تكشف الأزمات عيوبنا مثلما تكشف مزايانا، انزعجت أثناء مروري بعدد من الشوارع والأسواق في القاهرة، رأيت التجمعات والزحام سائدة في كثير من المواقع والشوارع، وكأن الناس لا تعرف أو تخشى فيروس كورونا القاتل. نزلت أكثر من مرة لأنبه الناس، ولكن ضاع صوتي وسط الزحام، ووجدت أن علينا أن نرفع أصواتنا بكل قوة ليصل لهؤلاء الناس، ومن لا يمتثل للنظام ومعايير السلامة يستحق أشد العقاب، فهو لا يضر نفسه فقط؛ بل يهدد حياة الآخرين. كما وجدت أكوام القمامة متناثرة كالعادة في الشوارع وأمام المحال التجارية ، وتمنيت لو أن الشرطة أو مفتشي المحافظة يحررون غرامات بمبالغ ضخمة لكل من لا ينظف أو يعقم داخل محله التجاري ويمنع التكدس داخله، وأن يكون مسئولا عن تنظيف قطاع من الشارع أمام محله، ويمكن تشديد العقوبة في مثل هذه الظروف؛ لتصل إلى السجن والغرامة لتعريض حياة الناس للخطر.. وللحقيقة لم تكن كل المحال بهذا الإهمال، فقد كان هناك من اهتموا ب النظافة والتعقيم ، ورأيت توزيع الكمامات مجانًا مع تذاكر المترو والقطارات؛ مساهمة من القوات المسلحة في حماية الركاب وخفض فرص العدوى، لكن دور القوات المسلحة الرائد لا يكفي وحده، وعلينا أن نشاركها في إنتاج وتوزيع الكمامات ليس في محطات المترو والقطارات فحسب؛ بل في كل التجمعات، وتوفيرها بأسعار رمزية في الصيدليات والمتاجر الكبيرة والصغيرة في كل مدينة وقرية.. شركة المحلة الكبرى الرائدة في مجال الغزل والنسيج كانت رائدة أيضًا في مواجهة كورونا، وتنتج 2400 كمامة في الدقيقة وهو معدل كبير، لكن قدرات الشركة العملاقة أكبر جدًا، ويمكنها أن توفر ملايين الكمامات، ولو شاركتها مصانع أخرى عامة وخاصة؛ لحققنا الاكتفاء الذاتي خلال أيام معدودة؛ بل يمكننا التصدير للدول العربية والإفريقية والأوروبية، فالكمامات أصبحت من أهم احتياجات الإنسان في زمن الكورونا، وتستحق شركة المحلة كل التقدير على هذا الجهد الكبير والتجاوب السريع مع الاحتياجات الضرورية للشعب المصري؛ فقد قدمت لنا صورة تستحق الثناء، لكنني لاحظت أن بعض المحال والصيدليات - التى تبيع الكمامات ومواد التعقيم - تستغل الأزمة من أجل الربح في صورة سلبية لا تعكس أخلاق الشعب المصري وأصالته، وكنت أتمنى أن تشارك تلك المحال والصيدليات في حملة لخفض السعر وليس استغلال الوباء؛ لتحقيق الربح على حساب أرواح المصريين وسلامتهم، أو على الأقل تبيعها بسعر التكلفة. مشهد آخر لفت نظري وهو سرعة شراء ما يباع في منافذ القوات المسلحة من مواد تعقيم؛ مثل الكحول والمنظفات الأخرى، وعلمت أن البعض يترقبون وصول كميات كبيرة ويقومون بشرائها وبيعها لصيدليات ومحلات صغيرة، لتقوم بإعادة تعبئتها في عبوات أخرى وبيعها بأضعاف الثمن استغلالًا لاحتياجات الناس من مواد التعقيم والتطهير، ونشيد هنا بجهود هيئة الرقابة الإدارية لمواجهة هذا الجشع ومحاصرة المستغلين. صرخة مهمة تنذر بخطر ينتظر بنوك الدم، وصلتني من نقابة الأطباء لتأمين مخزون كافٍ للمرضى، حيث توجد أزمة شديدة في بنوك الدم، وهذا يهدد حياة الكثير، وهناك فئات كثيرة من المرضى حياتها مرهونة بكيس دم، ومع الحظر ومنع التجمعات وعدم خروج الناس تأثرت حركة التبرع وقلت كميات الدم في البنوك، ومع اقتراب شهر رمضان، ستتفاقم الأزمة في بنوك الدم، لظروف الصيام نهارًا، الذى يُمنع في أثنائه التبرع بالدم، بالتزامن مع حظر التجوال ليلًا، مما سيؤثر على الوضع أكثر؛ لذلك ندعو الجميع إلى سرعة التبرع لإنقاذ حياة