رغم قلقى من شراسة وتزامن الحملات التى تستهدف مصر من الشرق والغرب والجنوب والشمال، إلا أننى أجد فيها دلالات واضحة بأننا أقوياء ونخطو فى الاتجاه الصحيح، وهو ما لا تتمناه بعض القوى الإقليمية والدولية التى لا تريد لمصر أن تجنى ثمار جهودها، وتحديث بنيتها ومنظومتها، وتحاول أن تعرقل تلك المسيرة، وكلما كانت الضربات بتلك القوة والكثرة دلَّ أن خطواتنا واسعة وسريعة ومؤثرة، وأننا اقتربنا من تحقيق إنجازات كبيرة، فعلى قدر الفعل يكون رد الفعل، وهذه شهادة من خصومنا أو أعدائنا بأننا نسير فى الاتجاه الصحيح، وأنهم يتمنون أن نتراجع عنه أو ننتكس، وهو ما لن يحدث أبدًا، وذلك للكثير من الأسباب، فالشعب المصرى فى أكثر من مناسبة يراهن على قوة مناعته الطبيعية فى مواجهة فيروسات الإرهاب والتخريب والاحتلال، ومثلما نواجه الآن بنجاح فيروس كورونا الذى بدأ يتراجع وتستقبل المستشفيات أعدادا أقل من المصابين، ومستشفيات أخرى أغلقت أقسام العزل؛ لأنها نجحت فى علاج كل الحالات ولم تعد تستقبل مصابين جددا. وليس مصادفة أن تكون مصر من بين الدول القليلة التى تراجع فيها معدل الإصابة بالفيروس، رغم عدم اكتمال منظومتنا الصحية التي يجري تجديدها وتطويرها، وعدد السكان الكبير الذى يبلغ حوالى مائة مليون نسمة، وعاصمة من أكثر مدن العالم ازدحاما ولا تنام أبدا، فالحركة فيها على مدار اليوم ومن الصعب وقف التنقل وتنفيذ التباعد بكل حزم، ومع ذلك فإن معدلات الإصابات فى مصر تقل كثيرا عن الدول المحيطة، وحتى عن دول تمتلك إمكانات هائلة مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وروسيا، وكان هناك من يتوقعون أو يتمنون أن يفترس فيروس كورونا الكثير من أرواحنا ويشل قدراتنا وأن ينتشر مثل النار فى الهشيم، وهو ما رددته القنوات الفضائية المعادية التى تبث سمومها وفيروساتها من منصات فى قطر وتركيا ودول أوروبية. لقد تزامن التصعيد فى أزمة سد النهضة والخطوة الإثيوبية الأحادية بالبدء فى ملء بحيرة سدها دون إخطار أو مشاركة من مصر والسودان مع الحملة التركية الداعمة للجماعات الإرهابية فى ليبيا والتى تدفقت على سرت والجفرة تريد الاستيلاء على بترول ليبيا والتقدم نحو حدودنا الغربية، وجاء هجوم العناصر الإرهابية على معسكر لقواتنا فى بئر العبد فى سيناء فى التوقيت نفسه لتشتيت جهودنا وإرباك حركتنا وإشاعة أجواء من القلق، لكن تلك الهجمات تحطمت على صخرة إرادة الشعب والجيش والاستعداد الجيد مع الهدوء والثقة فى قدراتنا، فتوقفت القوات التركية قبل أن تصل إلى سرت أو الجفرة، ولم تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام رغم التهويل وقرع أردوغان طبول الحرب ونقل آلاف الإرهابيين من سوريا وتركيا وإعلان أنهم تلقوا تدريبات على أسلحة تركية وغربية متطورة وتم تزويدهم بمنظومات حديثة للدفاع الجوى، ومدرعات سريعة وقوية، وسمعنا بيانات كثيرة عن قوة الحشود والاستعدادات. لكن ماذا فعل أردوغان على أرض الواقع لقد اضطر إلى التوقف والاكتفاء بحرب التصريحات والتهديدات ليخفى هلعه من القوات المصرية المتأهبة للدفاع عن حدودنا الغربية وتقديم العون لجيش ليبيا الذى لم