صدر حديثًا عن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية كتاب الفكر النقدي بين التراث والمعاصرة "نحو نظرية عربية معاصرة في النقد الأدبي" لوزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، ومن المقرر أن يتواجد قريبا بمكتبات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية . يوضح وزير الأوقاف، خلال كتابه، العلاقة بين التراث والمعاصرة في الفكر النقدي - شأن كثير من المتقابلات - ليست علاقة عداء أو قطيعة ، ولن تكون ، ولا ينبغي أن تكون ، وإن الوسطية التي نحملها منهجًا ثابتًا في كل مناحي حياتنا ، ونجعل منها ميزانًا دقيقًا نزن بها أمورنا كلها ، ينبغي أن نجعلها منهجا ثابتا ومعلما واضحا ننطلق منه في كل جوانب حياتنا العلمية والفكرية والفلسفية والتطبيقية ، لا نحيد عن هذا المنهج قيد أنملة ، فقد قالوا : لكل شيء طرفان ووسط ،فإن أنت أمسكت بأحد الطرفين مال الآخر واختل توازنه ، وإن أنت أمسكت بالوسط استقام لك الطرفان ، ونحن مستمسكون بهذا الوسط وتلك الوسطية ، لا إفراط ولا تفريط ولا غلو ولا تقصير . ويقول "نحن لا نتعصب للقديم لمجرد قدمه ، ولا نسلم زمام عقلنا للتقليد الأعمى دون أن نمعن النظر فيما ينقل إلينا أو يلقى علينا ، فقد ميز الله (عز وجل) الإنسان عن سائر الخلق بالعقل والفكر والتأمل والتدبر والتمييز ، ونعى على من أهملوا هذه النعم ولم يوفوها حقها ، فقال (سبحانه) : " أَفَلَا يَعْقِلُونَ " ، وقال تعالى: " أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ " , ويقول (سبحانه) : " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى" ، ويقول (عز وجل) :" وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ " ، ولما نزل قوله تعالى : " إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ", قال نبينا (صلى الله عليه وسلم) : "ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها". ولا يمكن أيضًا، بحسب وزير الأوقاف، أن ننسلخ من هذا التراث العريق أو نقف منه موقف القطيعة ، ونعمل في الهواء الطلق ، فمن لا ماضي له لا حاضر له ولا مستقبل ، بل علينا أن نأخذ من الماضي العريق النافع والمفيد الذي ننطلق به في الحاضر ونؤسس به للمستقبل . كما أكد أن في تراثنا النقدي من الفكر والثراء والتنوع ما يحتم علينا إعادة قراءة هذا التراث قراءة جديدة عصرية يمكن أن تشكل أساسًا قويًّا ومتينًا لبناء نظرية عربية في النقد الأدبي ، لا تنفصل عن تاريخها ولا عن هويتها ولا عن واقعها . وتابع قائلا: إننا لو أعدنا قراءة تراثنا النقدي قراءة واعية منصفة لوقفنا على كثير من كنوزه ونفائسه ، واتضح لنا - بما لا يدع مجالاً للشك - أن الحياة الأدبية العربية في عصرها الذهبي كانت تموج بتيارات وحركات نقدية لا تقل حيوية وأهمية عن حركة الحياة الأدبية والنقدية في القرنين العشرين والحادي والعشرين سواء في أوروبا أم في عالمنا العربي ، وأن القضايا التي تناولها النقاد العرب القدماء لم تمت بموتهم، فإن الكثير منها ما زال حاضرًا بقوة في ثقافتنا الأدبية والنقدية ، وما زال قادرًا على تشكيل منطلق قوي ومتين لنظرية عربية حديثة في النقد الأدبي. وأضاف، كما أننا لا يمكن أن نرفض القديم لقدمه، لا يمكن أيضًا أن نرفض الحديث لحداثته، أو لكونه ثقافة الآخر أو المختلف أو كونه ثقافة وافدة على ثقافتنا أو أن ندعو إلى الانكفاء على الذات والتمحور أو التقوقع حولها، فهذا عين الجمود والتحجر الذي نواجهه بكل قوة وحسم ، فثقافة أخرى تعني عقلاً آخر ، وإضافة جديدة ، ومادة جديرة بالاعتبار والتأمل والنظر ، بل إنني لأدعو إلى إعمال الفكر وإمعان النظر في كل ما هو عصري أو حديث أو جديد ن فنأخذ منه النافع والمثمر والمفيد ، وما يشكل إضافة حقيقية لثقافتنا ، ويتناسب مع قيمنا وأخلاقنا وحضارتنا ، ونتجاوز ما لا يتسق مع هويتنا الثقافية وقيمنا الراسخة. كما يجب أيضًا، بحسب وزير الأوقاف، ألا نتخلف عن الركب ، فنتشبث بآراء ونظريات ثبت عدم جدواها عند الغربيين أنفسهم ، فدعا نقادهم إلى ضرورة مراجعتها، أو تخلوا هم عنها وبحثوا عن نظريات أو رؤى أخرى جديدة رأوها أكثر دقةً وملاءمةً ونفعًا , أو وجدوا فيها خيط نجاة جديد يخلصهم من تعقيدات وفلسفات بعض النظريات التي خرجت بالنقد الأدبي عن لبابه إلى معالجات انحرفت بالنص الأدبي عن مساره الطبيعي إلى مسارات أخرى ربما كان من الأجدى تطبيقها على علوم وفنون أخرى غير النص الأدبي، إذ تبقى عظمة وخصوصية النص الأدبي والنقدي في كون كل منهما نصًّا ينطق أدبًا ويفيض أدبًا ويشع أدبًا قبل أي شيء آخر. وختامًا أكد وزير الأوقاف، أن العلاقة بين القديم والحديث يمكن أن تكون علاقة تكاملية، وليس شرطًا أن تكون علاقة إقصاء أو صراع، وأنه يمكننا أن ننسج من هذا و ذاك نظرية عربية عصرية متكاملة في النقد الأدبي يمكن أن تكون حال نضجها أحد ملامح هويتنا الواقية وخصوصيتنا الثقافية في زمن العولمة والتيارات النقدية والفكرية والثقافية الجارفة. .