عذاب وزحام ووقوف بالساعات وقسوة في معاملة المواطنين وشكل غير آدمي حول مكاتب البريد في مختلف المناطق، يعيش آلاف من المواطنين في رحلة من العذاب بشكل يومي سواء من أصحاب المعاشات أو الخدمات البريدية كالحصول على بيان نجاح أو حوالات أو طوابع بريدية، فأصبح التزاحم والتدافع البشري والاشتباكات أمرا معتادا في مكاتب البريد. الطوابير تمتد لأمتار تحت أشعة الشمس الحارقة تمتلئ بوجوه شاحبة يبدو عليها التعب والإرهاق خاصة كبار السن منهم، ورصدت "بوابة الأهرام" خلال جولتها في مختلف مكاتب البريد المعاناة التي يعيشها المترددون من أصحاب المعاشات والخدمات البريدية وسط الزحام والأصوات العالية الناشبة من المشاجرات والجو الحار وقسوة معاملة الموظفين للمواطنين. في مساحة يبلغ عرضها أكثر من 4 أمتار يجلس الموظفون بكل أريحية يأكلون ويشربون بجانب تأدية عملهم الذي من الممكن أن يتعطل حتى ينتهوا من ذلك الأمر، والمراوح مسلطة عليهم فقط والمكيفات معطلة، لا يشعرون بالمواطنين المتواجدين في الجانب الآخر الذي لا يتعدى عرضه مترين المخصص لوقوف المواطنين أمام الشبابيك ولا يكفيهم فيضطرون إلى حجز أدوارهم والانتظار في الخارج أو الجلوس على الأرصفة المحيطة بالمكتب، مكان مليء بالقمامة والعديد من الأكياس المليئة بالأوراق الملقاة على الأرض يقف عليها المواطنون لعدم وجود مكان للوقوف غيرها، كما تجد شباكًا حديديًا كبير الحجم ملقى على الأرض يقف عليه البعض، هذا هو الحال في مكتب البريد غير الآدمي بمنطقة المطرية. بوجه يبدو عليه التعب والإرهاق وبيد مرتعشة وعيون مليئة بالدموع، جلست "أمينة فهمي" 65 عاما، بعد أن أتعبها الانتظار على أحد الأرصفة المقابلة لمكتب البريد لعدم وجود مقاعد في المكتب منتظرة دورها للحصول على المعاش الذي تنتظره في اليوم الخامس من كل شهر، قالت "بقالي أسبوع أحضر يوميا علشان آخد المعاش بتاعي وكل مرة يقولوا لسه مطلعش أو السيستم عطلان أو أي حاجة، وأنا بستنى المعاش من أول يوم في الشهر علشان أعرف أعيش، وهما بيطلعوا عيني لحد ما أخده، ومرات ابني قعدت أكتر من أسبوعين علشان تعرف تاخد طوابع بريد لتحويل ابنها لمدرسة تانية، وتمنت وهي تبكي "نفسي أجي في مرة آخد المعاش ومتبهدلش البهدلة دي ومقعدش في الشارع". "السيستم واقع" الجملة القصيرة المعتاد قولها من الموظفين بسبب الزحام، والتي تماثل إطلاق طلقة نارية في أوجه المواطنين المنتظرين في الطابور الطويل، هذه الجملة التي قالها أحد الموظفين ل "سعاد إبراهيم" موظفة، تريد استخراج بيان نجاح لابنتها، وشعرت بالحيرة والصدمة بهذه الجملة وقالت "بقالي أكتر من ساعة واقفة في الطابور وفي الحر وفي الآخر يقولوا لي السيستم واقع، هو من إمتى أصلا السيستم مش بيكون واقع أو يقولوا إن في أي مشكلة، وبسبب كده هضطر أقدم على طلب أجازة تاني بكره علشان أجي وأعرف أخد بيان النجاح لبنتي، المشكلة لو طلع السيستم لسه واقع". وبجانبها سيدة أخرى خرجت من المكتب وهي تحسبن وتدعي على الموظفين، لأن الموظفة رفضت أن تعطيها طابعا لتحويل ابنتها لمدرسة أخرى، قائلة لها "هاتي ورقة من المدرسة يقوله عايزين طابع بريد بكام، وبعد أن شرحت لها "عفاف محمد" عن الطابع التي تريده والمدرسة التي تريد نقل ابنتها منها والمدرسة التي تتجه إليها، رفضت الموظفة إعطاءها بحجة إنها عايزة الورقة من المدرسة التي تفيد بالطابع التي تريده وعن سعره. وقالت عفاف محمد ربة منزل " المشكلة إني قولتلها أنا عايزه إيه بالضبط بس هي رافضة تسمع أو تفهم وزعقت ومصممة إني أجيب الورقة من المدرسة وأرجع تاني علشان تعرف أخد الطابع اللي ب 15 وله 20 جنيها، ولو روحت المدرسة مش هلحق البريد هيكون قفل وبكده أرجع تاني يوم لنفس الموضوع". وأثناء التجول نشبت أكثر من مشاجرة بين أحد الموظفين والمواطنين، من بينهم مشاجرة بسبب قيام أحد المواطنين بتغيير مكان دوره بالطابور وإصرار الموظفة على عودته لنهاية الطابور مرة أخرى ومن هنا نشبت المشاجرة وارتفعت الأصوات بينهم، وسرد "عادل فوزي" سبب المشاجرة قائلا " قمت بتغيير مكاني والوقوف في الأمام بعد أن اعتذرت وحصلت على إذن من المواطنين الذين يقفون بالطابور نظرا لتأخري على عملي، بالرغم من أنني استأذنت الناس إلا أنها كانت مصرة على أن أعود لآخر الطابور، وضحت لها أن الناس ليس لديهم مشكلة وأعرب الأشخاص عن موافقتهم للوقوف في الأمام ومع ذلك فهي ترفض ورفعت صوتها وتعاملت بأسلوب غير لائق، ولم تعدل من أسلوبها إلا بعد أن رأت الكارنيه الذي يوضح أنني عضو في لجنة تقصي الحقائق بمنظمة حقوق الإنسان، فسكتت وقامت بإعطائي العدد الذي أريده من الطوابع، وأنهى حديثه قائلا أنا ممكن أوديهم في داهية". ونشبت مشادة أخرى بين موظف وسيدة انتهت بخروجها وهي تحسبن وتدعي على الموظف، وروت السيدة التي رفضت ذكر اسمها عن سبب المشادة التي حدثت قائلة " إنها تريد أن تنقل زوجة خالها من مستشفى الدمرداش إلى مستشفى خاص نظرا لأن وضعها صعب وتحتاج لإجراء عملية لأن لديها خراجا في المخ، لذلك فإن زوجة خالها قامت بعمل توكيل عام للمعاش لسحبه، حيث يوجد لديها 50 ألف جنيه في البريد، وذلك لكي يتوفر المال الذي يجعلها تنتقل من المستشفى، وجيت بالتوكيل طلبوا كذا إمضاء وختم، وبعد أن قمت بها رفضوا استخراج المعاش لها، بحجة أنه يجب أن تكون السيدة صاحبة الأمر متواجدة ومن هنا بدأت المشاجرة، حيث أن السيدة مريضة ولا يمكن إخراجها من المستشفى، فطالب بأن تقول بعمل إقرار لها مع أن التوكيل كافٍ لسحب المعاش وسليم، ومع ذلك رفض وأصر على طلبه مما يأخر من نقل زوجة خالها من المستشفى كما يؤجل إجراء العملية، وأنهت حديثها "معندهمش رحمة ولا ضمير". ولم يختلف الوضع في مكتب بريد زهراء عين شمس، من التزاحم الشديد والمشاجرات وتعطيل مصالح المواطنين من جانب الموظفين بجانب قسوة المعاملة المعتادة للمواطنين المترددين على المكتب، وخلال التجول بمكتب البريد، رصدت "بوابة الأهرام" شكاوي المواطنين. قالت منال محمد 60 عامًا، "إحنا في عذاب ومعاناة دائما، ففي عز الحر نتكدس بالمئات في صالة المكتب، أو في الشارع بسبب امتلاء الصالة بالناس، ويحدث الكثير من المشاجرات والمشادات للوصول إلى الشباك، وأنا ست كبيرة ومبقدرش أقف والجو صعب مافيش كرسي أعرف أقعد عليه، وكتير بيحصل إغماءات بسبب التزاحم والوقوف في الشمس لفترة طويلة، والمشكلة أنه بسبب الزحمة أوقات مبعرفش آخد المعاش والبريد يقفل ولازم أجي يوم تاني أقف نفس الوقفة، إحنا اتعودنا على البهدلة في البريد" اتفق معها الحاج محمد على 70 عامًا، الذي وصف الذهاب لمكتب البريد ب "رحلة المرمطة"، حيث قال "الناس بتفضل واقفه بالساعات على رجلها في عز الحر، والكثير يضطر أن يقف في الشارع بسبب التزاحم داخل المكتب، الي بيقف بره بيعاني واللي جوه الله يكون في عونه، المراوح والمكيفات تعمل للموظفين فقط، الجو جوه محدش يقدر يستحمله نص ساعة، أنا بأجي مبقدرش أقف علشان آخد المعاش بتاعي لازم أستنى ساعات لحد ما يجي دوري، وأوقات يقولوا الجهاز مهنج ومعرفش أقبض ومش عارف آخرتها إيه من المرمطة الشهرية دي". ويختلف الأمر في مكتب بريد "سراي القبة" قليلا، حيث إنه بالرغم من التزاحم الشديد إلا أنه يتم العمل بشكل أسرع قليلا من المكاتب الأخرى، والمكان مكيف وبه العديد من المقاعد للانتظار والتعامل بالكمبيوتر في حجز الأدوار والخدمات البريدية لسهولة الحركة، فيقول محسن بدر موظف، أن مكتب البريد جيد إلى حد ما، ولكن في بعض الأوقات تحدث مشكلة بسبب تعطل الأجهزة التي تتسبب في تعطيل المواطنين لكن قليلا ما يحدث ذلك، لافتا أنه يضطر في بعض الأوقات إلى الوقوف والانتظار بالشارع بسبب التزاحم نظرا لصغر حجم المكان، ولكن هناك نسبة من السرعة في إنهاء الخدمة، مطالبا بتطوير كافة مكاتب البريد والعمل بشكل أسرع وتوفير عدد أكبر من الموظفين وتوسيع أماكن البريد حتى لا تحدث مثل هذه التكدسات وتوعيتهم بكيفية معاملة المواطنين بشكل أحسن من هذا . معاناة المواطنين بمكاتب البريد معاناة المواطنين بمكاتب البريد معاناة المواطنين بمكاتب البريد معاناة المواطنين بمكاتب البريد معاناة المواطنين بمكاتب البريد معاناة المواطنين بمكاتب البريد معاناة المواطنين بمكاتب البريد معاناة المواطنين بمكاتب البريد معاناة المواطنين بمكاتب البريد معاناة المواطنين بمكاتب البريد معاناة المواطنين بمكاتب البريد