خيمت على فرنسا هذه الأيام أجواء من التساؤل والترقب ممزوجة بالقلق والخوف لمعرفة مصير عملية شد الحبال التي تجري حاليا بين إيمانويل ماكرون وحركة السترات الصفراء. وما زاد الطين بلة عنصران أساسيان أثرا بشكل قوي على ملامح هذه الأزمة. العنصر الأول هي مشاهد العنف والمواجهات بين قوى الأمن والمتظاهرين التي أخذت من جادة الشانزليزيه مسرحا لها. ما أعطى الانطباع أن الوضع الأمني قد يشهد انزلاقات خطيرة ضربت بشكل سلبي صورة فرنسا في الخارج ومصداقية ماكرون في الداخل. والعنصر الثاني يكمن في المواقف التي عبر عنها كل من رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة إدوار فليب والتي رفضت أي تراجع عن المقاربة الضريبية التي فرضها على الاقتصاد الفرنسي بحجة تمويل مشاريع مرحلة الانتقال البيئي، بحسب مونت كارلو. عشية تظاهرات يوم السبت، تبقى كل من مواقف الحكومة ومواقف السترات الصفراء بعيدة عن أي منطق تنازل ولا يلوح في الأفق أي مؤشر تفاوض بالرغم من اللقاء بين رئاسة الحكومة ووفد عن السترات الصفراء. فالحكومة مصرة على الإبقاء على سياستها الضريبية ..ما أعطى الانطباع أن حوار الطرشان هو الذي يطبع الحياة السياسية الفرنسية. السترات الصفراء تطالب بإجراءات لتحسين قدراتها الشرائية. والحكومة رافضة لأي تراجع عن سياستها الضريبية. وقد استغلت هذا الوضع قوى المعارضة السياسية لإيمانويل ماكرون للنزول إلى الشارع ومساندة حركات السترات الصفراء. فزعيمة اليمني المتطرف مارين لوبين عبرت عن دعمها لمطالب هذه الحركة في حين قال جان لوك ملونشون زعيم فرنسا الأبية من اليسار المتطرف أن سيشارك شخصيا في هذه التظاهرة. في حين حاول اليمين التقليدي بزعامة لوران فوكيي أن يركب موجات الغضب التي تحملها هذه الحركة. ويأتي نزول هاته القيادات السياسية على خلفية اتهامات من طرف وزير الداخلية كريستوف كاستانير لقوى اليمين المتطرف بالوقوف وراء أعمال النهب والتخريب التي عاشتها جادة شان إليزي. بعض المحللين يرون هذا الاستغلال السياسي لمطالب حركة السترات الصفراء قد يعقد تداعياتها وطريقة تعامل الحكومة معها خصوصا وأن معظم المشاركين يرفضون مبدأ التسيس ويعتبرون هذا الاستغلال المحتمل بمثابة صب الزيت على النار وتعقيدا إضافيا لمعادلة أمنية أصلا شديدة التعقيد وصعبة المعالجة. وبالرغم من ذلك يبقى التحدي الكبير الذي ستعيشه هذه الحركة يوم السبت يطال التطورات الأمنية التي قد تشهدها جادة الشأن إليزي. فإذا تجددت مشاهد المواجهات التي دفعت بالسلطات الأمنية إلى استعمال خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية لتفريق المتظاهرين سيعتبر ذلك فشلا سياسيا وأمنيًا ذريعا لحكومة إيمانويل ماكرون قد تستغله المعارضة لإضعاف أدائه ولممارسة ضغط غير مسبوق على ما تبقى من ولايته.