على مدار عقود عدة، نجح الكاتب يعقوب الشاروني في حجز موقع ثابت له وسط كبار صناع المحتوى المقدم للطفل في مصر والمنطقة العربية، كما استطاع طوال مسيرة حافلة حصد العديد من الجوائز، من أبرزها جائزة لجنة التحكيم الخاصة لمسابقة سوزان مبارك لأدب الأطفال عام 2001 في مجال التأليف عن كتابه "أجمل الحكايات الشعبية"، وفي عام 2002 فاز نفس الكتاب بجائزة "الآفاق الجديدة" من معرض بولونيا الدولي لكتب الأطفال بإيطاليا، وهى جائزة تمنح لكتاب واحد على مستوى قارات آسيا وأمريكا الجنوبية وإفريقيا وأستراليا، وهى واحدة من أهم جائزتين يمنحهما المعرض سنويًّا على مستوى العالم. لم يحصد "الشاروني" ثمرة نجاحه في سن متأخرة، بل ظهر نبوغه في وقت مبكر جدا، ومن أبرز ملامحها ترشيح توفيق الحكيم، ليعقوب الشارونى، في عام 1963م، ليحصل على منحة التفرغ للكتابة الأدبية، وقال في نص تزكيته: "أزكى هذا الطلب بكل قوة، لما أعرفه عن يعقوب الشارونى من موهبة تجلت في مسرحية "أبطال بلدنا"، التي فازت بالجائزة الأولى في مسابقة المجلس الأعلى للفنون والآداب، بينما أشارت الدكتورة سهير القلماوي في تقرير اللجنة التي منحت يعقوب الشارونى، جائزة أحسن كاتب أطفال، في عام 1981م: أن أسلوب الأستاذ يعقوب الشاروني، بالنسبة لما يجب أن يكون للأطفال، قد حقّق آفاقا بعيدة المدى، سهولة وبساطة وتعليمًا، ووصفت القلماوي أسلوب الشاروني بأنه واضح المعالم، مُستجيب لكل ما نطمع فيه، من حيث اللغة التي نخاطب بها الأطفال. ونسج الشاروني صفحة رائعة ومتطورة في تاريخ أدب الأطفال في مصر وعالم العربي، من خلال الباب الذي كان يقدمه في جريدة الأهرام تحت عنوان "ألف حكاية وحكاية" منذ عام 1981م. "بوابة الأهرام" التقت "يعقوب الشاروني"عقب تكريمه خلال احتفال مجلة "علاء الدين"، بيوبيلها الفضي، وكان لنا معه هذا الحوار: عرفك القراء كعلامة مميزة في مجال أدب الطفل .. ماذا عن أمنياتك للأطفال؟ أحد أهم الأشياء الأساسية في تكوين الطفل، هي قدرته على تحويل رؤيته إلى صور ورسوم وكتابة، لذلك أتمنى لو أن تكون لدينا مجلة خاصة بكل فئة عمرية، ولا يقتصر الأمر على مجلة واحدة فقط، تخصص داخلها صفحة لكل فئة عمرية، كما أتمنى لو أن مجلة علاء الدين وهي واحدة من أشهر مجلات الأطفال في مصر، أن تضم في محتواها خلال السنوات القادمة، محاور عن دور المرأة من خلال اقتباس إحدى الشخصيات النسائية من قصص الأدب، ولتكن على سبيل المثال شخصية "مرجانة" من قصة ألف ليلة وليلة، والتي أنقذت علي بابا من عدة أزمات، لتصبح المجلة بعنوان "مرجانة وعلاء الدين" أو "علاء الدين ومرجانة"، بهدف المساواة بين المرأة والرجل منذ الطفولة. كيف ترى وضعية صحافة الطفل في مصر خلال الوقت الحالي؟ أرى أن لدينا نحو 40% من أبنائنا أقل من 15 عامًا، وهو ما يعادل ثلث المجتمع، ولدينا فقط 4 مجلات مصرية للأطفال، وهو ما يعد غير كاف من وجهة نظري، فنحن نريد مجلة لكل فئة عمرية، نحن بحاجة لمجلات أكثر، والأمر ليس مجرد مسألة عدد، لكننا نهدف من توفير مجلة لكل فئة عمرية، وجود محتوى يعبر عنها، وعن احتياجاتها، حيث المجلة الواحدة تضطر لتخصيص صفحة فقط لكل فئة عمرية، فيُظلم المحتوى المقدم، لأنه حتمًا سيكون قصير، وتُظلم الفئة العمرية التي يعبر عنها، كما أن سعر المجلة 5 جنيهات، وهو ما يعد عبئًا على الأسرة البسيطة، وعائقًا في وصول المجلة لكل الأطفال. وكيف ترى القراءة بين الأطفال والأسرة المصرية؟ "ناس كتير بتقول مفيش قراءة في مصر" وهذا غير صحيح، كل ما في الأمر أن سعر المجلة أو الكتاب مرتفع عن أيادِ كثيرة، ولا يناسب الحالة الاقتصادية لكثير من الأسر، وهو ما يجعل وصول الثقافة إلى أطفالهم يواجه صعوبة، خاصة في ظل التزامات الأسرة المادية، التي تزيد يومًا بعد الآخر. هل تقتصر عقول الأطفال على استقبال مجالات بعينها؟ عقول الأطفال ترحب بالعلم والتعلم، وعلينا استغلال هذه المرحلة العمرية، بغرس قيم التسامح وفكرة قبول الآخر في نفوسهم، من خلال الأدب المتمثل في القصص والحواديت، وأيضا من خلال المناهج التدريسية، حتى لا يعاني المجتمع في المستقبل من ظواهر سلبية وسلوكيات غريبة، يدفع ثمنها مؤسسات ينتابها التخريب، وأبرياء من المواطنين، إذن كل شيء يمكن أن نتحدث فيه مع الأطفال، وكل ما نحتاجه فقط هو البحث عن الطريقة التي نتحدث بها إليهم، ومن ثم نقدم المعلومة، مع النظر إلى العمر الذي نقدم له ذلك الإنتاج الأدبي. كيف ترى أدب الطفل المصري في الوقت الحالي؟ أدب الطفل متقدم جدا، والدليل أنه في مصر على الأقل توجد نحو 15 جائزة عربية لأدب الطفل، وغالبية الحاصلين على هذه الجوائز مصريين، وهو ما يبرهن على وجود عدد كبير من كتاب أدب الأطفال في مصر، لكني أدرك تماما أن هناك مشكلة تتمثل في النشر، وهذا بسبب التكلفة، التي أصبحت ضاغطًا بنسبة كبيرة على دور النشر "الكتاب انهاردة بيتكلف ضعف تكلفته من 8 سنوات". من خلال متابعتك لكُتاب أدب الطفل من الشباب .. ماذا رصدت؟ أتابع باستمرار الأعمال الأدبية للشباب الجديد الخاصة بالطفل، وأستطيع القول بأن مصر لديها مواهب كثيرة في هذا المجال، لكنها تعاني إيجاد السبيل للانطلاق، ومن ثم الانتشار من خلال دور النشر، وهذا ما رصدته من خلال متابعتي، وأرجو أن تلتفت وزارة الثقافة والشباب والرياضة، والجهات المعنية لهذه المسألة، التي تتحكم في مدى انتشار أدب الطفل في مصر، ومن ثم إعطاء الثقافة قدرها في المجتمع، ويجب أن يجد الشباب فرصتهم للتعبير عن أدب الأطفال. ماذا عن دور المؤسسات في الارتقاء بالمحتوى المقدم للطفل ؟ على المؤسسات الثقافية والتعليمية الارتقاء بالمحتوى المقدم للطفل، وذلك من خلال تنمية ثقافته وفكره، وقدرته على التعبير عن آرائه، والنظر للأمور نظرة نقدية، وأيضًا كيفية اهتمامه بالعلم وبالثقافة العلمية، إضافة إلى تنمية الانتماء للوطن، وفكرة قبوله الآخر، وغرس قيم التسامح لديه، للحفاظ على السلام بين أفراد المجتمع. يعاني المجتمع من ظاهرة العنف.. هل تؤثر الشاشات سواء التليفزيونية أو الإلكترونية في ذلك؟ للأسف نشرات الأخبار على سبيل المثال، باتت تحمل قدوة سيئة يلتقطها الأطفال، وتتمثل في تغطيتها لأحداث العنف، نحن بحاجة إلى التخفيف من العنف في النشرات الإخبارية، ولا ضرر من تضمنها كرنفالات عالمية، إضافة إلى أن الفن صار يهدد فئة الصغار في المجتمع، لما يتضمنه من عنف، يؤثر بالسلب على الأطفال، الذين ينجذبون لمشاهدته أكثر من الكبار، فتتغذى العقول منذ الصغر على رؤية الدماء، لذا يجب تقليل جرعة العنف في الفن لأنها أصبحت خطرًا يهدد المجتمع أكثر من كونها تطرح قضية للمعالجة: "الفن يفتقد القدوة". كمتخصص في مجال أدب الأطفال .. ماذا تقول لصناع الفن؟ أين نحن من أفلام إسماعيل ياسين، التي حملت رسائل إلى المجتمع واستحضرت الضحكات على شفاه المشاهدين، ولماذا يتحجج صانعي الفن الدموي العنيف بأن هذا الذي يجذب المشاهد إلى قطع تذاكر السينما أو الجلوس أمام العمل الدرامي لمتابعته! العنف ليس الوسيلة لجذب المشاهد: "وجود العنف داخل الأعمال الفنية أصبح حجة العاجز عن صناعة فن جيد يحمل رسالة تخدم المجتمع وأفراده". من المعروف عن الأطفال تأثرهم السريع بالأشياء.. كيف ترى تأثير المحتوى المقدم لهم على هويتهم ؟ المحتوى المقدم للطفل يؤثر بقوة على هويته ولم تعد مصادر استقاء الطفل للمعلومة مقتصرة على الكتاب أو القصة فقط وإنما أصبح هناك التليفزيون والهواتف، وأصبحت هذه الأجهزة تستنفذ الكثير من وقت الطفل، وهو ما يؤثر بلا شك في القيم والسلوكيات خاصة في غياب الرقابة على المحتوى المعروض في كل منهما: "يجب أن نهتم بالمحتوى المقدم للطفل في كافة المجالات". ماذا يحتاج الطفل من الأسرة؟ على الأسرة أن تنتبه أنها القدوة الأولى للطفل على الأقل في السنوات الأولى قبل دخوله المدرسة، حيث يجد حينها الرفقاء والمعلمين لكن ما قبل دخول المدرسة يكون الطفل في عهدة الأسرة يستقي معلوماته وخلفياته الحياتية ويكون مخزونه اللغوي والمعرفي من خلالها فيصبح كل تصرف يصدر عنها وكل كلمة تتفوه بها تؤثر بقوة في انطباع الطفل وتكوين شخصيته لذا وجب على الأسرة الانتباه لكل تصرفاتهم التي يشاهدها الأطفال، كما أن المنازل يجب أن تشهد مكتبة للأطفال لتشجيعهم على القراءة: "من غير قراءة مفيش حضارة ولا تقدم" والقدوة يجب أن تأتي أولًا من داخل البيت. وماذا يحتاج من الدولة؟ أعرف أن الدولة لديها أعباء كثيرة وخاصة ما يتعلق بالجانب الاقتصادي، لكن هناك شيء هام يجب أن أشير إليه؛ وهو أن هناك مؤسسات تشهد إنفاقًا كثيرًا من الدولة وأرجو أن تنال الثقافة اهتمام الدولة ولو بإنفاق جزء مما ينفق على وزارة التربية والتعليم: "الثقافة بحاجة إلى عيون الدولة"، وأكرر: "لابد أن تتوفر لكل فئة عمرية الكتاب أو المجلة المناسبة له". يعقوب الشاروني خلال تكريمه باحتفالية علاء الدين مجلة علاء الدين تحتفل بيوبيلها الفضي بمقر الأهرام بالجلاء