تعاني الثقافة من التهميش في برامج المرشحين لانتخابات رئاسة الجمهورية المقرر إجراؤها يومي 23 و 24 مايو الجاري، وفيما أهتم غالبية المرشحين بالحديث عن تنمية اقتصادية وأسهبوا في برامجهم لخوض الانتخابات في ذكر تفاصيل عن مشروعات تنموية يعتزمون تنفيذها من أجل إحداث نهضة اقتصادية، لم يرد ذكر مصطلح الثقافة إلا فيما ندر في هذه البرامج. ويقول مسئولون في وزارة الثقافة إن نصيب الفرد في مصر من الثقافة لا يتجاوز 25 قرشا، وهو مبلغ ضئيل للغاية، إذا ما قورن بالخدمات الأخرى التي تقدمها الدول.. .وربما أغفل مرشحو الرئاسة أن تثقيف المجتمع والاهتمام بالتعليم هو نقطة الانطلاق في إحداث أي تطوير منشود، وإن كانوا تحدثوا بشكل لافت عن أهمية دور الثقافة وضرورة الاهتمام بها، إلا أنهم لم يضعوا آليات عملية لتطوير المؤسسات الثقافية .
ويعد برنامج عمرو موسى هو الأكثر اهتماما بهذه المسألة، ويتضمن إنشاء مجلس للعلوم والثقافة والفنون، يضم رموز مصر من العلماء والمثقفين والكتاب والفنانين تكون مهمته وضع السياسات الهادفة لترسيخ دعائم دولة العلم والمعرفة واستعادة ريادة مصر الثقافي، كما يتعهد موسى بإقرار تشريعات للعمل الثقافي لمنظمات المجتمع المدني، وإعادة بناء الإنسان المصري من منظور يتعامل مع المواطن المصري باعتباره ثروة اجتماعية وسياسية وثقافية.
لكن هناك توجها اقتصاديا في برنامج عمرو موسى الثقافي، يتمثل في إصدار القوانين واتخاذ القرارات اللازمة لتأمين موازنة ثابتة لتمويل الثقافة من رأس المال الخاص سواء بإنشاء الأوقاف أو التمويل المباشر للأنشطة الثقافية وتطوير وتفعيل منظومة حقوق الملكية الفكرية وحقوق المنتج الثقافي والفني المصري إقليميا وعالميا .
وبعيدا عن التفاصيل، يتعرض الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في برنامجه الانتخابي، إلى ضمان الحريات الفردية وحرية الإبداع والتعبير والإعلام بما يسمح للكتاب والفنانين والمثقفين والمواطنين عامة بإبداء آرائهم بحرية من دون حجر على صاحب رأي أيا كان، ويتعهد في هذا الإطار بدعم الطاقات الموهوبة والمبدعة في مجالات الأدب والسينما والمسرح والموسيقي والغناء ودعم الفنون "الراقية" واعتبار الفنون والآداب من قوة مصر الناعمة ومخزونها الإستراتيجي الذي يجب مساندته .
لكنه لم يحدد معيارا يمكن الارتكاز إليه في الحكم على ما إذا كان هذا الفن راقيا أن لا، ولم يوضح ما إذا كانت هناك جهات رقابية ستقوم بهذا الدور أم سيترك لذوق المجتمع، ويؤكد أبو الفتوح ضرورة الاهتمام بالمؤسسات الثقافية والفكرية وتشجيع إنشاء المكتبات في كل الأحياء على مستوى الجمهورية.
ويتبنى المرشح للرئاسة حمدين صباحي في برنامجه الانتخابي مشروعا ثقافيا نهضويا يهدف إلى إعادة وجه مصر الإبداعي الرائد والمستنير ويستعيد القيمة الفكرية والاجتماعية والأخلاقية المصرية، ويطلق طاقات مثقفيها وأدبائها وفنانيها ومبدعيها في كل المجالات .
فيما يستخدم المرشح للرئاسة الدكتور محمد مرسي كلمة "ثقافة" في الحديث عن دعم العلاقات الخارجية الثقافية مع تركيا ودول أفريقيا مثلا، ولا يسهب في الحديث عن آليات لتطوير العمل الثقافي في مصر إلا فيما يخص الكلمات الفضفاضة عن حماية حرية الفكر والإبداع .
وتحدثت برامج باقي المرشحين بنفس العبارات الفضفاضة والأماني البراقة التي لم تضع أي آليات للوصول إلى تحقيقها، فمثلا لم يطرح أي مرشح رئاسي فكرة إلغاء الرقابة على الإبداع وترك الأمر لحكم المجتمع للفرز ما بين الثمين والغث.
وتعليقا على هذه النتائج تتفق الكاتبتان سلوى بكر وفاطمة ناعوت على أن الثقافة ليست مهمشة في برامج مرشحي الرئاسة فقط ولكن في توجه الدولة المصرية بشكل عام .
وقالت بكر إن أول برنامج يلغى من الإعلام هو البرنامج الثقافي، وتضيف: "للأسف في مصر الثقافة تحتل المرتبة الدنيا من حيث الاهتمام لأن البعض يعتبرها ترفا ودورا زائدا رغم أنها من أهم عوامل النهضة والتنمية".
وأضافت: "نحن لا نتحدث مثلا عن اقتصاديات الثقافة بالمقارنة بدولة مثل الهند التي تستثمر في المشروعات الحرفية اليدوية ذات الطابع الفني وتجني دخلها، بينما نحن في مصر أهملنا صناعة السينما رغم أن اقتصادها كان يمثل دخلا مهما لمصر".
وقالت أن برامج المرشحين للرئاسة فقيرة في الجانب الثقافي، معربة عن أملها في أن تشمل مناظرات مرشحي الرئاسة أسئلة منها كم كتابا قرأوا؟ وهل يرتادون قاعات الفن التشكيلي؟.
من جانبها، ترى فاطمة ناعوت أن الثقافة تم تهميشها بفعل فاعل لتجهيل الشعب، لأن الشعب غير المثقف لا يثور، واعتبرت أن هناك محاولات من بعض التيارات لتحريم الإبداع، متوقعة أن تواجه بالفشل.
وعبرت عن تفاؤلها لأن التشاؤم رفاهية لا نملكها الآن، وقالت أنها لم تصرف مليما واحدا على ترشحها لانتخابات مجلس الشورى الأخيرة، وكشفت عن أن خوضها لهذه التجربة جاء من أجل التأكيد على أهمية وجود التيارات المدنية والمرأة في الحياة السياسية، رغم أنها ترى، في الوقت نفسه، أن المبدع لا ينبغي أن يكون سياسيا.