في الوقت الذى بلغت فيه معركة اختيار روءساء تحرير جدد للصحف القومية ذروتها بين مجلس الشورى والصحفيين بهذه المؤسسات، قامت مؤسسة الرئاسة متمثلة فى الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية، ومحامي جماعة الإخوان المسلمين ممثلا عن الدكتور محمد بديع المرشد العام للجماعة اليوم الثلاثاء، برفع دعاوى قضائية ضد وسائل إعلام، تتهمهما فيه بنشر معلومات كاذبة. كان المحامي عبد المنعم عبد المقصود قد تقدم بصفته وكيلاً عن الدكتور محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، اليوم الثلاثاء، ببلاغ للنائب العام ضد وزير الإعلام ومسئولين بجهاز الإذاعة والتليفزيون ورئيس مجلس إدارة روزاليوسف وصحفي بالجريدة يطالب فيه بتحويلهم إلى المحاكمة الجنائية بتهمة إذاعة ونشر أخبار كاذبة بسوء قصد. في اليوم نفسه أقامت رئاسة الجمهورية دعوتين قضائيتين ضد اثنتين من وسائل الإعلام، لتجاوزهما فى حق الرئيس ونشرهما معلومات غير صحيحة، وفقا لياسر على، المتحدث باسم الرئاسة، والذي لم يفصح عن اسم هاتين الوسيلتين. لكن على أية حال، جاء التقدم ببلاغات من الرئاسة وجماعة الإخوان، ضد وسائل الإعلام مفاجئًا ومدهشًا، لأنه جاء فى نفس اليوم، وهو ما قد يوحى للبعض بأنه هذا التحرك مدبرًا وباتفاق بين الجهتين، فى حين يرى البعض أنه ربما يكون مصادفة. وفي تعليقها على هذا التحرك، قالت الدكتورة درية شرف الدين، الكاتبة والإعلامية، إن التجاوز من الإعلاميين غير مقبول فى جميع الحالات، ولكن إذا تم فتح باب التقاضي لكل من يكتب كلمة "مش هنخلص"، فلابد أن تكون هناك أيضًا طريقة للمساءلة أكثر رقيًا وحضارة من ذلك. وبدهشة تساءلت: كيف يتقدم الإخوان ببلاغات بسبب أخبار فيها خطأ فى حقها..أليست هذه الجماعة مازالت محظورة حتى الآن؟. وينحاز الدكتور كمال الهلباوي، القيادي السابق بجماعة الإخوان المسلمين، لفكرة أن ما حدث هو "اتفاق بين المرشد ومرسي"، وذلك لأن محامي الرئاسة هو نفسه محامي الإخوان –على حد قوله-. وأضاف الهلباوي أنه كان يجب أن يكون هناك إنصاف وموضوعية من قبل وسائل الإعلام، كما كان يجب على الرئيس مرسي والمرشد أن يجتمعوا برجال الإعلام للوصول إلى حل للأزمة، قبل أن يتقدما ببلاغات ضدهم. مؤكدًا أنه إذا قالت وسائل الإعلام معلومات خاطئة عن الإخوان أو الرئيس أو أى شخص عادي فيجب أن يحاسب الإعلام الذي من المفترض أن يتحرى الدقة فى المعلومات التي يقدمها. ومن وجهة النظر الأخرى "كانوا يقدروا يردوا على هذه الوسائل من خلال تصريح إعلامي يشرح الوقائع التي تقدموا بالبلاغات بناء عليها"، وفقا لما يراه الكاتب الصحفي عبدالله السناوي، الذي ربط بين ما يحدث فى لجنة اختيار رؤساء التحرير بمجلس الشورى، وهجوم الإخوان على الإعلام. وفى الوقت الذي يعتقد فيه الهلباوي أن ما حدث هو "اتفاق بين بديع ومرسي"، ترى شرف الدين "مصادفة التقاضي" في يوم واحد "شيء مريب"، خصوصًا إذا كشفت الرئاسة