تمثل الثقافة بشقيها، الفنون والآداب، الرصيد الحقيقي لمصر من القوة، بعد تراجع أرصدتها علي مستويي الدبلوماسية والاقتصاد، وهو رصيد آخذ في التآكل والتدهور أيضاً، ورغم ذلك خلت برامج المرشحين الرئاسيين من أقسام خاصة لوضع خطط للنهوض بالثقافة والآداب، وحماية حرية الإبداع. وباستثناء عبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي وعمرو موسي، الذين أوردوا الثقافة ضمن خططهم للنهوض بالمجتمع في أسطر قليلة من برامجهم، خلت باقي برامج المرشحين الرئاسيين من خطة واضحة لتطوير المؤسسات الثقافية المتدهورة، التي لم يكن تدهورها سبباً في إقالة وزير الثقافة في التعديل الأخير. ووردت كلمة الثقافة في غالبية البرامج ك"إكليشية" متكرر يضاف كتصنيف زائد إلي جانب التصنيفات المعتادة "الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" في معظم البرامج، إذ أضيفت كلمة ثقافة كلما وردت تلك التصنيفات بشكل تلقائي حتي في مجالات الصحة. ويعكس هذا الأمر، الخلاف الذي يبدو أنه سيظل قائماً بين السياسيين والمثقفين في ظل المرحلة المقبلة، والمتعلق بكون الاهتمام بالجوانب الاقتصادية والسياسية هو الطريق الأسرع لإحداث التغيير من وجهة نظر السياسي، بينما الثقافة هي السبيل الأنجع لتحقيق التغيير، على مستويات أعمق تتعلق بالفكر والثقافة وخلق المجتمع الجديد، من وجهة نظر المثقف باعتبار أن حل مشكلة الاستبداد والديكتاتورية يأتي من فضاء الثقافة لا من فضاء السياسة. وفيما يلي رصد لأبرز الملامح الثقافية ببرامج بعض مرشحي الرئاسة: اهتم عبد المنعم أبو الفتوح في برنامجه، بضمان الحريات الفردية وحرية الإبداع والتعبير والإعلام بما يسمح للكتاب والفنانين والمثقفين والمواطنين عامة، ودعم الطاقات الموهوبة والمبدعة في مجالات الأدب والسينما والمسرح والموسيقي والغناء ودعم الفنون التي أسماها بالراقية واعتبار الفنون والآداب من قوة مصر الناعمة ومخزونها الإستراتيجي الذي يجب مساندته، ويضيف أبو الفتوح إلى ذلك الاهتمام بالمؤسسات الثقافية والفكرية وتسجيع إنشاء المكتبات في كل الأحياء على مستوى الجمهورية. أما برنامج حمدين صباحي فركز علي تبنى مشروع ثقافي نهضوي يهدف إلي إعادة وجه مصر الإبداعي الرائد والمستنير ويستعيد القيمة الفكرية والاجتماعية والأخلاقية المصرية، ويطلق طاقات مثقفيها وأدبائها وفنانيها ومبدعيها فى كل المجالات كما جاء بالبرنامج، وينطلق مشروع صباحي الثقافي من الهوية الحضارية العربية الإسلامية لمصر التى شارك فى بنائها المسلمون والمسيحيون. وعلي صعيد البحث العلمي، يهدف برنامج صباحي إلي وضع تشريعات تساعد العلماء والباحثين في إنجاز مهمتهم فى البحث العلمى، ووضعهم علي لوائح مالية محترمة تليق بهم، وتأسيس بنك للمعلومات يكون بمثابة الوعاء الذي يضم كل الأفكار وبراءات الاختراع وإبداعات علماء مصر وباحثيها، فضلا عن استقلال الجامعات بما يمكنها من إطلاق طاقات الابداع وخدمة العلم والبحث العلمى. بينما يعد برنامج عمرو موسى، وهو أحد أطول البرامج الانتخابية - 81 صفحة – الأكثر اهتمامًا بالثقافة، وإن لم يخل حديثه عنها من ديباجة معتادة، ويتضمن البرنامج إنشاء مجلس للعلوم والثقافة والفنون، ويضم رموز مصر من العلماء والمثقفين والكتاب والفنانين تكون مهمته وضع السياسات الهادفة لترسيخ دعائم دولة العلم والمعرفة واستعادة ريادة مصر الثقافية بحسب ما ورد في البرنامج، والمجلس المقترح لا يختلف في توصيفه ووظيفته المطروحة عن المجلس الأعلى للثقافة القائم حالياً. كما يتضمن تطوير مراكز الشباب وتفعيل أدوارها التعليمية والثقافية والتدريبية والرياضية والترفيهية، وإقرار تشريعات للعمل الثقافي لمنظمات المجتمع المدني، وإعادة بناء الإنسان المصري من بمنظور يتعامل مع المواطن المصري باعتباره ثروة اجتماعية وسياسية وثقافية. ويتمثل الجزء الأهم في برنامج موسى، في الحديث عن إصدار القوانين واتخاذ القرارات اللازمة لتأمين موازنة ثابتة لتمويل الثقافة من رأس المال الخاص سواء بإنشاء الأوقاف أو التمويل المباشر للأنشطة الثقافية وتطوير وتفعيل منظومة حقوق الملكية الفكرية وحقوق المنتج الثقافي والفني المصري إقليمياً وعالمياً. أما المرشح المستقل خالد علي فقد غلب على برنامجه القصير نسبياً، ذي التوجهات الاشتراكية والذي استخدم فيه لغة بسيطة وسهلة لا تخلو من عامية إلي جانب الفصحي، الاهتمام بالعمال ودعم الفلاحين إلا أنه لم يأت علي ذكر الثقافة في برنامجه. كما خلا برنامج الفريق أحمد شفيق الذي غلب عليه الاهتمام بمشروعات بعينها، وإصدار قوانين وتشريعات جديدة وإنشاء هيئات وطنية مختلفة، من ذكر كلمة ثقافة تماماً، كما خلا منها برنامج محمد سليم العوا أيضاً. ورغم تكرار كلمة ثقافة، في البرنامج الانتخابي للدكتور محمد مرسي، مرشح حزب الحرية والعدالة، إلا أن البرنامج لا يتعرض تقريباً لمسألة الثقافة، فكلمة الثقافة التي وردت في أكثر من صفحة ببرنامجه جاءت دائماً مقرونة بكلمة علاقات، أو جاء ذكرها كبعد ضمن أبعاد أخرى، إذ ترد كلمة ثقافة في الحديث عن دعم العلاقات الثقافية مع تركيا ودول أفريقيا مثلاً، وتأتي مرة أخرى ضمن برنامجه الصحي الذي يأخذ في حسبانه الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمسألة الصحية. ويدعم برنامج المرشح هشام بسطويسي، الذي لم يخصص قسماً منفصلاً للثقافة، التعددية الثقافية والسياسية كأساس للحكم في إطار ديمقراطي، ووردت كلمة الثقافة لديه أكثر من مرة داخل القسم الخاص بالتعليم ببرنامجه، وأكد على ضرورة تدريس مواد الهوية والثقافة المصرية وقال إن الارتقاء بالعملية التعليمية لن يحدث إلا بالثقافة الشاملة التي تنهض عليها القاعدة الوطنية للعلم والتكنولوجيا.