د. وحيد عبدالمجيد اجتهادات مهم جدًا أن نعرف كيف ينظر شباب مثقفون إلى مأساة تضرب مدينتهم، وبأى طريقة يعبرون عما يدور فى عقولهم. وأكثر ما يفيد فى هذه المعرفة كتابات صحفيات و صحفيين مثقفين يجيدون الكتابة ، وتجد فيما يكتبونه معانى تحفز على التفكير. ولذلك، طفتُ فى عدد من المواقع الإلكترونية اللبنانية، التى تُعرف بجديتها ومهنيتها وحرصها على مستوى مرتفع فيما تنشره، وانتقيتُ القليل من كثير جدًا يفيد فى تكوين فكرة عن نظرة شابات وشبان يعملون بالصحافة إلى مأساة انفجار مرفأ بيروت وتداعياته. لفتت انتباهى عبارة باسكال صوما إنهم يكنسون مدينتى، فى مقالة كتبت فيها: ( أدور فى شوارع بيروت المدمرة، وحدى تمامًا، أشعر بأننى فى مدينة أجهلها. شابات وشبان يحملون المكانس، يتحدثون عن الركام والزجاج. إنهم يكنسون مدينتى). لقطة أخرى معبرة فى مقالة ساندى الحايك عن الأبنية الأثرية التى دمرها الانفجار، ويتسابق سماسرة لشرائها، وبدت لها كأنها عارية: (لم يعد زوار المدينة بحاجة إلى ارتياد البيوت الأثرية لكشف أسرار عمارتها الداخلية. لقد اختُرقت تلك البيوت، خرجت إلى العراء وانكشف ما بداخلها، كجسد جميل براق شغف به كثيرون إلى أن تمزق وشاحه على غفلة. عارية هى كأحلام اللبنانيين التى ما من أمل يغطيها ..). أما جاد شحرور فاختار أن يكتب عن المأساة فى الجزء الأكثر فقرًا فى المنطقة التى دمرها الانفجار، وهو حى الكرنتينا، حيث وجد (سكانه الذين تجمعهم لغة المآسى والقهر يجاهدون لرسم ابتسامة على وجوه أطفالهم المحرومين من حياة طبيعية قبل الانفجار، فما بالكم بعده). وخلص إلى أن (التحدى فى ترميم النفوس، والتخلص من كوابيس الدمار والأصوات المرعبة التى ترعش أجسادنا يوميًا ..).ونظر حازم الأمين إلى الدمار الذى حدث بطريقة مختلفة: ( الدمار أفقى، تمامًا كما يظهر فى الصور. الصور هذه المرة تشبه المشهد، و الدمار أصاب منازل نعرف أهلها .. أشلاء المنازل تخلف فى أصحابها حزنًا يفوق الخسارة). وليس هذا إلا نذرًا يسيرًا من كتابات رشيقة معبرة عن مأساة كبرى بأساليب رصينة .. بعيدًا عن فجاجة كثير مما تعج به مواقع التواصل الاجتماعى. نقلا عن صحيفة الأهرام