في مشهد تجلت فيه مصر الحضارة والتاريخ، جاء حفل افتتاح بطولة الأمم الإفريقية ليقدم للعالم صورة مصر الجديدة التي جسدها هذا الحفل الأسطوري الذي عكس إبداع الإنسان المصري على مر العصور، في صورة تقاطعت خطوطها وتلاقت عند حقيقة واحدة هي مصر" الكبرى".. نعم إنها مصر صاحبة أقدم حضارة في التاريخ تجمع القارة السمراء على أرضها في بطولة وصفت بأنها ستكون الأقوى والأهم في تاريخ البطولات الإفريقية . وعبر هذا الحفل المبهر والشعب المُلهِم والتنظيم المبدع، رسمت مصر صورة أقل ما توصف به أنها صورة "دولة" لها تاريخ وشعب عريق صاحب حضارة.. دولة سلام واستقرار.. ووطن حاضن لأمته العربية, وأشقائه في إفريقيا.. فكان ولا يزال مدافعًا عن مصالح القارة داعمًا لخيارات شعوبها, مساندًا لقضاياها إقليميًا ودوليًا . وحين تحتضن مصر هذه البطولة فإن ذلك يعني أن عوامل النجاح قد توافرت، وأسباب التطور في لعبة كرة القدم قد أتيحت، وأجواء المنافسة قد تحققت, فمنذ أن وقع الاختيار على القاهرة مقرًا لتنظيم بطولة أمم إفريقيا تحركت مصر قيادةً وحكومةً وشعبًا؛ لتوفير أسباب النجاح لهذه البطولة التي راهن الكارهون والمشككون على أن مصر ربما لا تستطيع تنظيمها في ظل وجود بعض التحديات الأمنية وقصر مدة الإعداد للتنظيم، إلا أن الإرادة المصرية كانت أشد، والعزيمة كانت أقوى, والإنجازات كانت هي الأكبر وخلال فترة وجيزة نجحت مصر في تحقيق ما لا يتوقعه أحد من حيث إعداد وتجهيز العديد من الإستادات والملاعب وتزويدها بأحدث الأجهزة، كما قامت بتأسيس شركة وطنية تتولى تنظيم مشاركة الجمهور الذي يتوق إلى مشاهدة مباريات كرة القدم عبر نظام الكتروني حديث، قطع الطريق أمام تجار السوق السوداء للتذاكر، وسد أي ثغرات أمنية قد تعكر صفو المشجعين, وأصبح الحصول على تذاكر المباريات وحضورها يتم بطريقة حضارية تؤسس لنظام جديد يفتح الطريق من جديد أمام الجمهور، ويعيده إلى الملاعب بعد انقطاع دام أكثر من 5 سنوات. كما أرسى هذا النظام ما يمكن أن نطلق عليه "ثقافة التنظيم" التي كنا نفتقدها في ملاعبنا، وكان يتم استغلال غيابها من جماعات العنف التي تنجح في التسلل إلى الملاعب؛ بهدف القيام بأعمال عنف وترهيب للمشجعين وإحراج الدولة المصرية. وقد تجسد هذا التنظيم المبهر الذي شاركت فيه مؤسسات الدولة في رسم صورة حضارية تعلي من قيم هذه اللعبة, وتحترم جمهورها وحقه في مشاهدة آمنة للمباريات وتوجت هذه الجهود بحفل افتتاح يليق باسم مصر وتاريخها، ولعل اختيار رمزية الهرم الذي توسط مسرح الحفل الافتتاحي كان موفقًا، وجسد تاريخ هذه الأمة وعراقتها، كما أن العروض الفنية والغنائية عكست باحترافية فنية الروابط الطيبة التي تجمع بين مصر والأشقاء في إفريقيا. وتكتمل هذه الصورة المشرفة حين يحتشد جمهور الشعب المصري خلف الفريق القومي في كل مبارياته، كما حدث اليوم؛ حيث زحفت الجماهير منذ الصباح - برغم حرارة الطقس - نحو إستاد القاهرة لمؤازرة المنتخب الوطني في أول مبارياته بالبطولة، في مشهد حضاري مشرف, وأحسب أن هذا الشعب المُلهِم بإخلاصه للوطن وحبه لفريقه سوف يكون داعمًا ومساندًا قويًا حتى المباراة النهائية, كما أعتقد أن الفريق القومي المصري لديه من الإمكانات واللاعبين الكبار ما يؤهله لتحقيق الفوز بالبطولة . .................. مصر تستطيع أن تنظم.. وأن تفوز.. وأن تتقدم على كل الأمم . .. اسألوا التاريخ ..