بالأمس كنت فى طريق عملى، ثم لفت نظري أن رأيت سيارة جديدة تمر إلى جانبي وصاحبها يعلق عليها حذاء طفل رضيع رغم وجاهته – صاحب السيارة - التى يبدو عليها، فلما ياترى يفعل هذا .. دعونا نتعرف فى هذا المقال على أبرز الوسائل التى نعتقد فيها للتصدى للحسد. الشعب المصرى من بين الشعوب التى تعشق تقديس العادات والتقاليد التى لم يكن لها مصدر أو مغزى منطقى محدد، وعلى الرغم من مرور الزمن إلا أننا نتوارثها ونورثها جيلا بعد جيل. "الحسد مذكور في القرآن".. "العين فلقت الحجر" .. هذا ما يقابلك به أحدهم. الخرزة الزرقاء، والخمسة وخميسة، على هيئة "كف"، و"الشبشب" القديم، وحدوة الحصان، لا يخلو منها منزل أو سيارة، أو أي شيء قَيِم، حماية له من الحسد الذي قد يناله. وكذلك تسمية الأولاد بأسماء قبيحة للغاية مثل "أبو شوال"، "خيشة"، "مدمس"، "بلية"، "شحاتة" و"مشحوت"، اعتقادا من الآباء بأنه في حال تسمية وليدهم بهذا الاسم سيعيش فترة أطول، وأحيانا تقوم الأمهات ببعض العادات غير الشائعة لوقاية الأبناء من شر الحسد أو الموت كأن تقوم الأم باختيار ملابس بنات للابن الولد، البصق على الأشياء، حرق اسم الحاسد، جميعها أساليب برعنا فى اللجوء إليها وتداولها على اعتبار أننا بذلك نحفظ أنفسنا من العين أو الحسد. "الحسد".. كلمة تثير فى نفوسنا كل الخوف والقلق، ويُعد الحسد عدوا أساسيا للغالبية العظمى منا، فنحن نحمِّله مسئولية كل ما يواجهنا من متاعب وأمراض وخسائر مادية وبشرية حتى لو كانت لها أسباب مادية معروفة وواضحة، ودفعنا هذا الخوف إلى استخدام وسائل متعددة للتصدى للحسد: فمنا من استخدم وسائل شرعية مثل الاستعاذة بالله والأدعية والآيات القرآنية، بينما لجأ آخرون إلى استخدام وسائل بعيدة عن المعتقدات الدينية. فحتى الآن إذا شعرت أسرة بأنها محسودة فلا مانع من ذبح خروف من أجل إغماس أيديهم فى الدم وتلطيخ الكفوف على حوائط المنزل لإبعاد عين الحسود. ومن بين تلك الوسائل أيضا ما يسمى ب"عروسة الحسد" وهى عبارة عن ورقة يتم قصها على هيئة عروسة بوجه وذراعين وساقين تُتخذ كرمز للحاسد، ويمسك شخص بإبرة خياطة ويأخذ فى تخريم العروسة، ويعتبر أن كل ثقب هو "خزق" لعين الحسود، فيقول مع كل "خرم": من عين فلان ويذكر اسم من يظن أنه الحاسد، وهكذا حتى تمتلئ العروس الورقية تماما بالثقوب، فيختم بالقول: "ومن عين اللى شافوك ولا صلوا على النبي".. ثم يتم حرق العروسة بعد "تخزيق" العيون، لينتهى بذلك –فى ظنه- مفعول الحسد. بعض المناطق الشعيبة تكون الطقوس أكثر تعقيدا، فيستخدمون العروسة فى عمل بخور للمحسود مع الملح، وبعدها يمر عليها المحسود سبع مرات بعدد أيام الأسبوع المحتمل وقوع الحسد فيها، وتقوم الراقية أو أى شخص من أهل المحسود بعد ذلك بجمع قدر من القش من أمام سبعة بيوت تحيط ببيت المحسود قبل غروب الشمس، دون أن تكلم أحدا أثناء ذهابه وعودته، ثم تقوم بحرقه بعدها مع عروسة الحسد. كما أن البخور من الأشياء التى تساعد على الوقاية من العين والحسد، وقد عرف البخور منذ أيام الفراعنة، ويعتبر واقيًا من العين والحسد وجالب للخير والبركة. وبعيدا عن استخدام "الملح" لضبط مذاق الطعام، الغرض الذى خلق الملح لأجله، كان لنا رأى واستخدامات أخرى، فاستكمالا لسلسلة الخزعبلات والعادات والتقاليد مجهولة المصدر، استخدم الملح لعلاج الحسد والأرواح الشريرة، كما أن رش قليل من الملح ونثره على الجانب الأيسر يساعده على التخلص من النحس والسحر ونثره على الجانب الأيمن يجلب مزيدا من الشر، ورش الملح من الموروثات الفرعونية، حيث اشتهر الفراعنة بوضع الملح في أركان القبور والمنزل بغرض طرد الأرواح الشريرة التي تؤذي الأموات والأحياء على حد سواء. ومهما كانت أصول كل هذه المعتقدات والعادات والتقاليد فإنها تبقى عادات شعبية مصرية خالصة، تضرب بجذورها فى تاريخ المعتقدات الشعبية وتمتد - بهيأتها الحالية- إلى أجيال عديدة سبقت، وقد استمرت وعاشت وصمدت لقرون طويلة رغم ما بها من طقوس هى أبعد ما تكون عن المعتقدات الدينية الصحيحة أو التفكير العلمى الحديث.