه السلطان العثماني، كان يتلاقى فعلاً مع أغراض محمد على، فقد وسع الفرمان نطاق الدولة المصرية التى يجلس على عرشها محمد على، ويبسط نفوذها فيما وراء البحار، ومن ثم يرفع من شأن محمد على، ويعطيه الحافز لتلبية استنجاد الدولة العلية بجيشه مثلما استعانت به في الحجاز. واتفقت رواية الأستاذ محمد بك فريد في كتابه: الدولة العلية العثمانية، هى ورواية الأستاذ الرافعى في كتابه عصر محمد على اتفقتا على أن الحملة تألفت من سبعة عشر ألفًا من المشاة، مع أربعة بلوكات من المدفعية، وسبعمائة من الفرسان، وأن القيادة العليا كانت لإبراهيم باشا، وعين محمد على لنقلها عمارة من 51 سفينة حربية و146 سفينة نقل، وأقلعت من الإسكندرية في 19 من ذى القعدة 1239 ه / 16 يوليو 1824 م، ولم تقصد رأسًا إلى جزيرة المورة، بل اتجهت إلى مياه رودس، وفيها ترك إبراهيم باشا ترك سليمان بك الفرنساوى مع حامية لحفظ الجزيرة من تعدى الثائرين، واتجه منها إلى خليج ماكرى على شاطئ الأناضول للالتقاء بالأسطول العثماني الذى نيط به مطاردة السفن اليونانية في بحر الأرخبيل وتطهيره من قرصنتها. ليس من أهداف هذه السطور بيان تفاصيل المعارك التى خاضتها القوات المصرية الباسلة، ولا البطولات التي حققتها في هذه الحروب التى دفعت إليها من دولة الخلافة التركية العثمانية تحقيقًا لأطماعها هى، والتي لم تنقطع عن اشتهائها على حساب الدول والشعوب الداخلة في رعويتها. وحسبنا أن نعرف إجمالاً أن القوات المصرية خاضت من أجل أطماع دولة الخلافة، حروبًا ومعارك في خليج ماكرى، وفى ميناء بودروم على شاطئ الأناضول في أواخر أغسطس 1824 م، 1240 ه، وظهر خلال المعارك البحرية الفارق جليًّا بين فوضى الأسطول العثمانى، ونظام الأسطول المصرى الذى لاقى بمهارة هجمات سفن الثوار اليونان ، وهو الذى صمد بينما لاذ الأسطول التركى العثمانى بالفرار، واشتبك الأسطول المصري بمياه جزيرة ساقز في معركة شديدة مع السفن اليونانية غرقت فيها سفينتان مصريتان، حيث أدرك إبراهيم باشا أن الحرب البرية في شبه جزيرة المورة أنسب، فعاد أدراجه إلى ميناء مرمريس جنوبًا، ثم إلى جزيرة كريت في ديسمبر 824 1م /1240 ه. * نقلًا عن صحيفة الأهرام