عن نفس الجهات التى أشارت إليها الجماعة. وتكمل: "مش معقولة بالصدفة يتقدم مرسي والمرشد ببلاغات ضد وسائل الإعلام". وتستنكر درية عدم قيام الرئاسة بتسمية الجهات الإعلامية التى تقاضيها، لأنها قد تكون هي نفسها الجهات التى اتهمتها الجماعة فى البلاغ الذي تقدمت به للنائب العام اليوم. كثيرًا ما كان الرئيس السابق مبارك يشكو من الإعلام فى الوقت الذي كان يقول فيه إن له إنجازات عظيمة والإعلام ينكرها، وعندما قامت الثورة شكى المجلس العسكري من الإعلام وأصدر بيانا ضده وذلك لأن "العسكري" كان يعتقد أنه أدار الفترة الانتقالية بكفاءة، لكن الإعلام قال عكس ذلك، واليوم الإخوان يفعلون الأمر نفسه، فالسلطة تضيق بالنقد.. وفقًا لما قاله الباحث السياسي الدكتور عمار على حسن. ويتفق مع عمار الكاتب الصحفي، عبدالله السناوي قائلا: "جماعة الإخوان المسلمين شنت هجومًا حادًا ضد الإعلام والإعلاميين، ويبدو أنه ليس لديها خطة أخرى سوى القمع والملاحقة القانونية لتصحيح مسار الإعلام المصري"، مشيرًا إلى أن التطور الأخير الذي حدث بين مكتب الإرشاد والرئاسة جاء ليعبر عن أزمة حقيقية بين الإعلام والجماعة. ويربط السناوي وشرف الدين بين الاشتباك الواقع حاليًا بين مجلس الشورى والجماعة الصحفية، في إطار سياق معادي للإعلام. حيث يرى السناوي أن "الجماعة لا تطيق الإعلام ويريدون أن يسيطروا على الصحف القومية و"أخونتها" والحديث باسمها، وهذه مؤسسات دولة ولابد أن يتم تبادل الأراء فيها بشكل يشبع احتياجات القارئ". على الجانب الآخر، أشارت شرف الدين إلى أن البلاغات التي قدمت ضد وسائل إعلامية جاءت نتيجة لأن الوضع العام فى مصر الآن يشهد ارتباكا كبيرًا يصعب معه التنبؤ بأي شيء، فمثلا لجنة وضع الدستور "مشكوك" في مشروعيتها ومازالت تعمل، وكذلك تشكيل الوزارة فيه تعثر، وبرغم ذلك ربما يعلن عنها بشكل مفاجيء بعد غدٍ الخميس المقبل. أما بالنسبة للجنة اختيار رؤساء التحرير فلا يمكن أن تمر على خير، "لو مرت على خير يبقى الصحفيين يستاهلوا كل اللي يجرالهم.. لأن ما يفعله مجلس الشورى كلام فارغ والمعايير التى اقترحها يختاروا بها أساتذة إعدادي". "خطة مدبرة" هكذا يراها عمار على حسن لأن "شكاوى جماعة الإخوان من وسائل الإعلام ليست جديدة، حيث سبق وأن تذمروا من الإعلام قبل الثورة، واتهموهم بالانحياز لنظام مبارك وأجهزة الأمن واستمر ذلك بعد الثورة، واعتقدوا أن وصول مرسي للسلطة سيكف عنهم أجهزة الإعلام التي تنتقدهم بشراسة" وختم عمار: استمرار أجهزة الإعلام فى النقد أمر ضروري ومطلوب حتى لا نخلق "طاغية جديد"، لكن هناك فرق بين النقد والتجريح، والفيصل بينهما هو القانون، مشيرا إلى أن لجوء الإخوان للقضاء حق طبيعي وهذا أفضل بكثير من المصادرة والدخول فى ملاسنة مضادة، لكن مثل هذه الخطوة التى أقدم عليها كل من المرشد ومرسي لها عواقب سياسية كبيرة، حيث كان من المفترض أن تتعامل السلطة مع وسائل الإعلام بصدر رحب.