د. محمد يونس في سبتمبر الحالي يمر 22 عامًا على تأسيس جوجل ، وهو ما يعني أن لدينا جيلًا كاملًا ولد وتعلم وتخرج في المدارس والجامعات في رعاية وأحضان أحد أبرز مظاهر العالم الرقمي المؤثرين، فهذا المحرك وإن كان أداة مهمة للبحث على شبكة الإنترنت ، إلا انه أصبح دون أن نعلم بمثابة بابا جوجل، بل صار المربي والمعلم والمفتي للكثيرين من متصفحي الإنترنت. وبات جوجل يمثل للأبناء مصدرًا آخر للمعرفة بعد الوالدين وأحيانًا منافسًا قويًا لهما، وبديلًا عنهما في أحيان أخرى! فقد شعر جيل من أولادنا بنوع من الاستقلالية في الحصول على المعلومات عبر هذا المحرك بعيدًا عن سلطة الوالدين التي جعلتهما الفجوة الرقمية ينتميان للعصر الحجري، في نظر أبنائهما! تأسس جوجل يوم 4 سبتمبر 1998 على يد سيرجي برين، ولاري بايج، عندما كانا طالبين بجامعة ستانفورد الأمريكية، وهنا بدأت إرهاصات هذه الفجوة الرقمية، إذ إن والديهما لم يكونا يعلمان شيئًا عن هذا الابتكار وما سيحدثه في حياة الملايين، والذى تحول بعد سنوات قليلة الى أكبر شركة في مجال خدمات البحث على شبكة الإنترنت . وهكذا فتح جوجل المجال واسعًا- إلى جانب محركات البحث الأخرى- للولوج إلى الشبكة العنكبوتية بتطبيقاتها المختلفة من مواقع ووسائل للتواصل الاجتماعي وغيرها لتقتحم حياتنا بدون أن يكون لدينا مرشد أو كتالوج، وفى الوقت نفسه، استمرت تلك الفجوة الرقمية بين الوالدين والأبناء. ففى الوقت الذى أجاد فيه الأبناء النفاذ إلى العالم الرقمى بمظاهره المختلفة، ظل الكثيرون من الآباء والأمهات يفتقرون للمعرفة الكافية للتعامل مع التقنيات الإلكترونية التى أصبحت سمة العصر، لدرجة أن الكثيرين منهم يلجأون إلى أطفالهم لحل أى مشكلة تنشأ في استخدام الموبايل أو التعامل مع النت، فيما يعتمد الأبناء في هذا الحل على بابا جوجل!. تصف جوجل مهمتها بأنها: تنظيم معلومات العالَم وجعل إمكانية الوصول إليها ممكنة من جميع أنحائه وجعلها مفيدة للجميع. ولكن هذه المهمة شابها الكثير من السلبيات، ولاقت العديد من الانتقادات التى تتعلق بخصوصية المعلومات الشخصية للمستخدمين وحقوق الطبع والنشر ومراقبة المطبوعات، فضلا عن إتاحة معلومات قد تكون مضللة أو غير آمنة أمام الأطفال أو محتوى غير ملائم لعمرهم. إذ بدا لكثيرين ان بابا جوجل وغيره من الآباء الرقميين عاقون لأبنائهم!. ومن هنا نشأت معضلة رقمية لدى الأهل وهى كيف يمكن زيادة ما توفره شبكة الإنترنت من فوائد لأبنائهم إلى الحد الأقصى، وفى الوقت نفسه تقليص الضرر المحتمل إلى الحد الأدنى؟ لذا حرص الكثير من الجهات المعنية بالطفولة مثل اليونيسيف والمؤسسات البحثية المستقلة على تقديم برامج ونصائح لمواجهة هذه المشكلة. وبالفعل تم وضع تطبيقات معظمها مجانية لتحقيق نوع من الحماية للأطفال خلال استخدامهم للإنترنت، منها تطبيق (Net Nanny) الذى يقوم بحظر المحتوى المشكوك فيه أو الخطير قبل أن يراه الطفل، وتصفية بعض مواقع الويب ومراقبة النشاط الرقمي، ووقت فتح الشاشة وتقييده. وتطبيق (Bark) الذي يراقب النصوص ورسائل البريد الإلكتروني، و يوتيوب، وأكثر من 20 موقعًا للتواصل الاجتماعى بحثًا عن أى محتوى مشكوك فيه قد يتصفحه الأطفال، ويرسل تنبيهات للوالدين إذا اكتشف أى محتوى ضار قد يتعرض له الطفل عبر الإنترنت. ويتيح للوالدين ضبط وقت الشاشة ، وتصفية مواقع الويب، حيث يمكنهما السماح بمواقع معينة أو حظرها، أو حتى فئات كاملة، مثل خدمات البث، والألعاب عبر الإنترنت. ومنها تطبيق (Family Feed) للإبلاغ عما يبحث عنه الأطفال عبر الإنترنت والتطبيقات التى يستخدمونها، وفلترة عمليات البحث. ولم يتخلف جوجل عن هذه المهمة الأبوية وانما أصر على أن يكون شريكا فيها من خلال تقديم تطبيق مجانى :(Family Link) لمساعدة الآباء والأمهات في الحصول على المزيد من التحكم فيما يخص أجهزة أطفالهم الذكية من هواتف وحواسيب لوحية، و يتيح لهم منع أطفالهم من استخدام أجهزتهم عند الحاجة. ويتم تثبيت هذا التطبيق على أجهزة الأهل ليتمكنوا من إنشاء حساب جوجل لأطفالهم من خلاله، ويساعد هذا التطبيق الوالدين في منع الطفل من تحميل برامج محددة. ويمكنهما من معرفة التطبيقات التي يستخدمها أطفالهما ، مع إتاحة ميزة التقارير الشهرية أو الأسبوعية لهما . كما يوفر للوالدين إمكانية تحديد المدة اليومية لاستخدام طفلهما لجهازه الذى يعمل بنظام التشغيلAndroid وقفل الجهاز عن بعد عند وقت النوم. ومع ذلك سوف تستمر تحديات العصر الرقمى وتتطلب منا استجابة على قدر التحدي، وأولها ان يظل الوالدان قادرين على أداء مهمتهما الأبوية بكفاءة مهما كثر عدد الآباء الرقميين المنافسين لهم! * نقلًا عن صحيفة الأهرام