تم أمس، القبض على رئيس حي الهرم متلبسًا بالصوت والصورة خلال تقاضيه مبلغ الرشوة داخل مكتبه بحي الهرم، واقتيد إلى مبنى الرقابة الإدارية لتحرير محضر الضبط تمهيدًا لإحالته إلى النيابة التي ستتولى التحقيق، وكانت الرقابة الإدارية قد حصلت على إذن من النيابة بالقبض على المتهم وتسجيل مكالمات له تتضمن واقعة الرشوة. وكان رئيس الحي قد طلب وأخذ مبالغ مالية على سبيل الرشوة من أحد أصحاب شركات المقاولات الخاصة، مقابل تسهيل إجراءات عدم تغريم الشركة مبالغ مالية كبيرة بسبب مخالفات في إنشاء عدد من المباني بالمحافظة. وبذلك فقد تم الكشف عن حلقة جديدة من سلسلة الفساد الطويلة، فقد تمكنت هيئة الرقابة الإدارية، من القبض على رئيس حي الدقي، متلبسا بتقاضي رشوة مالية ووحدة سكنية في منطقة المهندسين تقدر قيمتها بمليونى جنيه، مقابل الإخلال بواجبات وظيفته. وسبق للرقابة الإدارية، فى 2017، القبض على رئيس حي الرحاب، بجهاز مدينة القاهرة الجديدة، ومدير إدارة الشئون القانونية بمدينة الرحاب، متلبسين بتقاضي رشوة من أحد المقاولين مقابل إنهاء ترخيص عقار، وفى العام نفسه أعلنت عن سقوط رئيس حي الموسكي في أثناء تقاضيه رشوة بمكتبه من أحد تجار المنطقة ليمنحه ترخيصًا لممارسة نشاط تجارة الملابس، وأيضًا عن سقوط رئيس الحي الأول بأكتوبر بتهمة الرشوة من أصحاب العقارات نظير التغاضي عن تحرير مخالفات تتعلق بأعمال الترميم، كما تم القبض على رئيس حي روض الفرج، بتهمة تقاضي رشوة من أحد المقاولين. لقد بلغت حصيلة الأموال التي تم إهدارها على الدولة في النصف الأول من العام الماضي494 مليون جنيه، خلال فترة 6 أشهر فقط، بحسب تقرير «ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان» الذي أصدره عن فساد المحليات، وجاءت محافظة الجيزة في المرتبة الأولى منه ثم القاهرةوالإسكندرية والغربية على الترتيب. وإذا تركنا رؤساء الأحياء، حتى لا نقول إن الفساد فى المحليات فقط، فقد كانت هناك العديد من قضايا الرشوة الشهيرة القريبة، منها القبض على مسئول بإحدى شركات البترول لتقاضيه رشوة مالية مقابل تعيين أحد الأشخاص بمدينة نصر، وضبط مدير العلاج الحر بالإدارة الصحية بالقناطر الخيرية خلال تقاضيه رشوة مقابل التلاعب في تراخيص والتغاضي عن مخالفات بأحد المستشفيات الخاصة، وضبط رئيس شركة مياه الشرب بالجيزة، خلال تقاضيه رشوة لإسناد عمليات لشركات بالأمر المباشر؛ دون إجراء مناقصات على تلك الأعمال، ثم القبض على 4 مسئولين بوزارة التموين لحصولهم على رشوة من موردي سلع غذائية؛ مقابل إرساء عطاءات عليهم بالمخالفة للقانون، وقضية مستشار وزير الصحة السابق. أما أشهر أربع قضايا رشوة فكانت لرئيس مصلحة الجمارك، ونائبة محافظ الإسكندرية السابقة، ومحافظ المنوفية السابق، ووزير الزراعة الأسبق، وهى قضايا من الشهرة، مالا تحتاج معه إلى تذكير القارئ بتفاصيلها المخزية. وإذا كان خبراء الجريمة، دائمًا ما يقدرون حجم القضايا التى يتم الإمساك بمجرميها بنحو 10% فقط، فإن حجم الفساد، يكون قد فاق الحدود، ولعل هذا ما دفع الرئيس السيسي إلى أن يقول خلال فعاليات المؤتمر الوطني السادس للشباب، إن الفساد يحارب بمنظومة كاملة، وإنه يدعم هيئة الرقابة الإدارية في كل إجراءاتها. وإذا حاولنا أن نقرأ بعض ملامح هذه القضايا، فنلاحظ: أولا: أن قضايا الرشوة، أصبحت مرتبطة بكبار المناصب من رؤساء أحياء إلى رؤساء هيئات، لتصل إلى درجة المحافظين والوزراء، وهما أعلى منصب سياسي يمكن أن يصل إليه المسئول فى مصر، ولم تعد قضايا الرشوة أو الفساد مرتبطة بصغار الموظفين كما كنا نسمع قديما. وبالتالى فقد أصبح حجم الرشاوى كبيرًا، وقد يصل إلى عشرات الملايين، كما حدث مع محافظ المنوفية السابق. ثانيًا: إن قضايا الرشوة هذه لم تكن لموظف فقير، لا يكفيه دخله، فيضطر إلى أن يمد يده ليستطيع أن يعيش، بل إن كثيرًا من الفاسدين والمرتشين، من الأغنياء فعلا سواء بحكم وظائفهم ومناصبهم أو لدخولهم المرتفعة، وأنه إذا اكتفى بالحلال فإنه كان يكفيه وزيادة، ولكنه الطمع وحب المال، وعمى القلب، الذي يسول له دائمًا أن "البحر بيحب الزيادة". ثالثًا: إن هناك خللا في فكر هؤلاء المرتشين، فنائبة محافظ الإسكندرية السابقة، طلبت من ضمن الرشاوى نفقات أداء فريضة الحج، بينما كان من ضمن رشاوى وزير الزراعة الأسبق تأشيرات حج وعمرة، أما فى رشوة وزارة التموين، فقد استعجل مرتكبوها الوقت لأنهم كانوا يستعدون لعمل "عمرة"، فكيف لهؤلاء أن يظنوا أن الله سيقبل منهم عمرة وحجًا بمال حرام؟ فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا. أخيرًا: لاشك أن هناك جهودًا جبارة لهيئة الرقابة الإدارية في قضايا الرشوة التي تم ضبطها في وضع التلبس، وهو ما يُثبت أن الهيئة تعمل على جمع كافة أدلة الإدانة خلال ضبط المتهم وقبل الإعلان عن القضية، خاصة أنه لا يوجد دليل إدانة أقوى من حالة التلبس، وأنها لا تتستر على المرتشين مهما بلغت مناصبهم.