أكد ملتقى الفكر الإسلامي أن الإسلام اهتم بالأطفال اهتماما عظيم الشأن حتى قبل مرحلة النطفة، وأن زرع القيم الإنسانية في سلوكيات الطفل مسئولية مشتركة، مشيرا إلى أن الأطفال أمانة على الجميع أن يدرك عظم المسئولية تجاههم، ومن ثم يجب تربيتهم على الفضائل والأعمال النافعة لهم ولمجتمعهم. جاء ذلك في إطار الحلقة الرابعة عشرة ل ملتقى الفكر الإسلامي الذي ينظمه المجلس الأعلى لشئون الإسلامية تحت رعاية وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة ، وفي إطار التعاون والتنسيق بين وزارة الأوقاف المصرية والهيئة الوطنية للإعلام؛ لنشر الفكر الإسلامي الصحيح، ومواجهة الفكر المتطرف ، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، والتي جاءت بعنوان "حق الطفل في التنشئة السوية"، وحاضر فيها كل من : يمنى أبو النصر ، و عبير أنور ، الواعظتين ب الأوقاف وقدم للملتقى الإعلامي حسن الشاذلي المذيع بقناة النيل الثقافية. في البداية أكدت الواعظة يمنى أبو النصر ، أن الأطفال نعمة إلهية، وهبة ربانية، يختص الله بها من يشاء من عباده، قال تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}، فالأطفال زينة الحياة الدنيا، كما قال ربنا في القرآن الكريم: {المال وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا}، مشيرة إلى اهتمام الإسلام بالطفل في جميع مراحل حياته ؛ مؤكدة أن الدين قد راعى الأبناء قبل تأسيس الأسرة نفسها ، وذلك بحسن اختيار الزوجة، وكذلك أمر الزوج بحسن العشرة للزوجة، حتى ينشأ الطفل في بيئة أخلاقية مستقرة نفسيا ووجدانيا، ويكون عنصرًا إيجابيًّا وفاعلا في المجتمع . وأوضحت أبو النصر أن تربية الطفل في الإسلام تبدأ من الأسرة، حيث رعاية الأب والأم لأولادهما رعاية سليمة، فالأسرة هي المناخ الأول والملائم لتحقيق رغبات الطفل، وتنشئته على القيم الإنسانية ، والتعاليم الدينية، وحب الخير للناس جميعًا، فالأولاد غالبا ما يحاكون آباءهم في أداء الصلاة والصيام وسائر الطاعات، فيتعلم الأبناء منهم حب الفضائل ونبذ الرذائل، أما إذا أهملت الأسرة دورها في التنشئة فستصدر للمجتمع أفرادا يعانون من مشاكل جمة اجتماعية، ونفسية ، ومالية ، وأخلاقية . وأكدت أبو النصر ، أن الأسرة هي المسئولة عن غرس القيم والمعايير الأخلاقية في الطفل، من خلال العلاقات والتفاعلات الأسرية ، فالأخلاق ليست مجموعة من القوانين المجردة ؛ ولكنها أساليب التعامل في المواقف الحياتية مع الناس وردود الأفعال تجاه تلك التصرفات والمواقف، فالتربية الأخلاقية الحقيقة لا تقوم على مجرد الوعظ والإرشاد بقدر ما تقوم على القيم والسلوكيات الحميدة التي تعصم الشباب من الانحراف ، مبينة أن الطريق السليم والمباشر للتربية والتنشئة الصحيحة ليس بتكرار جملة من الأوامر على مسامع الطفل ؛ بل لا بد من التنشئة الإيمانية والتربية العملية بالقدوة الحسنة ، فالتربية الصالحة هي التي تحفظ الإنسان في حياته وتكون له ذخرًا في الآخرة. وفي سياق متصل ، أكدت الواعظة عبير أنور ، أن الإسلام اعتنى بالأطفال عناية فائقةً تحقق لهم ولآبائهم السعادةَ في الدنيا والآخرة ، فالطفولة مرحلة أساسية يعبر بها كل إنسان إلى مرحلة النضج والرشد ، مشيرة إلى أن اهتمام الإسلام بالطفولة بدأ من قبل أن يأتي للحياة، فأمر راغبي الزواج باختيار الزوجة الصالحة، وهذا ما أشار إليه الرسول (صلى الله عليه وسلم) حين قال: " ... فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ " . وقالت أنور إن الإسلام اهتم بالطفل وهو جنين في بطن أمه، فشرع له من الأحكام والتشريعات ما يكفل له حقه، ويحافظ على آدميته واحترامه، وهذه المرحلة تستحق العناية والاهتمام، ومن ثمّ ضمن له حق الحياة وهو في بطن أمّه، فحرّم الإجهاض عمدًا، وأوجب رعاية الحامل طيلة فترة حملها، وأباح للمرأة الحامل الفطر في شهر رمضان إذا خافت على جنينها، حتى ينمو الجنين نموا طبيعيا ، يقول النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): " إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ نِصْفَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمَ ، وَعَنْ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ" . كما أشارت إلى مرحلة رعاية الطفل بعد ولادته، حيث جعل الإسلام رضاعته حقًّا معلوما له، قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} ، ثم مرحلة التربية والتوجيه على أسس شرعية ؛ لضمان تنشئة سوية للأطفال ، فلقد أمر القرآن الكريم الآباء والأمهات بضرورة العمل على وقاية النفس والأهل من الوقوع في التهلكة ، قال تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ }. وأوضحت أنور أن تربية الطفل وتأديبه على أسس شرعية مطلب شرعي، وهو أيضا حق من حقوق الولد على الوالد ، يقول نبينا (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا مِنْ نَحْلٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ) ، فمن أهمّ أسس التنشئة السوية عند الأطفال توجيههم وتربيتهم تربية فاضلة ، وينبغي على المربي أن يكون قدوة لأولاده ، فيتحلى بمكارم الأخلاق قبل أن يأمرهم بها ، فإن الأبناء يقلدون الآباء ، مؤكدة أن الأطفال أمانة في أعناقنا يتحمل المجتمع بأسره مسئولية رعايتهم ، وحسن تربيتهم ؛ وعلى الجميع أن يدرك عظم المسئولية الملقاة عليهم تجاه الأطفال ، وليس أدل على ذلك من قوله (صلى الله عليه وسلم) : " كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ " .