* معرفة الآخر لا يعني بالضرورة قبوله؛ وقبوله لا يعني الاعتراف به، والاعتراف به لا يعني الاعتراف بسياسته أو بشرعية وجوده. * 15 قسما لدراسة اللغة العربية في الجامعات المصرية لكنها تركز على اللغة أكثر من الاهتمام بالأدب * اخترت يتسحاق لاءور لدراسة مقارنه مع محمود درويش لأنه ماركسي و من الرافضين للمؤسسة الرسمية الصهيونية * أحدد قرائي مسبقا وأبحث عن القارئ المتحدي * كنت أتدرب بكتاباتي الأولى لمقابلة عفيفي مطر ولايزال لدي الكثير من الأفكار لدراسة مشروعه الشعري
تنبأت لها الناقدة الكبيرة اعتدال عثمان بالتفوق في مجال النقد بين العمل الأكاديمي وقراءة النصوص الإبداعية ومنحتها الشارقة جائزة الدراسات النقدية عن كتابها عن العتبات النصية قراءة في شعر محمد عفيفي مطر في العام 2016.. وعادت بعد عامين لتفوز بجائز ة الدراسات النقدية في مسابقة عفيفي مطر بدراسة عن ديوان ملكوت عبد الله، آخر ما كتب عفيفي قبل رحيله عن عالمنا قبل عشر سنوات. قد يظن البعض أننا أمام ناقدة مهتمة فقط بدرس الشعر وهذا هو مجال تفوقها لكن للدكتورة ناهد مجالا آخر للتفوق هو البحث الأكاديمي في الأدب المقارن حيث تعمل مدرسة بقسم اللغة العبرية بكلية الألسن جامعة عين شمس وقد أصدرت في هذا المجال كتابا مهما عن علاقة الشعر بالفنون: دراسة مقارنه بين الشاعر الفلسطيني محمود درويش والشاعر الإسرائيلي يتسحاق لاءور وكيف وظف كلا منهما الفن بأنواعه المختلفة في قصيدته المجال الذي تخصصت فيه الدكتورة راحيل مثير للجدل والأسئلة خاصة وأنها تتعامل مع الأدب العبري تعاملا أكاديميا معرفيا يبحث إبستمولوجيا لا أيديولوجيا عن آليات إنتاج الفكر والإبداع وليس عن مقولات الإبداع، لكنها تشير في حوارها مع الأهرام إلى أن دراسة الأدب أو الفكر العبري مقدمة منطقية للمقاومة الثقافية فلم يعد ممكنا ان نقاوم بلا معرفة واسعة بمن نقاومه. في الحوار تكشف ناهد راحيل سبب اهتمامها بدراسة الأدب العبري والاتفاق غير المكتوب بينها وشقيقتها نهلة حيث تخصصت ناهد في درس الشعر بينما ركزت نهلة على الرواية، وتكشف سر اهتمامها بالشاعر الكبير محمد عفيفي مطر الذي قالت إن دراساتها الأولى عن شعراء العربية كانت بمثابة تدريب عملي لمقابلة عفيفي مطر وقصيدته. وإلى نص الحوار: د. ناهد راحيل *ماهو السبب وراء اتجاهك لدراسة الأدب العبري وهل هو أدب عبري نسبة إلى اللغة أم أدب إسرائيلي نسبة إلى الكيان الصهيوني؟ ** لم أدرس الأدب العبري لأسباب قومية، أو لنقل إنه في البداية لم يكن الأمر كذلك، كان الفضول هو المتحكم الأول في اختياري دراسة اللغة العبرية. وأنا في السنة الأولي من مرحلة التعليم الثانوية اكتشفت بعض الكتب القديمة وكتاب آخر صغير الحجم بغلاف سميك –عرفت بعد ذلك أنه الكتاب المقدس- المكتوبة بحروف غريبة كنت أجدها أكثر منطقية وراحة للعين إذا أمسكتها بالمقلوب، وكانت الكتب مخبأة –أو اعتبرتها كذلك- ولم أبذل مجهودا لأعرف أن الكتب تخص أمي، وأن المكتوب في أعلى صفحاتها الأولى -حتى وإن كان مكتوبا بتلك الأحرف الغريبة- هو اسمها. وعندما سألتها عرفت أنها اللغة العبرية، والتي كنت أسمع عنها من "أدهم صبري" رجل المستحيل، تلك الروايات التي قرأت منها بعض الأعداد في تلك الفترة قبل أن أستقر على "رفعت إسماعيل"، لكني لم أكن قد رأيتها من قبل؛ وتعلمت الأبجدية وبعض الكلمات البسيطة قبل حتى أن أعرف أني سأصبح متخصصة في اللغة العبرية. أما عن سبب اختياري ل " الأدب العبري " بالذات؛ فالسبب حبي الشديد للأدب بشكل عام وللشعر بشكل خاص، كنت أقرأ في الأدب العربي، بجانب النصوص المترجمة من الأدب الروسي والألماني والإنجليزي، لكن لم أقابل ولا مرة نصا مترجما عن اللغة العبرية؛ فظننت أنهم لا يكتبون الأدب حتى أثناء دراستي في الكلية كانت أعقد المقارنات بين ما ندرسه في القسم وما يدرسه زملائي في أقسام اللغات الأخرى. وعن المسميات؛ ف الأدب العبري هو الأدب الذي يستخدم العبرية لغة كتابة، أما الأدب "الإسرائيلي" فهو الأدب المكتوب بعد حرب 1948 والمكتوب بالعبرية في أغلبه. فالفترة الزمنية هي ما تحدد المسمى، فالأدب المكتوب أثناء المرحلة الأوروبية والفلسطينية قبل 1948 هو أدب عبري، وبعد إقامة الكيان الصهيوني أصبح الأدب" إسرائيليا”. معرفة أم تطبيع؟ *كثير من المصريين يخافون من الإقدام على دراسة الأدب "الاسرائيلي" خشية التأثير على روح المقاومة للوجود الصهيوني في الأرض العربية.. ما هي الأهمية العلمية والمعرفية لمعرفة العدو؟ ألا يمكن أن يكون قبول الآخر بوابة للتطبيع؟ معرفة الآخر لا يعني بالضرورة قبوله؛ وقبوله لا يعني الاعتراف به، والاعتراف به لا يعني الاعتراف بسياسته أو بشرعية وجوده. لذلك أعتقد أن معرفته والوقوف على خلفياته المعرفية قد تعزز من روح المقاومة. فمثلما ارتبط الأدب العبري بالوعي التاريخي وإيديولوجياته المعقدة التي رافقت مهاده الأوروبي الأول في القرن الثامن عشر مع الصعود المستمر للسيطرة الإمبريالية الحديثة في نهاية القرن التاسع عشر، ومثلما استوعب مفهوم الحداثة، وما يفرضه من صعود لتيارات أو مذاهب أدبية اتخذت من الإيديولوجية والأفكار الشمولية ومبادئ العقلنة بطانة لها، ومثلما اتخذ جانب الالتزام في مرحلة "المد القومي" الأوروبي ومتعاطيا مع محدداته وأفكاره الاستعمارية، وموظفا أفكاره لخدمة أهدافه الخاصة في بداية القرن العشرين؛ لتتبلور الصهيونية ويظهر ما يمكن تسميته بالأدب المجند أو الأدب الملتزم، وهو المفهوم الذي صاحب النتاج الأدبي العبري في المرحلة الفلسطينية وحتى بداية "إقامة الدولة" عام 1948، لتتبلور الواقعية النقدية بعد الحرب العالمية الثانية ومنتصف الخمسينيات من القرن العشرين. كما استجاب الأدب العبري كذلك للاتجاه ما بعد الحداثي الذي يعد بداية عصر التشكيك وموت التعاريف المنطقية والمسلمات المطلقة ونهاية للأفكار الشاملة، ليفكك الأدب العبري من مقولات الصهيونية والأساطير التي اعتمدت عليها وتوجهت بها للجماعات اليهودية، ولتظهر اتجاهات رفض الأدب العبري للمؤسسة الصهيونية ولسياستها القمعية. فيتشكل خطاب المؤرخين الجدد بعد حرب لبنان الأولى الذي ارتكز على الادعاء القائل بأن الصهيونية قد حولت تاريخ الجماعات اليهودية والثقافة اليهودية رغم تنوعها وتعددها إلى سردية كبرى عن "نفي المنفى" ومركزية "أرض إسرائيل"، ومن ثم اهتموا بطرد الخطاب الصهيوني من التاريخ الإنساني لارتباطه الواضح بسياقات الإمبريالية والكولونيالية والعرقية. وهذا الخطاب المضاد أنتج بدوره خطابا مضادا يندد بالمقولات ما بعد الصهيونية ويدعو للعودة إلى رحم الصهيونية مرة أخرى. كل هذه الخلفيات -التي تبدو منطقية إذا تم ربطها مع خريطة الأدب في بنيته الأكبر- قد تكون خفية فقط بسبب غياب نقل الإنتاج الأدبي أو الفكري بالعبرية عن طريق الترجمة خوفا من تهم التطبيع، وفي المقابل يتم نقل النتاج الأدبي العربي بالكامل إلى العبرية، لتصبح المعادلة غير متوازنة فيضعون لنا المخططات بسهولة وننفذها في الغالب دون وعي. *ماذا تعنين بالعبارة الأخيرة وكيف تلعب الترجمة دورا في المقاومة؟ سأخطو على أطراف أصابعي للرد على هذا السؤال بسؤال آخر مقترح – هل يمكن هنا أن نفصل بين سياسات إدارة الصراع وبين الأدب باعتباره نتاجا إنسانيا في الأساس رغم حضور الإيديولوجيا في كلا الجانبين، كما سأحدد نوع المقاومة التي أقصدها وهي ثقافية في الأساس، فترجمة الأعمال الفكرية التي توضح الايديولوجيا التي يتبناها المجتمع "الإسرائيلي" قد تسمح لنا بالوقوف على صراعاته الداخلية ومن ثم توقع الخطوات قبل اتخاذها أو على الاقل استشرافها عبر ربطها بسياقها العام، ومن الطبيعي انتقال تلك الايديولوجيا إلى النتاج الأدبي الذي هو متحزب بالضرورة، فكل أديب يتبنى فكرا خاصة يعبر عنه في خطابه الأدبي. وعند الحديث عن المجتمع "الاسرائيلي" فإن الصهيونية هي الأيديولوجيا المتبناه مع تفاوت حدة الخطاب وخفوته حسب الشرط الزمني وسياقاته المختلفة، ومع ذلك نجد أن اتجاهات ما بعد الايديولوجيا تطرح بعدا جديدا للتفكير خاصا بتفكيك تلك الايديولوجيا ومساءلتها، وهو ما نجده في أدبيات الأجيال الجديدة التي تهتم بنقل حالة الصراع الداخلي والعنصرية الممارسة ضد فئات عديدة مهمشة ومنها بالطبع اليهود العرب والفلسطينين، وهنا أعود للسؤال مرة أخرى هل الإعجاب هنا يكون بالعدو أم بالنتاج الأدبي الإنساني؟! **المحرر :لأن هذا موضوع جدلي سأترك الأمر لتعليق القراء والمتابعين حتى لا نقضي الوقت كله في سؤال واحد وحتى لا أفرض قناعاتي الرافضة لكل ما هو "إسرائيلي" على الحوار أو القراء *هل استفدنا من التجارب السابقة مثل تجربة الدكتور إبراهيم البحراوي والدكتور رشاد الشامي في دراسة الفكر والأدب الإسرائيلي ولماذا لم يصبح دراسة الفكر الإسرائيلي تيارًا في الفكر العربي؟ بالفعل مهدت دراسات الدكتور إبراهيم البحراوي في الفكر الإسرائيلي، ودراسات د. رشاد الشامي في الأدب العبري الطريق للباحثين في التخصص بشكل خاص وللمهتمين بهذه القضية وهذا الاتجاه بشكل عام، في وقت لم تكن تتوفر فيه الدراسات بتلك الصورة التي سمحت بها الثورة المعلوماتية. ولهذا السبب لا ينبغي أن نتوقف عند التجربتين بوصفهما رؤية فكرية شاملة، هي رؤية تخص الشرط الزمني الذي تناولته والذي عملت داخله، لذلك يجب على الأجيال الجديدة متابعة التجربة أو المشروع –إن صحت التسمية- وفق شروط الزمن الجديد ومحدداته الثقافية والفكرية، وكذلك وفق الإيديولوجيا الخاصة بإدارة الصراع التي من الممكن القول بتغيرها كذلك أو دخول جهات جديدة تحمل أفكارها الخاصة. غلاف إحدى دراساتها *كيف كان تعاملك مع رواد هذا المجال؟ كنت محظوظة بتعاملي المباشر مع أستاذي د. رشاد الشامي، فقد درس لي فصلادراسيا واحدا قبل أن يتوفاه الله، وكانت مادته هي الاحتكاك الأول مع خارطة الأدب العبري ، والتي لم تتضح معالمها إلا عبر تلك المحاضرات المباشرة وعبر الكتب التي تعرفت خلالها على طبيعة الشخصية اليهودية وتمثلها سواء في الفكر "الإسرائيلي" أو في الأدب العبري . ومن الأسماء المهمة في مجال الدراسات الإسرائيلية والتي أفدت منهم بشكل مباشر أستاذي د. محمد محمود أبو غدير صاحب العديد من الأعمال النقدية والترجمات الفكرية، ود. أحمد عبد اللطيف حماد رحمه الله، والجدير بالذكر أن ذلك الجيل عاصر ظروفا ثقافية أكثر صعوبة لندرة المصادر والمراجع في تلك الفترة التي عملوا أثنائها، كما كان لهم دور وطني مهم تحكم فيه معاصرتهم لفترات الصراع المباشرة مع المجتمع الإسرائيلي أثناء الحروب. *وكيف ترين إنتاج الجيل الجديد من دارسي الفكر والأدب الصهيوني؟ وهل تغلب عليه التوجه الأيديولوجي اعرف عدوك أم نه ينطلق من منطلقات أكاديمية فقط؟ قليلة هي الأسماء المؤثرة في المشهد من الجيل الجديد للأسف، وذلك بسبب التفكير الانعزالي، وكأن الدراسات في الفكر الإسرائيلي و الأدب العبري منفصلة عن خريطة تاريخ النظريات الأدبية والتوجهات الفكرية والمقولات الفلسفية العالمية. وأعتقد أن د. حاتم الجوهري صاحب دراسة خرافة الفكر التقدمي الاسرائيلي من تلك الأسماء القليلة، لكن يغلب على كتاباته التوجه الايديولوجي حتى في دراسة النصوص الأدبية، لا لسبب إلا لأن هذا ما يشغله في الأساس، لكنه ينطلق كذلك من منطلقات أكاديمية كذلك عبر اتباع منهجية واضحة في الكتابة وفي الرجوع إلى المراجع التي تعينه على ذلك، والتي تساعد في التعريف بالجانب الفكري للآخر. *وكيف تقيمين دراسة الأدب العبري في كلية الألسن التي تعملين بها وهل هذه دراسة وظيفية بغرض بغرض تخريج مترجمين؟ وما هو سوق العمل الطبيعي لخريجي قسم الأدب العبري؟ نعود إلى طبيعة الدراسة في القسم والتي جعلتني أعقد المقارنات بين الأقسام اللغات الأخرى بالكلية، القسم يهتم بالأساس بمقررات اللغة والترجمة –السياسية في أغلبها- رغم وجود مقررات الأدب والنقد، والتي لا يجد الطلاب أنفسهم مبررا لوجودها رغم أهميتها في الكشف عن تطورات الصراع، وبيان تلقي الخطاب الأدبي وتوظيفه للصراع وعرض وجهات النظر المتعددة بشأنه. والغريب هو الاهتمام باللغة دون الاهتمام بثقافتها التي تظهر في النصوص الأدبية والتاريخية والفكرية، إلى جانب ثقافة الديانة اليهودية نفسها. لذلك يتحدد مجال سوق العمل لخريجي القسم في الترجمة عن الصحف الإسرائيلية، أو ب "الكول سنتر" في بعض الشركات، إلى جانب الأجهزة الاستخباراتية والإذاعة المصرية. فنقطة الانطلاق هي اللغة العبرية وممارستها وليس الأدب العبري وتداوله، ربما يكون سبب هذا التوجه هو الامتناع عن ترجمة الأدب العبري سواء في هيئات النشر الحكومية أو النشر الخاص، رغم وجود ما يقرب من خمسة عشرة قسما لدراسة اللغة العبرية في الجامعات المصرية إلى جانب تدريس العبرية في أقسام اللغة العربية كلغة ثانية، ومن ثم خلق سوق عمل على جانب كبير من الأهمية أمام الخريجين الذي لا يجدون بديلا سوى المجالات السابقة مع محدوديتها كذلك. *ألا ترين أن عدد أقسام اللغة العبرية كبير. ما السبب في التوسع برأيك في قبول دارسي هذه اللغة. وما هو الإغراء الذي يمثله دراسة العبرية في مصر ؟ لا يوجد هناك سبب منطقي في التوسع في أقسام اللغة العبرية طالما هناك قيود مسبقة مفروضة على المنتمين إليه. بداية من المركز الثقافي "الإسرائيلي" الذي يمنع الطلاب من الذهاب إليه لأسباب أمنية كنت أجدها منطقية في السابق، لكن الآن اختلف الأمر. * لماذا ؟ لأن المسئول عن المركز مصري الجنسية، انتهاء بمكتبات الكليات التي لا تواكب الحركة الإبداعية أو الفكرية أو النقدية بأي حال من الأحوال، فهناك فقر ملحوظ في الإمكانات البحثية بسبب صعوبة الحصول على مصادر أو مراجع للسبب الأمني نفسه، ولولا شبكة الانترنت لما كان هناك حراك – مع أنه بطيء- معرفي في مجال دراسات اللغة العبرية. وقبول تلك الأعداد سببه غياب التنسيق الداخلي للقبول بأقسام اللغة العبرية، فليس هناك شروط للالتحاق بها خلافا لأقسام اللغات الأخرى. أتذكر فقط مع وجود بث مفتوح لبرنامج بالعبرية على أحد قنوات النيل المتخصصة منذ سنوات، سجلت أقسام اللغة العبرية زيادة واضحة في عدد الطلاب، أتحدث بشكل خاص عن كلية الألسن التي التحق بالقسم حينها 180 طالبا وهو أكثر من ثلاثة أضعاف أعداد القبول في السنوات السابقة. لكن مصير الخريجين كان معروفا بالطبع لقلة الفرص المتاحة لهم بسوق العمل، مع وجود القليل منها يحصل عليها فقط أصحاب "الوساطة" التي تدعهم للالتحاق بمجالات العمل سواء في الإذاعة أو في التليفزيون المصري، لكن هذا لا يعني أنه مع الاجتهاد والإخلاص الحقيقيين قد توجد بعض الفرص في مجالات أخرى. المحور الثاني الأدب المقارن غلاف إحدى دراساتها * في دراستك المعنونة "الشعر والفنون" لماذا ركزت على مقاربة فلسطينية "اسرائيلة" تضع شاعرين في المقام نفسه كما فعلت بالمقارنة بين درويش ولاءور ؟ الدراسة مقاربة نقدية في الأساس، تتبعت خلالها كيفية توظيف الخطاب الشعري لدى الشاعرين لتقنيات الفنون المختلفة –أدبية أو بصرية- ومدى الاستعانة بأبجدياتها المتعددة وتقنياتها المختلفة وما تقدمه من عناصر تسهم في تشكيل النص الشعري لكل منهما. وقد اخترت الشاعرين لما يحتلانه من مكانة مميزة في كل من الأدبين العربي والعبري ؛ فعلى مستوى الرؤية الموضوعاتية، عاصر الشاعران الأحداث نفسها حيث جمعتهم قضية واحدة هي قضية الصراع العربي/ "الإسرائيلي"، كما أن التوجهات الفكرية والأيديولوجية كانت عاملا مهما في اختيار الشاعرين؛ حيث تبنى كلاهما الأفكار الشيوعية الماركسية. وعلى مستوى الشكل، واكب الشاعران تجربة الحداثة واتضحت مظاهرها في نصوصهما الشعرية. أنا متحفظ على المقارنة بين درويش ويتسحاق لأسباب فنية ونفسيه، لماذا اخترت هذه المقاربة بين الشاعرين وكان منطقيا أن تقدمي كتابا عن درويش بمفرده وكتابا عن يتسحاق لاءور بمفرده أما وضع الشاعرين معًا في كتاب ماذا تقصدين منه خاصة وانه متوجه للقاريء العام وليس للدرس الاكاديمي المغلق في الجامعة. ربما كانت توجهاتي البحثية المهتمة بالمقاربات الأدبية المقارنة هي ما دفعني لاختيار الشاعرين، ربما تثير المقارنة التحفظات في البداية، لكنها قد تهدأ خاصة بعد التعرف على موقف لاءور الرافض للمؤسسة الصهيونية ولسياستها القائمة على القمع والحروب والتشابك الدائم؛ فيتبنى لاءور أفكار الماركسية التي تقوم على مبدأ التجاور والمساواة، ومن هنا انتفت لديه فكرة صراع الهويات واتضحت فكرة تمييع دور الأيديولوجيا الدينية والعرقية بوصفها محركا للصراعات البشرية. حتى وإن لم يكن لاءور يتبنى هذا الموقف، من مقدور المقارنة أن تكشف المنظور التراتبي الذي قد تتبناه بعض النصوص؛ فتكون المقارنة من هذا المنطلق استراتيجية بقراءة الخطاب في علاقته بالخطاب المضاد له، فتعيد بهذا الشكل إحياء العلاقة بين النص والعالم، وهي العملية التي من شأنها أن تكشف عن المخفي والمستور والمسكوت عنه في السرود الصهيونية. وفي ظني أن تلك المقارنات هي أسلوب البحث عن المتشابهات في النصوص، وهى أسلوب المدرسة الأمريكية في المقارنة بعيدا عن فكرة تأثر أدب ضعيف بآخر أقوى الذي ميز المدرسة الفرنسية. فالأمر أشبه بمحاورة النصوص التي كتبت تحت شرط مشترك. *ولماذا أوردت النصوص "الاسرائلية" في دراستك باللغة العبرية افهم ان يتم ذلك في الدراسة الأكاديمية وفق مقتضيات المنهجية والتوثيق ولكن في كتاب موجه القاريء العام ما هي الضرورة المعرفية وراء نشر النصوص بالعبرية.؟؟ نعم من المهم تحديد الجمهور المستهدف في البداية خاصة وهيئة الكتاب معنية في الأساس بالقارئ العام، لكني وضعت في الاعتبارأيضا دارسي العبرية الذين قد يرغبون في مطالعة النص في لغته الأصلية. والسبب صعوبة الحصول على الأعمال في الأساس، فعندما كنت في سنوات الدراسة كان يهمني وجود النص بالعبرية، ربما للإفادة به بعد ذلك في بحوث أخرى أو لمراجعته عندما أجد خللا في الترجمة-، ولتفادي الأمر نصحني أستاذي الراحل د. سيد البحراوي بوضع النص العبري في الهامش وأخذت بنصيحته تلك في أعمالي التالية. المحور الثالث: الباحثة أم الناقدة محمود درويش *قدمت دراستين لافتتين عن عفيفي مطر الأولى عن شعرية العتبات والثانية عن قصيدة السيرة الذاتية لماذا اخترت مطر موضوعا لدراستك مرتين وهو الشاعر الذي يفر منه الدارسون ؟ ظلت دراستي على أعمال الشاعر محمد عفيفي مطر مشروعا مؤجلا، حتى واتتني الفرصة بالدراسة الأولى عنه عام 2016 والثانية عام 2018، واعتقد أني وقفت على المشاريع الشعرية الأكثر أهمية في دراساتي؛ فقدمت دراسة عن الجنوبي "أمل دنقل"، وأخرى عن " محمود درويش " انطلقت خلالهما من الأعمال الكاملة، إلى جانب بعض الدراسات عن الدواوين المفردة لعبد المعطي حجازي، وكأنني كنت أتدرب لملاقاة محمد عفيفي مطر . قرأت عفيفي مطر منذ المرحلة الثانوية، وواجهت صعوبة بالطبع في فهم نصوصه الشعرية، بداية من الأجهزة العنوانية التي كانت تصدمني لكن تجذبني في الوقت نفسه وبالقدر نفسه، ولم يكن هناك سوى مكتبة المدرسة أحاول البحث فيها عن "الوجه الأمبيذوقليسي" وعن "الأعضاء التي انتثرت". ولوصف ما كنت أمرّ به، أستعير جملته في زيارات الدهشة "كنت لا أفهم أكثر الألفاظ وكان ذلك من عوامل السحر"، فلم أكن أفهم أغلب المكتوب ولكني كنت أحسه وأشعر بسحر العلاقات بين الكلمات، إلا أنني أجرؤ على القول بأني بدأت أتحكم في تلك الشبكة وأرتب تلك العلاقات، خاصة بعد الدكتوراة. وأعتقد أنه لا يزال لدي ما أقدمه لقراءة مشروع الشاعر الكبير محمد عفيفي مطر ، وما زالت هناك بعض الأماكن غير المطروقة في خطابه الشعري. درست العتبات عند عفيفي وعند شاعر اسرائيلي آخر ولكنك قدمت كتابا عفيفي بمفرده بعيدا عن المقارنه لماذا ؟ بخصوص الدراسة التي تناولت خطاب العتبات عند الشاعر الإسرائيلي دافيد أفيدان، فقد سبق الكتاب عن عفيفي مطر وصدوره الدراسة والفاصل بينهما أكثر من عامين، فكتبت الدراسة عن الشاعر المصري محمد عفيفي مطر خصيصا للمشاركة في جائزة الشارقة للإبداع العربي في نوفمبر 2015، بعدها وجدت الظاهرة نفسها –أقصد الاهتمام بتشكيل العتبات- حاضرة بشدة في خطاب الشاعر دافيد أفيدان، فقدمت بحثا -وليس كتابا- عن خطاب العتبات في شعر دافيد أفيدان في أحد المؤتمرات العلمية في التخصص مع الوضع في الاعتبار خصوصية ثقافة اللغة والشرط الاجتماعي والسياسي كذلك. توقعت في دراستيك عن مطر ان تتخلصي من منهجية البحث الاكاديمي الصارمه وخاصة انه شاعر خارج السياق لك دراسة السيرة الذاتيه ودراسة العتبات جاءتا علي نحو اكايمي. لماذا يخاف الاكاديمي الابتعاد عن الترتيب المنهجي في البحث النقدي ولماذا لا يتخلص من غلالة المقدمات وطرق عرض البحث الاكاديميه التي قد تبعد القاريء غير المتخصص عن الدراسة ؟ لا أريد التخلص من الباحثة الأكاديمية، التي تساعدني على تحقيق ما أريده من النص، فسؤالي دائما هو كيف كُتب النص وليس ماذا يقول النص، والفارق في ظني كبير، فلا يشغلني إعادة صياغة النص الشعري واجتراره بوصف سردي مبسط، بل ما يشغلني هو التوقف عند الأدوات التي كتب بها النص ومحاولات التجريب فيه والكشف عن الأنساق الثفافية أو الدوائر المعرفية التي نُقلت بواسطة تلك الأدوات دون غيرها. والابتعاد عن المنهجية ومحاولات التخلص من "غلالة المقدمات" ليس خوفا بقدر ما هو أسلوب يخصني في الكتابة. هناك أكاديميون لا يتقيدون بالمقدمات النظرية أو الترتيبات المنهجية، لكني أتقيد –مع تحفظي على الكلمة- بتلك المقدمات التي أعتبرها ضرورة تمهيدية للدراسة وإجراءاتها، لكن من الممكن أن يتخطاها القارئ كما يفعل البعض مع تقديم الترجمات مثلا ويبدأ بالتطبيق أو تأويل النص مباشرة. كما أن الباحثة الأكاديمية هي ما أعطت الشرعية للناقدة، فلولا وجود الأولى ما كانت الثانية. وأعترف أن محاولات التنقل بين مستويات الخطاب ليناسب جميع القراء وخلفياتهم المعرفية مهمة صعبة للغاية. وهنا يفرض الحديث عن القارئ نفسه، أستطيع القول بأني أحدد الجمهور المستهدف أثناء كتابة الدراسات أو البحوث أو القراءات، كما أن القناة التي أكتب من خلالها تحدد لي نوعية القارئ وشكل الخطاب الذي يجب تبنيه أثناء الكتابة كذلك. والاستراتيجية نفسها يتبناها القارئ كذلك، فثلما يحدد الكاتب- وبالتبعية الناقد- قارئه ينتقي القارئ كذلك كاتبه. ف محمد عفيفي مطر انتقى قارئه الذي لا يمكن اعتباره قارئا عاديا، ولذلك حاولت أثناء نقل مشروعه الشعري انتقاء القارئ نفسه الذي يكون خبُر التجربة الشعرية ل محمد عفيفي مطر واستوعبها جيدا من ناحية، والقارئ الواقف على عتبات التجربة ولم يرفضها لكنه وجد بعض الصعوبة في الخطاب الشعري نفسه ولجأ إلى الخطاب الشارح ليذلل تلك الصعوبات من ناحية أخرى. وعند محاولة تلخيص الإجابة، وأرجو ألا تكون صادمة: نعم أعتقد بأنني أحدد قارئي قبل الكتابة، كما أنني لا أستهدف من القراء إلا القارئ "المتحدي" المناسب لهذا الخطاب ولأدواته وإجراءاته، مستخدمة الحق نفسه الذي قد يستخدمه المبدع في تحديد قارئه، والقارئ في تحديد كاتبه أو ناقده الذي يقرأ له. *لماذا تولين اهتمامًا بالعتبات كالعنوان او الغلاف او الإهداء، ولماذا اعتبرت العتبات نصًا موازيًا الا يمكن اعتبارها جزاء أصيلًا من النص خاصة الإهداء المثير للجدل الذي قدمه عفيفي لديوان أنت واحدها وهو جزء من خطاب الديوان؟ العتبات هي بالفعل نص موازي للمتن النصي الأدبي أو بمعنى أدق النمط الأول من النص الموازي–وفق تحديد جيرار جينت-، ووفق اعتباره إطارا خارجيا للنص الرئيس وخطابا موازيا له، ففضائية العتبات تمنحها تلك الصفة ما بين الداخل والخارج. وإذا استعرنا تعريف بورخيس نجد أن النص الموازي كثيرًا ما يأخذ تحديدًا استعاريًّا يصله بالعتبة التي تسمح لكل واحد بالدخول إليه أو الخروج منه. والعتبات جزء أصيل من النص باعتبارها مصاحبات نصية وخطابا تكميليا له، تجمعه بالنص وظيفة تمهيد أو شرح أو تفسير. اهتم عفيفي مطر بصورة واضحة بخطاب العتبات بكل أنماطها سواء في تشكيل المجموعة الشعرية بأكملها، أو تشكيل القصيدة في صورتها المفردة، بداية من تلك التي تعين النص كالعنوان، وتحدده كالتعيين الأجناسي، وتقدمه كالتصدير، وتخصصه كالإهداء، وتفسره كالخطاب المقدماتي، وانتهاء بتلك التي تعلق عليه وتشرحه كالهوامش والتذييلات. وقد توقفت كثيرا أمام خطاب الإهداء لديه، فلم يكتف مطر بذكر المهدى إليه، بل انشغل برسالة الإهداء نفسها. ففي المجموعة الشعرية "احتفالات المؤمياء المتوحشة" نجده يخصص الإهداء لابنته رحمة وجاءت المجموعة كلها بيانا لهذا الإهداء، وبالنسبة لإهداء "أنت واحدها وهي اعضاؤك انتثرت" اتضحت أهمية الإهداء في عنوانه "جرأة إهداء" واتضحت تلك الجرأة في شخصية المهدى إليه "محمد راية الطلائع من كل جنس" الذي هو الشاعر نفسه. من أين جئت بهذا التفسير -الذي قد يكون صحيحا من زاوية الافتراض لكنه قد يكون خاطئا من زاوية اخرى فالديوان يقتدي شخصية الرسول ولذلك يمكن قراءة الاهداأ علي أنه للنبي وليس للشاعر أو إلى ما بينهما من وشائج ؟ ذكرت في دراستي أن الاحتمالين قائمين، فيما يخص شخصية المُهدى إليه في "أنت واحدها"، فجرأة الإهداء قد تكون لكون المهدى إليه غيري ويقصد به شخصية الرسول، أو في احتمالية كون المهدى إليه ذاتي وهو الذات الشاعرة نفسها، خصوصا وأن دوال رسالة الإهداء ترجح الاحتمالين. ومن هنا اعتبرت أن جرأة الأهداء تكمن في كون الذات الشاعرة تتماهى مع شخصية الرسول وتتوارى وراءها، وأن رسالتها لا تختلف عن رسالته من حيث كونها تكليفًا يشمل عبء أمانة الرسالة وأدائها، يدلل على هذا التأويل قصيدة "محنة هي القصيدة" التي صدّرها الشاعر باقتباس من النص القرآني ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء﴾ الأمر الذي يستدعي قراءة جديدة تهدف لمعرفة المخاطب الجديد في النص الشعري. *لماذا اخترت ديوان ملكوت عبد الله لدراستك الثانيه عن مطر وهل تعتبرين الديون نوعًا من الحنين للطفولة وترجمة شعرية لكتاب عفيفي عن سيرته الذاتيه، أم انه ديوان عن الآخر الذي عاش به عفيفي الطفل باسم مختلف على عادة الريفيين قديما واراد ان يلقي من على كاهله ذلك الإرث القديم للطفولة؟ أعتقد أن "ملكوت عبد الله" من الدواوين التي لم يتم دراستها إلى الآن من أعمال مطر، وكنت سألحقه بالدراسة الأولى عن العتبات لكني أجحمت عن ذلك، خاصة أنه نشر بعد وفاته وبالتالي لم يكن مسئولا عن الهوامش أو التفسيرات التي ألحقت به في نسخة الأعمال الكاملة التي صدرت عن قصور الثقافة المصرية عام 2010، وكانت النسخة التي اعتمدتها في الدراسة عن "قصيدة السيرة الذاتية" هي المطبوعة في صورتها المنفردة الصادرة عن "دبي الثقافية" عام 2015، والتي جاءت بخط يد الشاعر نفسه، واعتمدت عليها لاقترابها من صفة الذاتية التي هي أقرب لروح السير الذاتية ورؤيتها الأنوية. يمكن اعتبار المجموعة الشعرية "ملكوت عبد الله" ترجمة شعرية للسيرة الذاتية النثرية "أوائل زيارات الدهشة"، لكن عمد مطر فيها إلى اختيار الخطوط العريضة الموحية، وانتخاب العناصر الدالة فقط التي تكشف عن حياته وذلك لاختلاف متطلبات النص الشعري عن النص النثري. اختار مطر عدم الإعلان المباشر بالتطابق بينه ككاتب وبينه كشخصية مسرودة في سيرته الشعرية، ففضل أن يوهم بالتطابق بينه وبين الذات النصية التي يحكي عنها؛ فنجده أولا يستخدم ضمير الغائب الذي يوحي بالمشابهة، مما خلق مسافة تفصله عن ذاته وتحولها إلى موضوع للتأمل وهي مسافة تحكم بها في عمر الشاعر محمد عفيفي مطر أثناء فعل الكتابة عن طفولته البعيدة عن مجال الذاكرة. وثانيا، نجده يستخدم النموذج المطابق "الفتى عبد الله"، وهو الاسم الذي أعطته له والدته وهو صغير وأشار إلى تلك الحادثة في "أوائل زيارات الدهشة"، فالتطابق الاسمي "ظاهري" يتطلب من القارئ خبرة خاصة تكلفه قراءة النص الذاتي السابق للمجموعة الشعرية. والكتابة الذاتية في الأساس هي كتابة بوحية غرضها التخفف من عبء الذاكرة براويتها، خاصة الذاكرة البعيدة؛ فمنذ النص الافتتاحي نجد أن مطر عمد إلى اختيار الكشف عن فترة الطفولة بعينها، وانتقاء الأحداث والتجارب التي أسهمت في بناء صورة كاملة عن حياته وتكوينه الفكري، لذلك يعود إلى "الفتى عبدالله" الذي كان عائشا في تلك الفترة ويشركه معه في عملية السرد، كما عكس النص الافتتتاحي كذلك ارتباط مطر بفضاء الطفولة المستعادة المكاني الذي تحين داخله، وهو فضاء الريف ومكوناته الموحية وسياقاته الثقافية، وهو الفضاء الذي استدعى بالضرورة فضاء الأمومة، ليتبنى الخطاب مفهوم العودة المضاعفة: عودة الطفل إلى أمه، وعودة الأم إلى طفلها؛ فكانت الأم مصدرا مهما من مصادر إلهام الشاعر منذ طفولته حتى أنه ختم المجموعة الشعرية بمشهد موت الأم الذي مهّد برحيل كل ما يربطه بعالم القرية. * تنحازين للباحث الاكاديمي علي الناقد ما الفارق بينهما في قراءة النصوص؟ السؤال لا يخلو من إجابة مسبقة تتحدد في ما هو شائع عن سهولة خطاب الناقد وصعوبة خطاب الأكاديمي، وقد يكون السبب في ذلك وجود الشواهد التي تؤكد هذه القسمة في مرحلة سابقة عن المرحلة التي نعايشها عندما شاع النقل عن مقولات النظريات الأدبية دون مراعاة خصوصية الثقافة المنقول إليها، ودون ضبط في نقل المصطلحات كذلك. لكن في ظني لا ينبغي أن يكون هناك فارقا بين الأكاديمي والناقد في تناول النص، خاصة في المرحلة الأولى من فعل قراءة النصوص الإبداعية؛ فتكون الذائقة الفنية هي المعيار الأول، يتبعها الاحتكام إلى عدد من المعايير الجمالية والنوعية والنقدية، ويبقى لكل ناقد – سواء كان أكاديميا أو غير أكاديمي- معايير خاصة به تتحدد وفق ما يرغب فيه عبر استنطاقه للنص، إلى جانب وجود مستويات ذاتية تتدخل في الحكم أحيانا، وفي النهاية تبقى مستويات ثقافة الناقد هي التي تحدد ثبات هذه المعايير وتغيّرها. وأعتقد أن الجمهور المستهدف من ناحية، وجهة النشر من ناحية أخرى من شأنهم أن يحددوا لغة الخطاب المستخدمة، فكتابة البحث الأكاديمي الموجه لمتخصصين يستلزم خطابا خاصا وأدوات منهجية معينة، وكتابة القراءات النقدية أو المراجعات الأدبية الموجهة لجمهور القراء العام يستلزم خطابا مغايرا قائما على التخفف من حدة المقولات النظرية والاجراءات المنهجية دون إخلال بالمعنى المراد إيصاله أو بالنص المراد تحليله. فالنقد في كل الأحوال هو إبداع من نوع آخر يتخفى وراء الشرح والوصف، فيمكن اعتبار النص الشارح كتابة إبداعية ثانية على اعتبار أن العمل الأدبي نفسه هو الكتابة الأولى. فعلى الناقد أن يكون مبدعا في الأساس حتى يتمكن من سبر أغوار النص، وأن يكون ملما بالنظريات الأدبية ومقولاتها وإجراءاتها المنهحية حتى يتمكن من فك شفراته؛ فثقافة النقد الانطباعي لم تعد كافية لتحليل النصوص الأدبية. ولماذا تصرين علي استخدام البنوية لقراءة النص مع المنهج المقارن هل لتازال البنيوية قابلة لاثارة الدهشة في قراءة النصوص في زمن التفكيك ومابعد الحداثة؟ اختياري للاجراءات المنهجية؛ يتحكم فيه ما أريد استنطاقه من النصوص، ففي كتاب "الشعر والفنون" -على سبيل المثال- كانت مقولات المدرسة الأمريكية في النقد المقارن هي الأساس من حيث التوازي في نقل الرؤية الفنية والأدبية للعملين المطروحين للمقارنة، وتتطلب الدراسة منهجا إضافيا لتحليل البنية النصية من هنا كانت الحاجة لإجراءات المنهج البنيوي الذي يتعامل في الأساس مع العمل بوصفه مجموعة من البنى. ويتغير المنهج بتغير النصوص التي أتناولها وبتغير ما أرغب في استنطاقه أو توضيحه؛ ففي دراستي عن "قصيدة السيرة الذاتية، في ديوان ملكوت عبد الله" اعتمدت على مقولات نظرية القراءة والتلقي –وهي من مقولات ما بعد البنيوية- للكشف عن وعي الشاعر في القصيدة في مقابل وعي القراءة وأهميتها في تحديد صيغ تلقي العمل. وهناك بعض النصوص التي قد تفرض منهجها الخاص، فخطاب الهامش مثلا يتطلب حضورا لمقولات النقد الثقافي والتفكيك الذي يكشف عن البنى المضمرة داخل النصوص، فاستعنت في بعض الدراسات بإجراءات النقد النسوي مثل "التجريب في قصيدة النثر النسوية"، وكذلك مقولات ما بعد الكولونيالية في دراستي -بالمشاركة- التي تناولت خطاب المقدمة في ترجمات أعمال نجيب محفوظ إلى العبرية من الاستشراق إلى ما بعد الكولونيالية. فاختيار المنهج لا يكون من منطلق إثارة الدهشة، بقدر ما يكون من منطلق ما يقدمه من إجراءات وأدوات تساعد على بيان جوانب النص الذي نرغب في الكشف عنها. **سؤال أسري: لماذا اخترت دراسة الشعر واختارت شقيقتك نهلة دراسة الرواية هل هو اتفاق أم مصادفة ام رغبة في التنويع؟ هو اهتمام لا يخلو من القصدية، سأبدأ بنفسي حتى أُخلّي مساحة خاصة لحديث احتاجه عن نهلة راحيل، اخترت الشعر لأني متذوقة جيدة للشعر في الأساس، إلى جانب أنه لا يوجد بالقسم باحث متخصص في الشعر العبري الحديث والمعاصر –سواي- منذ افتتاح القسم في تسعينيات القرن الفائت وحتى اليوم، وحين اخترته اهتممت بدراسته من ناحية المقارنة. أما نهلة فتخصصت في السرديات المقارنة بين العربية والعبرية، أو لنقل اهتمت في الأساس بالسرود الفلسطينية والسرود العبرية، التي تطرح رؤية الجانبين لبعض القضايا الجدلية المطروحة على الساحة الفكرية مثل سرديات النكبة والنازية "الهولوكوست"، وسرديات المنفى واللجوء، وسرديات الهامش كذلك. كما اهتمت كذلك بدراسات النوع الأدبي كالسيرة الذاتية ورواية الأجيال ورواية الرسائل، بوصفها خطابات مضادة تحاول تقييم مفاهيم الخطاب الرسمي وتفنيد مرجعياته الثقافية والتاريخية، وتكشف عن تحيزاته وتعيد صياغة المعارف الثابتة وتطرحها بشكل مغاير لما هو قار في المتن الثقافي المهيمن. وأعتقد أن اهتماماتنا البحثية متشابهة من حيث المنطلقات ومختلفة من حيث النوع الأدبي والإجراءات، وهو ما سمح لنا بالقيام ببعض المشاريع البحثية المشتركة بعضها معلن والبعض الآخر في طور الإعداد، وأعتقد أننا نكمل بعضنا فكريا وهذا الاختلاف وسّع من قراءاتنا. ونهلة هي قارئتي الأولى تراجع مخطوطاتي قبل نشرها سواء لتعديل بعض الصياغات أو لإضافة بعض الملاحظات والرؤى الجديدة التي تمنحها "العين الثانية"، وأنا أيضا قارئتها الأولى وأقوم معها بالدور نفسه. وأعترف أن لولاها لما حققت الكثير، فأنا للأسف كسولة و"متسامحة مع الوقت" -بالمعني السلبي حسب قولها-، فهي من تشجعني لاستثمار الوقت جيدا. محمد عفيفي مطر ديوان مطر