د. حاتم عبدالمنعم أحمد الإنسان المصري تحديدًا هو أهم ثروة تملكها مصر عبر تاريخها الممتد لآلاف السنين، فالإنسان المصري هو الذي علم البشرية الزراعة وبالزراعة تحولت البشرية من مرحلة الرعى والصيد لمرحلة الزراعة التي اعتمدت عليها بعد ذلك الثورة الصناعية وما تابعها من تطورات ما كانت تحدث بدون اكتشاف الزراعة ثم كان الإنسان المصري أول من علم الدنيا الكتابة، ومن هنا بدأت ثورة المعرفة والثقافة في العالم كله والإنسان المصري هو خير جند الأرض بالحديث النبوي الشريف، وبالتاريخ الإسلامي، فهو الذي هزم التتار والصليبين وغيرهم، ومن هنا فالإنسان المصري هو القوة الناعمة لمصر عبر التاريخ إلى بناء السد العالي أعظم مشروع هندسي في القرن العشرين إلى حرب أكتوبر أكبر معجزة عسكرية في العصر الحديث، وبعدها بدأ إهمال الإنسان المصري تدريجيا وتراجع الاهتمام به تعليميا وصحيا وثقافيا ومن هنا تراجعت القوى الناعمة تدريجيا برغم الحاجة الماسة إليها وتزايد دورها وأهميتها في العصر الحديث ويمكن توضيح أهم أبعاد وعناصر القوى الناعمة لمصر في الآتي: - المهاجرون المصريون في الخارج. - علماء الأزهر وأساتذة الجامعات المصرية والمدرسين. - الفن المصري بمختلف صوره من أغنية إلى سينما إلى مسرح إلى مسلسل. - الثقافة المصرية والإعلام المصري. وإذا بدأنا بالمهاجرين أو المصريين بالخارج، فيقدر عددهم بنحو عشرة ملايين مصري منتشرين في أنحاء شتى من العالم ولا نستفيد سوى بالجانب المادي، حيث بلغت تحويلات المصريين بالخارج أكثر من 27 مليار دولار سنويًا، وهو مبلغ جيد بلا شك، ولكن هناك أوجه أخرى أكثر أهمية للاستفادة منهم، ولنا في منظمة الإيباك اليهودية عبرة ودروس كثيرة يجب الاستفادة منها، من خلال دراسة هذه التجربة جيدًا، حيث تمثل هذه المنظمة مثالا للاستفادة من القوى الناعمة، فهي التي تؤثر بوضوح على الانتخابات، والريئس، ومتخذ القرار بشكل عام، وتبسط نفوذها على وسائل الإعلام والبنوك وغيرها، ولذلك يراعي متخذ القرار في أمريكا ومعظم الدول الكبرى مصالح إسرائيل، لأنها تجيد استخدام وتعبئة كل إمكاناتها لخدمة سياستها، برغم أن عدد اليهود خارج إسرائيل نحو عشرة ملايين نسمة فقط، لكن منهم نحو ستة ملايين في أمريكا فقط. وهنا التساؤل هل نستفيد من العشرة ملايين مصري بالخارج، كما يستفيد الغير، ومن هنا ضرورة قيام جهة عليا لتولي هذا الملف، بجوار وزارة الهجرة، التي كانت تعقد مؤتمرًا سنويًا للمهاجرين المصريين بانتظام في فترة أعياد الميلاد، لدعوة المهاجرين والتباحث في سبل النهوض وخدمة الوطن. ولمصر تحديد فرص أكبر للنجاح والتأثير، لأنها يمكن أن تجمع حولها نسبة كبيرة من المهاجرين العرب من الجنسيات الأخرى، سوري سعودي تونسي.. وخلافه، بل يمتد التعاون مع بقية العالم الإسلامي بوجه عام. والمؤكد أن عدد المهاجرين المصريين بوجه خاص - والعرب بوجه عام - يفوق أعداد أي دولة أو قوى أخرى، سواء من حيث الكم أو الكيف، كما أن الأموال العربية في الخارج أكبر من أي قوى أخرى، وبالتالي فنحن نملك الكثير من أوراق القوى، لكنها متفرقة، بل أحيانًا تحسب بالسالب من خلال معارك داخلية تسحب من رصيدنا. ولمصر الريادة والمسئولية في تعبئة هذه الجهود الشعبية على مستوى العالم العربي على الأقل، فيجب أن يكون للعرب - من خلال مصر - صوت مؤثر في الانتخابات الداخلية للدول الكبرى - مثل أمريكا على الأقل - لتحييد دور وأثر اللوبي اليهودي، ولا نعتمد على مقولة "أن أمريكا تملك 99% من أوراق حل مشكلة الشرق الأوسط"، لأن الحقيقة التي يجب أن نعترف بها أن الذي يحرك ويؤثر في القرار الأمريكي اللوبي اليهودي، ونحن نملك أوراقًا لا تقل عنه، ولكنها غير مستغلة ومبعثرة في كل الاتجاهات. والعالم اليوم من خلال التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي أصبح من السهل الاستفادة منها في سرعة تعبئة هذه الطاقات وحشدها وتوحيدها، على الأقل لتحييد القوى المضادة أو الحد من تأثيرها، وعلينا سرعة البدء في ذلك، من خلال عدة محاور متكاملة، فمثلا على الأزهر الشريف تكوين رابطة القدس مثلا للمهاجرين، لينضموا تحت هذه الراية في شتى أنحاء العالم، ويكون لهم موقف موحد لمصلحة هذه القضية، وأتصور أن يكون لجهات عليا محترفة دورها في تأسيس جماعة أخرى للمهاجرين المصريين، بالتعاون مع وزارة الهجرة، وأيضًا أتصور أن لجامعة الدول العربية دورها في إنشاء رابطة للمهاجرين العرب في الخارج. وأيضًا على كل مواطن يستطيع المساهمة في هذا الشأن دوره فكلكم راع وكل راع مسئول، وله دوره في خدمة وطنه وأمته. وكذلك أن يكون للكنيسة المصرية دورها في إنشاء جماعة أخرى للمصريين في الخارج، مع تنسيق كامل، للاستفادة من هذه القوى، التي لو أحسنا استغلالها، لأصبحت أهم من مليارات البترول وخلافه. ومرة أخرى البداية تحتاج لدور جهات عليا، وخبرات كبيرة تتعدى الجهود الرسمية.. والله الموفق.