► الصلاة والذكر والدعاء وصلة الأرحام وقضاء حوائج الناس أفضل الأعمال كثير من المسلمين يتمنون حج بيت الله الحرام، وأداء المناسك، لينالوا الأجر العظيم والنفع الكبير، إلا أن قلة ذات اليد وعدم الاستطاعة المادية أو البدنية حالت دون ذلك، فتهفو قلوبهم لزيارة بيت الله الحرام، وهم يرون أفواج الحجاج المغادرة لأداء الفريضة، فيصبح حالهم كمن ازداد شوقه للحج فأعاقه المرض فأنشأ قصيدة قائلا: يا راحلين إلى منى بقيادي، هيجتموا يوم الرحيل فؤادى.. يلوح لى مابين زمزم والصفا، عند المقام سمعت صوت منادى.. يقول لى يا نائما جد السُري، عرفات تجلو كل قلب صادى.. من نال من عرفات نظرة ساعة، نال السرور ونال كل مرادى.. تالله ما أحلى المبيت على مني، فى ليل عيد أبرك الأعيادى.. ضحوا ضحاياهم ثم سال دماؤها، وأنا المتيم قد نحرت فؤادى.. والله عز وجل الحكيم الخبير العليم، لا تخفى عليه خافية ومطلع على النيات وما في الضمائر، قد عوض من لا يتسنى له حج بيت الله الحرام أو أداء العمرة، بأفعال وأقوال في مكانه يحصل فيها على أجور عظيمة كمن حج أو اعتمر. وإذا كنت لا تستطيع الحج، وهو الشرط الذي قرنه الله تبارك بالوجوب حين قال جل شأنه: «ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا»، وإذا كنت لا تمتلك ما يفيض عن حاجتك الأساسية لأداء هذه الفريضة الممتعة، ولديك نية صادقة، فأجرك محفوظ، وها هو نبيك صلى الله عليه وسلم، يبشرك، ويطيب خاطرك، ويدلك على أعمال تعدل الحج والعمرة في أجرها حتى يفتح الله لك الأبواب ويشاء لك أن تؤديها. ويقدم علماء الدين مجموعة من النصائح والأحاديث التي رويت عن النبي عليه الصلاة والسلام، لأعمال فيها أجور من حج أو اعتمر، منها بر الوالدين وصلة الأرحام وقضاء حوائج الناس والمداومة على الصلاة والذكر والدعاء وفعل الطاعات، وروي عن أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ عَنْ النَّبِيِ «مَنْ مَشَى إلَى صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَهِيَ كَحَجَّةٍ، وَمَنْ مَشَى إلَى صَلاةِ تَطَوُّعٍ فَهِيَ كَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ» وقوله صلى الله عليه وسلم: «مَن قَضَى لأخِيهِ المسلمِ حاجةً، كان له من الأجرِ كمَن حَجَّ واعْتَمَرَ». (أتَى رجلٌ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فقال: إنِّي أشتَهي الجهادَ ولا أقْدِرُ عليهِ؟ قال: هل بقيَ مِن والدَيكَ أحدٌ؟ قال: أُمِّي قال: فأبْلِ اللهَ فى بِرِّها، فإذا فعلتَ ذلكَ؛ فأنتَ حاجٌّ، ومُعتَمرٌ، ومُجاهدٌ، فإذا رَضِيَتْ عنكَ أُمُّكَ فاتَقِ اللهَ وبِرَّها. ويقول الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن من رحمة الله عز وجل أن جعل قربات متنوعة لها مزيد من الأجر والثواب، فهناك عبادات بدنية كالصلاة والصيام، وهناك عبادات مالية كالزكاة، لكن يمتاز الحج بأنه يجمع بين العبادات البدنية والمالية، وجعل الله تعالى الكثير من القربات والطاعات مثل: الجهاد المشروع في سبيل الله، وإغاثة ذوي الحاجات وقضاء مصالح الناس، فقال تعالى: (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير الناس أنفعهم للناس)، فمن حالت ظروفه المالية أو الصحية دون أداء فريضة الحج فعليه بالإكثار من القربات والطاعات وكلها في الجملة توصل إلى رحمات الله ورضوانه، فهذه ليست بدائل، ولكنها وسائل معينة على تحقيق الثواب، مثل الأذكار الشرعية، بعد أداء فريضة الصبح إلى شروق الشمس، والاعتكاف في المساجد من الفجر حتى الضحى، وكلها وسائل عبادية، تجبر خاطر من عجز عن الحج، وكل واحدة منها مدخل إلى الجنة. الاجتهاد في العشر الأول وأكد الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم العميد السابق لكلية أصول الدين بأسيوط، أن من لم يستطع الحج في تلك الأيام فعليه بالاجتهاد في العبادة في العشر الأول من ذي الحجة, لأنها أيام مفضلة عند الله تعالى، وقد ورد في فضل العبادة والعمل الصالح حديث ابنِ عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما العمل في أيام أفضل منه في عشر ذي الحجة, قالوا: يا رسول الله ولا الجهادُ في سبيل الله ؟ قال: ولا الجهادُ في سبيل الله, إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله في سبيل الله ثم لم يرجع من ذلك بشيء. وقال صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر, فأكثروا فيهن من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، وصيام الأيام التسعة إن كان هناك قدرة على ذلك، وصيام يوم عرفة، وأن فضل هذه الأعمال فيها يفوق الجهاد في سبيل الله تعالي. من فاته الحج وأضاف: إنه يجب على كل مسلم أن يعوض ما فاته من الأعمال الصالحة بأعمال أخرى، فقد قال رجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، يا أمير المؤمنين، فاتتني الصلاة الليلة، فقال له عمر رضي الله عنه، ما فاتك بالليل فصله بالنهار، أي صل مكانه من النوافل، فإن الله تعالى قال: (جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا). ولكي ينال المؤمن الثواب وهو مشتاق للحج ولم يحج، أن يتعرض لنفحات الله في العشر الأول من ذي الحجة، بفعل الطاعات والقربات من الصلاة والصيام والذكر والقرآن وصلة الأرحام وغيرها. وهذه الأيام أقسم الله بلياليها في القرآن، والله لا يقسم إلا بما هو عظيم عنده، قال تعالى: (وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ) هي الليالي العشر الأول من ذي الحجة، هي الليالي التي يفر فيها الناس إلى الله، الحجاج عند بيت ربهم والمسلمون في بلادهم موصولون بالله في هذه الليالي، كما كان الحبيب صلي الله عليه وسلم يفعل. فضل الأضحية من جانبه أوضح الدكتور مأمون مؤنس، رئيس قسم اللغويات بكلية الدراسات الإسلامية ببني سويف، أن من لم يستطع أن يحج بيت الله يستطيع أن ينال الثواب العظيم وأن يأخذ الأجر الكبير من خلال العمل الصالح في العشر الأول من ذي الحجة قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ ألله فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم: (وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ ألله إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ). وذلك من خلال صيام العشر الأول من ذى الحجة إن استطعنا والقيام إذا لم يمنعنا منه مانع وكثرة الذكر حتى إذا ما جاء يوم العيد فرحنا برحمة الله، والذي لا يُقَدَّر له أن يصوم الأيام كلها يرتب نفسه على أن يصوم يوم عرفة وعلى أن يقوم ليلة عرفة وأن يكثر من الذكر، فنحن في أيام وصفها النبي صلي الله عليه وسلم بأنها أيام ذكر وتكبير وتسبيح وتهليل لله تبارك وتعالى. والذي لم يكتب له الحج عليه أن يحسن العمل في هذه الأيام وعليه أن يرتب نفسه لصيام يوم عرفة وقيام ليله لمشاركة الحجاج في الأجر، ويا حبذا لو ضحى، فالأضحية سنة من سنن أبينا إبراهيم عليه السلام، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مُصَلاَّنَا»، وهي سنة مؤكدة، فالنبي صلي الله عليه وسلم لم تمر عليه سنة إلا وضحي وكان يضحي بكبشين أملحين سمينين، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ ضَحَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم- بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صافحهما يُسَمِّى وَيُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُمَا. فإذا ضحيت فضحِ ونفسك طيبة وأنت راغب فيما عند ألله، فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلاَفِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا».