لا شك أن القمة الصينية – الإفريقية التي أنهت أعمالها أمس في العاصمة الصينيةبكين والتي عقدت تحت شعار "الصين وإفريقيا .. نحو مجتمع أقوى ذي مستقبل مشترك عن طريق التعاون المربح للجميع"، والتي شاركت فيها مصر بوفد رفيع المستوى برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي كشفت عن الاهتمام الكبير الذي توليه الصين للقارة السمراء، ورؤيتها لدعم وتعزيز التعاون مع دول القارة في كافة المجالات؛ خاصة الجانب الاقتصادي والتعاون القائم على الشراكة والندية، وليس الاستغلال أو تعظيم استفادة طرف على حساب الآخر. ولذا فإن الرئيس الصيني شي جين بينغ كان محقًا تمامًا عندما قال في كلمته في مراسم افتتاح المنتدى إن بلاده تلتزم بالصدق والصداقة والمساواة في التعاون، وإن الشعب الصيني البالغ عدده 1.3 مليار نسمة يربط مصيره بالشعوب الإفريقية البالغ عددها 1.2 مليار نسمة، ويحترم ويحب ويدعم إفريقيا، ويلتزم ب"اللاءات الخمسة"، أي لا يتدخل في جهود الدول الإفريقية لاستكشاف الطرق التنموية التي تتناسب مع ظروفها الوطنية، ولا يتدخل في الشئون الداخلية الإفريقية، ولا يفرض إرادته على الآخرين، ولا يربط أي شرط سياسي بالمساعدات إلى إفريقيا، ولا يسعى لكسب مصلحة سياسية لنفسه خلال الاستثمار والتمويل في إفريقيا. تأمل الصين من جميع الدول الالتزام بهذه "اللاءات الخمسة" في التعامل مع الشئون الإفريقية، وستظل الصين صديقًا حميمًا وشريكًا طيبًا وأخًا عزيزًا لإفريقيا إلى الأبد، ولا يستطيع أي فرد تخريب التضامن بين شعوب الجانبين الصيني والإفريقي. وأعتقد أن منتدى التعاون الصيني – الإفريقي يعتبر نموذجًا يحتذى للتعاون متعدد الأطراف؛ حيث أثبتت التجارب على مدار السنوات الماضية، ومنذ انطلاق أعمال أول قمة للمنتدى في بكين عام 2000 مرورًا بالقمم الست السابقة، ومن بينها قمة شرم الشيخ عام 2009 تحقيق إنجازات كبيرة على أرض الواقع؛ خاصة في المجال الاقتصادي، فقد قفز حجم التبادل التجاري بين الصين والدول الإفريقية إلى 170 مليار دولار العام الماضي، ووصلت الاستثمارات الصينية في القارة السمراء إلى 100 مليار دولار في ظل وجود 3100 شركة صينية تعمل في الدول الإفريقية، بالإضافة إلى مساهمات الصين في العديد من مشروعات التنمية في القارة، ودعم جهود العديد من دول القارة في مواجهة الأزمات؛ سواء ما يرتبط منها بالأزمات الصحية أو الكوارث الطبيعية. والمؤكد أن التعاون الصيني – الإفريقي سوف يشهد طفرة كبيرة خلال العام المقبل؛ خاصة مع تولي مصر الرئاسة الدورية للاتحاد الإفريقي في يناير 2109 خلال القمة الإفريقية في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لمدة عام؛ وهو ما طرحه الرئيس السيسي في كلمته أمام المنتدى؛ حيث قال إن تحقيق التنمية المستدامة وتوفير مزيد من فرص العمل للشعوب الإفريقية، وتطوير البنية التحتية القارية، وتعزيز حرية التجارة في إطار اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية القارية، وتطوير المنظومة الاقتصادية الإفريقية وتنويعها، وتعزيز المنظومة الصناعية، هي عناصر رئيسية ضمن أجندة أولويات الرئاسة المصرية للاتحاد الإفريقي في 2019؛ حيث بات جليًا أن التنمية والتحديث هما أقوى سلاح لمجابهة أغلب التحديات المعاصرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ كالإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة، والفقر والمرض، والحمائية الاقتصادية والتجارية. وبالتالي فإن الصين والدول الإفريقية تعول كثيرًا على الدور المصري خلال العام المقبل لدعم التعاون المشترك بين الصين والقارة السمراء، وتفعيل الاتفاقيات والمشروعات التي تم الاتفاق عليها خلال منتدى بكين، في ظل المنافسة الدولية الشرسة على أسواق إفريقيا من قبل الدول الكبرى، وفي مقدمتها أمريكا واليابان والهند، وهو ما يدفع القادة الأفارقة إلى بذل المزيد من الجهود للاستفادة من تلك المنافسة خاصة في إطار الكثير من الاتفاقيات الموقعة مع الصين، وتواجدها القوي في أسواق القارة. [email protected]