لم يكد أن ينقضى العام الثانى من تخليه عن السلطة فى زيمبابوى حتى أسلم الرئيس السابق روبرت موجابى الروح؛ ليقف الموت حائلاً دون أحلامه العديدة التى لطالما رددها فى خطاباته أمام شعبه بأنه سيظل فى السلطة حتى بلوغ 100، وحين سيموت سيختار شعبه جثته ويصوتون لها فى صناديق الاقتراع، أحلام وجدت طريقها إلى التبخر فى سماء الوعود السياسية بموته اليوم الجمعة عن عمر ناهز الخامسة والتسعين. انقضى الحلم الأول فى 21 نوفمبر 2017 بعد استقالته عن الحكم بعد 37 عامًا أمضاها في حكم زيمبابوى، ذلك البلد صاحب الثروات الطبيعية الكبيرة، ورهين الفقر والمرض والجفاف، لقد رحل موجابى عن كرسى السلطة بعد أن جسد صورة الطاغية الإفريقي، المستعد لكل شيء من أجل بقائه فى الحكم. روبرت موجابى روبرت موجابى استقبل موجابي فى بداية حُكمه بصفته المُحرر يوم الاستقلال عام 1980، لكن كل رفاق "الرفيق بوب" لقبه الأثير لديه خلال معارك تحرير روديسيا تخلوا عنه تدريجيًا خلال عهده الاستبدادي. ولد روبرت جابرييل موجابي، في 21 فبراير 1924، في بعثة التبشير الكاثوليكية في كوتاما، وقد وُصف بأنه طفل وحيد ومثابر يراقب الماشية وهو يقرأ.وبينما كانت تراوده فكرة أن يصبح قسًا، دخل سلك التعليم. روبرت موجابى روبرت موجابى وبعدما أغرته الماركسية، اكتشف موجابي السياسة في جامعة فورت هاري، المؤسسة الوحيدة المفتوحة للسود في جنوب إفريقيا في نظام الفصل العنصري. في عام 1960 التحق بالنضال ضد الحكم الأبيض والعنصري في روديسيا. وقد أوقف بعد أربع سنوات وأمضى في السجن عشر سنوات، جعلته يشعر بمرارة كبيرة. روبرت موجابى روبرت موجابى وقد رفضت السلطات السماح له بالمشاركة في تشييع جنازة ابنه، البالغ من العمر أربع سنوات، من زوجته الأولى سالي هايفرون، التي توفيت عام 1992. بعد إطلاق سراحه لجأ الى موزمبيق المجاورة، حيث تولى قيادة الكفاح المسلح حتى استقلال بلده، وتوليه السلطة. روبرت موجابى لكن عندما تولى قيادة روديسيا التي كانت تحكمها الأقلية البيضاء، كان موجابي يثير الإعجاب.فسياسة المصالحة التي اتبعها باسم حماية وحدة البلاد، جعلته محور إشادات خصوصًا في العواصم الأجنبية، وقال حينذاك "كنتم أعداء الأمس، واليوم أنتم أصدقائي". وبدا الثائر موجابي، الذي يحمل شهادات جامعية، زعيمًا نموذجيًا، فخلال عشر سنوات، حققت البلاد تقدمًا كبيرًا من بناء مدارس إلى فتح مراكز صحية، وتأمين مساكن للأغلبية السوداء. روبرت موجابى روبرت موجابى في 1982، أرسل موجابي الجيش إلى إقليم ماتابيليلاند (جنوب غرب) المنشق أرض قبائل نديبيلي، وحليفه السابق في حرب الاسقلال جوشوا نكومو، وأسفر القمع الوحشي عن سقوط نحو عشرين ألف قتيل. لكن العالم غض النظر، ولم ينته هذا الوضع إلا في الألفية الجديدة، مع تجاوزاته ضد المعارضة، وعمليات التزوير في الانتخابات، والإصلاح الزراعي العنيف الذي قام به، حتى بلغت زيمبابوي أدنى درجات الفقر، وتعرضت لأكثر من أزمة اقتصادية طاحنة. روبرت موجابى في السنوات الأخيرة، من حكمه كان موجابي ينفي باستمرار التكهنات عن وضعه الصحي، بعدما أفادت شائعات، أنه مصاب بالسرطان. وقال موجابى في 2013، قبل إعادة انتخابه، إن "سنواتي ال89 لا تعني شيئا"، وأضاف "هل غيرتني؟ لم تجعلني ضعيفًا ولا خرفًا، ما زالت لدي أفكار، نعم أفكار يجب أن يقبلها شعبي". وعلى الرغم من تأكيداته، تراجعت حالته الصحية، في 2015، ألقى الخطاب نفسه الذي ألقاه في افتتاح دورة العام السابق للبرلمان. بينما أثارت الصور التي يظهر فيها نائمًا ضحك العالم. روبرت موجابى وأمام هذا الوضع لم يمل العجوز التسعينى من تأكيداته أنه لن يتخلى عن السلطة، فخلال الاحتفال بأعياد ميلاده، حيث كان يحتفل محاطًا بالمآدب العامرة على ضفاف نهر الزامبيزى، والتى كانت تغص بلحوم الظباء والفيلة، وقالب حلوى كبيرا يزن 92 كيلوجراما، حيث بلغت التكلفة الإجمالية للحفل الواحد 800 ألف دولار، رغم موجات الجفاف وحالة الفقر المدقع التى يعيشها الشعب، حينهاأطلق موجابى تصريحاته قائلا:"إنه سيمكث فى السلطة حتى سن 100، لأنه لا يرى من هو جدير بحكم البلاد"، وبلغ الغرور بموجابى أنه استعار كلمات زوجته جريس بأن جثته ستكون مُرشحة على بطاقات التصويت، و"سيرى العالم الناس يصوتون لجثة موجابي"، وأضاف أن زيمبابوى لن تشهد ربيعًا عربيًا، لكنه قال خلال ذلك كلمة ربما تحقق بعضها في سقوطه الدراماتيكى، حيث قال: "وحده حزبي يستطيع أن يطلب مني الانسحاب، وفي هذه الحالة، سأتنحى". روبرت موجابى روبرت موجابى ورغم مقولة "وراء كل عظيم امرأة تدفعه للأمام"، ساق القدر لموجابى زوجته الثانية جريس لتلقى به إلى الهاوية، التي تسببت في فضيحة سياسية لزوجها قبل ثلاثة أشهر من التنحى بعد أن أقدمت على عض وضرب عارضة أزياء في جنوب إفريقيا، وكادت السلطات في جوهانسبرج أن تلقى القبض عليها لولا حصانتها الدبلوماسية. لكن جريس مضت في كتابة "سفر الخروج" لموجابى، حين أظهرت نفسها كوريثة للسلطة بعد زوجها متجاهلة فى ذلك قيادات الجيش وكبار أعضاء حزب موجابى "الاتحاد الوطني الإفريقي"، لكن صراع "السيدة الأولى" من أجل السلطة دخل مرحلة بالغة الخطورة حين أصرت على مناجزة نائب موجابى إيمرسون منانجاجوا ، الذي يعرف باسم "التمساح". روبرت موجابى روبرت موجابى في البداية اتهمها إيمرسون بمحاولة تسميمه، لينتقل الصراع من خلف الستار إلى العلن، لكن الصدام بلغ مداه حين قرر موجابى عزل منانجاجاو لإفساح طريق السلطة لزوجته، ليدخل الجيش على خط الصراع، ويعلن تطويق القصر الرئاسي، لا من أجل الانقلاب، بل لإزالة رؤوس الفساد من حول الرئيس. حينها خرج المتظاهرون ليملأوا شوارع هراري والمدن الرئيسية والقرى في زيمبابوي مطالبين موجابى بالتنحي، وبدأ البرلمان في التحضير لإجراءات عزله. روبرت موجابى جاءت الرصاصة الأخيرة التي تهاوى لها كرسي السلطة عند موجابى من حزبه "الاتحاد الوطني الإفريقي"، فمن قبل قال موجابى أنه لن يترك السلطة إلا بأوامر الحزب، وها هو الحزب يدعوه إلى التنحي، بل زاد على ذلك واتهمه بأنه "مصدر لزعزعة الاستقرار" حيث يضرب عرض الحائط بحكم القانون، وقاد "انهيارا اقتصاديا لم يسبق له مثيل" على مدى 15 عاما مضت. روبرت موجابى الكل قال كلمته "لا لموجابى"، وبينما كان نواب برلمان زيمبابوى يعقدون جلسة تاريخية لعزله، جاءتهم الرسالة من أكثر حكام إفريقيا مكوثا في السلطة: "أنا روبرت موجابي أسلم رسميًا استقالتي كرئيس لجمهورية زيمبابوي فورا" وسط تصفيق الحضور، لتنطلق الاحتفالات في طول البلاد وعرضها. بعد تخليه عن السلطة، ضمن موجابى لنفسه ولزوجته استثناءً من المحاكمة، ومبالغ طائلة للعيش الرغيد، لكنه كان يتذكر بحسرة كيف كانت مظاهر الاحتفال بأعياد ميلاده ال 37 التى قضاها في السلطة، ومع ذلك لم يشأ موجابى أن يلزم الصمت حيث قال،:"إن حكم منانجاجاو "غير شرعي" و"وصمة عار" في تاريخ زيمبابوى، ليطغى الصراع من جديد بين منانجاجاو "الرجل التمساح" وبين موجابى الذى قال من قبل أنه سيرشح جثته فى الانتخابات!". روبرت موجابى روبرت موجابى ورغم انتقاداته لمنانجاجاو، ظل موجابى يحظى بحصاته فى بلاده باعتباره "المحرر" و"الرئيس المؤسس"، وهذا ما ظهر واضحًا فى النعى الذى ساقه منانجاجاو فى تغريدة نعى موجابى حيث قال:"أُعلن ببالغ الحزن وفاة الأب المؤسس والرئيس السابق لزيمبابوي، روبرت موجابي". روبرت موجابى روبرت موجابى روبرت موجابى روبرت موجابى روبرت موجابى روبرت موجابى