لبيك اللهم لبيك...لبيك لا شريك لك لبيك...إن الحمد والنعمة لك والملك...لا شريك لك في هذه الأيام من كل عام تتحرك قلوبنا شوقا إلى بيت الله "الكعبة"، ونتمنى لو كنا من ضيوفه الذين دعاهم الرحمن لينالوا الكثير والكثير من الخير، ولكننا لو لم نحظِ بهذا الشرف فيمكننا أن ننال من هذا الخير، ونحن في بلادنا بأشياء بسيطة نفعلها سنتعرف عليها معًا. لماذا ذي الحجة شهر عظيم؟ شهر ذي الحِجَّة هو الشهر الثاني من أشهر السنة القمرية، كما أنّه الشهر الثاني من الأشهر الحرم، سُمّي بهذا الاسم لأنّ فيه فريضة عظيمة وهي الحج، وقد جاء فرض الحج في العام (412) ميلادي خلال عهد كلاب بن مرّة وهو الجد الخامس للرسول عليه الصلاة والسلام، كذلك فإن هذا الشهر هو آخر الأشهر المعلومات التي ذُكرت بقوله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ)، حيث تبدأ الأشهر المعلومات المذكورة في الآية الكريمة ببداية أول يوم من شهر شوال، وتنتهي مع نهاية اليوم العاشر من شهر ذي الحِجَّة، وفي اليوم التاسع من ذي الحجة يكون يوم عرفة أو وقفة عرفات أو ما يطلق عليه يوم الحج الأكبر، أمّا اليوم العاشر من شهر ذي الحجة فيكون أول أيام عيد الأضحى. وحين أقسم الله عز وجل في كتابه الكريم بقوله تعالى: "وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ" – سورة الفجر، فهذا يدلّ ذلك على الفضل العظيم لتلك الليالي. وكذلك فإنّ الله عز وجل سمّاها في كتابه بالأيام المعلومات، فقال سبحانه وتعالى: "وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ" – سورة الحج، وقد جاء في التفاسير أنّ هذه الليالي العشر والأيام المعلومات هي العشرة أيام الأولى من ذي الحجة. وفي هذه الأيام يوجد "يوم التروية"، وهو ثامن يوم من شهر ذي الحجة والذي تبدأ فيه أعمال الحج. ويوجد فيها أيضا " يوم عرفة"، وهو من الأيام العظيمة المليئة بالرحمة والمغفرة والخير والثواب؛ فهو يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار، ويقال أنّه يكفّر (للحاج، ولغير الحاج حين يتقرب إلى الله فيه بالصيام أو الدعاء أو الطاعات) ذنوب السنة السابقة والسنة المقبلة. وكذلك فيها "ليلة جَمع"، وهي ليلة المُزدلفة والتي يبيت فيها الحجاج المسلمون في الليلة العاشرة من ذي الحجة بعد عودتهم من عرفة ويجمعون الحصى استعدادا لرمي الجمرات. كما يوجد فيها "يوم النحر" وهو عاشر يوم من ذي الحجة، والذي يُعتبر أعظم أيام الدُنيا، كما روي عن عبد الله بن قُرْط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إنّ أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يومُ النحر، ثم يوم القَرِّ" (رواه أبو داود). كيف نستقبل أيام وليالي الشهر؟ وتعتبر الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة من المواسم التي يضاعف فيها أجر العمل الصالح والعبادة، فهي من مظاهر رحمة الله تعالى بعباده المسلمين، التي تسدّ تقصير المسلم اتجاه ربه، وتكفر سيئاته بالحسنات، تجتمع في هذه الأيام أهمّ العبادات، ولا تجتمع في غيرها، ففيها عبادة الصلاة، وعبادة الصوم، عبادة الصدقة، وعبادة الحج. وفي هذه الأيّام والّليالي تزيد المنح الرّبانيّة على العباد بنزول الرّحمة والسّكينة والنّفحات الإلهيّة، وقد أمر النّبي عليه الصّلاة والسّلام المسلمين بالتّعرض لنفحات الله سبحانه، فرُبّ ساعة إجابة يوافقها العبد المسلم فيستجاب له دعاؤه ويفرّج الله كربه. ففي الحديث الذي رواه الطبراني قال صلى الله عليه وسلم: "إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبداً". ولكل هذا فإننا نستقبل هذه الأيام بالتوبة الصادقة، والابتعاد عن المعاصي، واغتنام هذه الأيام بعمل كل خير نستطيعه. ومن العبادات المستحبّة في العشر الأوائل : أداء فريضة الحج لمن يستطيع، وهذا أفضل ما يقوم به المسلم على الإطلاق. صيام هذه الأيام وخصوصاً يوم عرفة، لما له من فضل كبير عند الله، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، فعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر" - أخرجه النسائي وأبو داود وصححه الألباني. الكثرة من التكبير والتهليل والذكر وقراءة القرآن والدعاء في هذه الأيام، ويستحب أيضاً رفع صوت التكبير في الأماكن العامّة كالأسواق، والطرق والبيوت والمساجد، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد" أخرجه أحمد. الإكثار من عبادات النوافل، كالصلاة والصدقة وصلة الرحم وفض الخلافات أو النزاع. التقرب إلى الله بالأضاحي، اقتداءً بسيدنا إبراهيم عليه السلام. الحرص على أداء صلاة العيد بالمسجد، وحضور الخطبة والاستفادة منها. الشوق للكعبة ومن الحكايات الجميلة التي تعبر عن حب السلف للحج وتعلق قلوبهم ببيت الله، ما ذكر في التاريخ العربي عن الشيخ عبدالرحيم البرعي، وهو واحد من أبرز شيوخ الصوفية ويرجع نسبه إلى الصحابي الجليل الزبير بن العوام، ولد في السودان وكتب الكثير من القصائد في المدح النبوي، وروي أنه في حجته الأخيرة كان مريضاً فأخذوه إلى مكة محمولا على جمل، فلما قطع الصحراء مع الحجاج وأصبح على بعد خمسين ميلا من المدينة هب النسيم رطبا عليلا معطرا برائحة الأماكن المقدسة فازداد شوقه للوصول، لكن المرض أعاقه عن ذلك ومنعه من إكمال رحلته، فحزن كثيرا وبدأ فى إنشاء قصيدة تعبر عن حبه وشوقه لبيت الله، ومع آخر بيت منها لفظ نفسه الأخير.. ويقول فيها : يا راحلين إلى منى بقيادي **** هيجتموا يوم الرحيل فؤادي سرتم وسار دليلكم يا وحشتي *** الشوق أقلقني وصوت الحادي وحرمتموا جفني المنام ببعدكم **** يا ساكنين المنحنى والوادي ويلوح لي مابين زمزم والصفا **** عند المقام سمعت صوت منادي ويقول لي يا نائما جد السُرى **** عرفات تجلو كل قلب صادي من نال من عرفات نظرة ساعة **** نال السرور ونال كل مرادي تالله ما أحلى المبيت على منى****** في ليل عيد أبرك الأعيادي ضحوا ضحاياهم ثم سال دماؤها **** وأنا المتيم قد نحرت فؤادي لبسوا ثياب البيض شارات اللقاء **** وأنا الملوع قد لبست سوادي يا رب أنت وصلتهم صلني بهم **** فبحقهم يا رب فُك قيادي فإذا وصلتم سالمين فبلغوا **** مني السلام أُهيل ذاك الوادي قولوا لهم عبد الرحيم متيم **** ومفارق الأحباب والأولاد صلى عليك الله يا علم الهدى******* ما سار ركب أو ترنم حادي إنشاد الشيخ معاذ زغبي إخراج غادة بهنسي (من تسجيلات أستوديو الأهرام)