ولن تخذله مصر فى تقديم كل الدعم له لكى يدافع عن أرضه وثروات شعبه فى مواجهة أطماع أردوغان ومن يقفون معه أو خلفه ويدفعونه إلى مصير مجهول ورمال متحركة مستعدة لابتلاع قواته وأطماعه، وبالتأكيد لم يكن توقف قوات أردوغان وجماعاته الإرهابية إلا بسبب ما لمسه من إصرار مصر على ملاقاته ووضع حد لأطماعه، وليس لأنه محب للسلام أو يريد حقن الدماء، فلم تتوقف قوات أردوغان وجماعاته لحظة عن سفك الدماء طوال السنوات التسع الماضية ونشر الخراب والدمار فى كل مكان. وليس غريبا أن يقول إنه لا ينوى سحب قواته من شمال سوريا وشمال العراق من أجل السلام ومصلحة الشعبين السورى والعراقى، وهو كلام أجوف يفتقر إلى أبسط قواعد المنطق والعقل، فمتى كان الاحتلال والقتل سبيلا للسلام؟ ومن الذى منح قوات أردوغان حق التوغل فى الأراضى العربية فى سورياوالعراق وليبيا إنه كلام يستهين بالعقول والقوانين الدولية، ويكشف عن أطماع يصعب أن يخفيها. وتحدث أردوغان باسم الشعوب ليس إلا محاولة لإضفاء الشرعية على الاحتلال والإجرام لا يمكن أن يصدقه عقل سليم، وإذا كانت نفايات جماعة الإخوان وغيرها من الجماعات الإرهابية تتعلق بحبال أردوغان فهى واهية وستسقط مجددا وستكتب آخر فصول دورها المدمر فى مصر، والمنطقة. وسيتخلص العالم من شرورها بعد أن سقطت أقنعتها، واتضحت حقيقة دورها أمام الجميع. وما حدث فى بئر العبد خير دليل فقد فشل الهجوم من الشرق أيضا وتكبد الإرهابيون خسائر جسيمة، رغم أنهم كانوا قد أعدوا العدة بالسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة، وكل معدات الهجوم المباغت، إلا أن رجالنا كانوا متيقظين ومتأهبين، فدفع الإرهابيون ثمنا باهظا، وتطارد قواتنا فلولهم وكلها إصرار وعزيمة على اجتثاثهم من سيناء، ولأن الوضع فى ليبيا والمنطقة له تعقيداته، فقد نشطت قواتنا الدبلوماسية بالتوازى مع تأهبنا العسكرى، وتواصل حشد دول العالم فى مواجهة أردوغان وردعه بالوسائل الدبلوماسية لتتجنب إراقة الدماء قدر الإمكان. أما بخصوص سد النهضة فقد رأت القيادة الإثيوبية مدى إصرار مصر على عدم التفريط فى حقوقها وأن قضية نهر النيل مسألة وجود لا حدود، ولهذا توقفت عن خطوتها الأحادية بملء بحيرة السد وعادت مياه النيل للتدفق بمعدلاتها الطبيعية مع عودة المفاوضات التى تتمسك فيها مصر بكل قطرة مياه. وألا يكون المشروع الإثيوبي على حساب مصالح مصر وحقوقها التاريخية والقانونية الثابتة، وتأكدت القيادة الإثيوبية أن الاستعداد المصرى لنقل الملف إلى مجلس الأمن خطوة ستضعها فى زاوية صعبة، وإنها ستخسر إذا ما قررت أن تطمع فى حقوق مصر أو تنال منها، وتفرض أمرا واقعا عليها، فالقيادة المصرية تمتلك الكثير من الأوراق، لكنها تتبع سياسة الخطوة خطوة، وتقدم حسن النية أولا، حتى تكون قد أقامت الحجة على قادة إثيوبيا قبل أن تستخدم أى أدوات أخرى قد تضر بالشعب الإثيوبي الذى تربطنا به علاقة وثيقة وقديمة وتجمعنا مصالح مشتركة، ونريد لمياه الخير والتنمية أن تتدفق وليس أنهار الدماء، وأتمنى أن تدرك القيادة الإثيوبية أن الإضرار بمصر وشعبها خيار ضار بإثيوبيا عليها أن تتجنبه. نقلا عن صحيفة الأهرام