كل إنسان، ويمكن لنا جميعًا التبرع في بنوك الدم بالمستشفيات التابعة لوزارة الصحة، والمستشفيات الجامعية لضمان وصول الدم لكل مريض. سمعت عن واقعة اكتشاف إصابة بواب عمارة وأسرته ب فيروس كورونا والعمارة فخمة ونظيفة، لكن حجرة البواب ليست كذلك، ونقل المرض إلى بعض السكان؛ وهو درس علينا أن نستفيد منه، فلا يكفي أن تهتم بنظافتك الشخصية، فمهما كنت حريصًا وحذرًا، فإن شخصًا واحدًا مصابًا يمكن أن ينقل لك العدوى، ولهذا فإن سلامة بواب العمارة أهم من سلامة أي ساكن مهما تكن مكانته، وأن يبدأ التعقيم والتطهير والنظافة من البواب وأسرته، لأنه يدخل كل شقة ويركب المصعد ويلوث كل مفاتيح تشغيل الكهرباء والمصاعد وينقل الحاجات من الأطعمة وغيرها إلى كل شقة، وبالتالي يصيب معظم السكان بالوباء؛ لأنهم لم يهتموا إلا بأنفسهم فقط، وأهملوا شخصًا له دور كبير في التواصل والتأثير، وإن كان لم يلفت نظرهم، والغريب أن السكان قاموا بطرد البواب وأسرته بشكل غير إنساني، وهذا الدرس الصعب والمحزن يؤكد لنا أننا جميعًا في قارب واحد، أو عمارة واحدة وشارع واحد وإصابة شخص واحد - حتى ولو كان قادمًا من محافظة أخرى - يجب أن نتعامل معه بشكل إيجابي ونقدم له كل المساعدات حتى لا ينقل لنا العدوى، فصحتنا وسلامتنا جميعًا مترابطة، ولهذا علينا أن نعتنى بصحة كل أبناء المجتمع، فسلامتهم من سلامتنا وهم جزء منا ونحن جزء منهم يجب أن نعلي قيمنا الأخلاقية. وقصة أخرى استوقفتني وصدمتني، وهي صورة سلبية جدًا تلك التي شاهدناها عندما رأينا احتجاج بعض أبناء قرية "شبرا البهو" في الدقهلية على دفن طبيبة راحت ضحية الوباء، وهى عكس الصورة التي كنت أشاهدها وأنا صغير، والتي تنطلق من قيمنا المصرية، فعندما كان يندلع حريق في بلدتنا كان أهل البلدة جميعًا يتسابقون على إطفاء الحريق، ولا يعبأون بسلامتهم ويلقون بأنفسهم وسط النيران دون خوف؛ لإنقاذ الأسرة التى اشتعل الحريق في منزلها، أين تلك الشهامة التى رأيناها في جيل آبائنا وأجدادنا، علينا أن نحافظ على تلك القيم ولا نبددها، فهي التي ساعدتنا على البقاء ومواجهة الصعاب والأوبئة والمجاعات ومنحتنا الأمان في أحلك المواقف، وهذا ما دفع الصديق والزميل الكاتب الصحفي يوسف أيوب لأن يطلق حملة توعية مجتمعية، لوقف التنمر ضد مصابي فيروس "كوفيد 19"، تلك الحملة التى أعلن دعمي الكامل لها ولكل مبادرة هدفها وقف التنمر ضد هؤلاء المواطنين وعودة الروح المصرية الأصيلة. صورة إيجابية جدًا، وهي أن أعدادًا متزايدة من المعلمين بدأوا في تعليم أبنائهم الطلاب عن بعد باستخدام أدوات التواصل الاجتماعي الحديثة، فوجدت فصولًا نظمت مجموعات (جروبات) على تطبيق الواتساب كل جروب لواحد من الفصول مع أحد المعلمين، ويتواصلون في الشرح والإجابات عن الأسئلة والبحوث، ووجود تلك الجروبات مفيد للغاية.. والبعض يرى أنها وسيلة أفضل من الوجود في الفصل، ويمكنه الاطلاع على الشرح والحوارات في أي وقت يتواصل مع المعلم طوال اليوم، وهناك من استخدموا الفيسبوك، وغيرها في الشرح لطلابهم، وأصبحت وسيلة تؤكد أن الحياة تسير وتتقدم في كل الظروف مهما تكن الصعاب، وأن طلابنا ومعلمينا حريصون على بناء المستقبل برغم المخاوف المنتشرة في كل بقاع العالم، وزادت سعادتي عندما علمت أن وزارة التربية والتعليم تتابع تعميم هذه التجارب وتنظيمها لتكون بديلًا في حالة استمرار الأزمة، أو تصبح وسيلة إضافية وتعمق التواصل بين الطلاب ومعلميهم وتزيدهم فهمًا وتقدمًا.