سعر الذهب اليوم بمستهل التعاملات المسائية.. عيار 21 بين 4590-4600 جنيه    روسيا: نأمل أن تتعامل الحكومة الأوكرانية بجدية مع مفاوضات إسطنبول    ماكرون يهدد الصين بتوسيع تواجد "الناتو" في آسيا    تامر حسني عن بسمة بوسيل: «دي بنتي.. وأموت نفسي ولا أزعلها» (فيديو)    بعد إعلان القرعة.. منتخب الشباب يبدأ الاستعداد لكأس العالم    الداخلية تضبط المتهم بالنصب على المواطنين بزعم العلاج الروحانى بالإسكندرية    شعبة مواد البناء: أسعار الأسمنت ارتفعت 100% رغم ضعف الطلب    فتح باب التقدم والحجز إلكترونيًا عبر منصة مصر الصناعية الرقمية خلال الفترة من 1 إلى 15 يونيو 2025    وفد من جامعة نوتنغهام يشيد بالإمكانيات العلمية لجامعة المنصورة الجديدة    «أوقاف الدقهلية» تفتتح مسجدين وتنظم مقارئ ولقاءات دعوية للنشء    فرنسا: الاعتراف بدولة فلسطينية واجب أخلاقي ومطلب سياسي    محافظ الشرقية يستقبل مفتي الجمهورية بمكتبه بالديوان العام    «عشان زيزو يسافر» خالد بيبو مفاجأة بشأن موعد نهائي كأس مصر.. وعبد الواحد السيد يرد    الأحد.. مجلس الشيوخ يناقش الأثر التشريعي لقانون التأمين الصحي والضريبة على العقارات المبنية    محافظة الجيزة تنهي استعداداتها لاستقبال امتحانات نهاية العام الدراسي للشهادة الإعدادية    الرقابة المالية تجدد تحذيرها للمواطنين بعدم التعامل مع جهات غير مرخصة بما يعرضهم لمخاطر مالية جسيمة    فى ليلة ساحرة.. مروة ناجى تبدع وتستحضر روح أم كلثوم على خشبة مسرح أخر حفلاتها قبل 50 عام    الليلة.. مهرجان القاهرة للسينما الفرنكوفونية يختتم دورته الخامسة بتكريم اسم الراحل بشير الديك والمؤرخ محمود قاسم والنجمة شيرى عادل    المنطقة الشمالية العسكرية تستكمل تنفيذ حملة " بلدك معاك " لدعم الأسر الأولى بالرعاية    حسن حسني.. «القشاش» الذي صنع البهجة وبصم في كل الفنون    مفتى السعودية: أداء الحج دون تصريح مخالفة شرعية جسيمة    قافلة طبية مجانية بقرية البرشا بملوي تقدم خدمات لأكثر من 1147 حالة    أسامة نبيه: أثق في قدرتنا على تحقيق أداء يليق باسم مصر في كأس العالم    8 مصابين في تصادم سيارتين أعلى محور 26 يوليو    خطيب المسجد الحرام: الحج بلا تصريح أذية للمسلمين والعشر الأوائل خير أيام العام    السيسي يؤكد التزام مصر بالحفاظ على المكانة الدينية لدير سانت كاترين    في لفتة إنسانية.. بعثة القرعة تعيد متعلقات حاجة فقدتها في الحرم    حكم من شرب أو أكل ناسيا فى نهار عرفة؟.. دار الإفتاء تجيب    الإفتاء تحذر: الأضحية المريضة والمَعِيْبَة لا تجزئ عن المضحي    4 وفيات و21 مصابا بحادث انقلاب أتوبيس بمركز السادات    ترامب يتحدّى أوامر القضاء.. وواشنطن تُخفي الأزمة الدستورية تحت عباءة القانون    108 ساحة صلاة عيد الأضحى.. أوقاف الإسماعيلية تعلن عن الأماكن المخصصة للصلاة    دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة لتيسير الأمور وقضاء الحوائج.. ردده الآن    1800 كرتونة لحوم ومواشي.. كيف تستعد مديرية التموين في جنوب سيناء لعيد الأضحى؟    تحرير 146 مخالفة للمحلات التي لم تلتزم بقرار الغلق    ليلة في حب وردة وبليغ حمدي.. «الأوبرا» تحتفي بروائع زمن الفن الجميل    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد الشهيد بالقليوبية    كأس العالم للأندية.. ريال مدريد يعلن رسميا ضم أرنولد قادما من ليفربول    الرئيس اللبنانى يزور العراق الأحد المقبل    تعرف على إيرادات فيلم ريستارت في أول أيام عرضه    طهران: تقرير الاستخبارات النمساوية المشكك في سلمية برنامجنا النووي كاذب    نائب وزير الصحة يتفقد عددا من المنشآت الصحية فى البحر الأحمر    رئيس هيئة الاعتماد والرقابة الصحية يستقبل وفد اتحاد المستشفيات العربية    رئيسة المجلس القومي للمرأة تلتقي الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر    بحضور محافظ القاهرة.. احتفالية كبرى لإحياء مسار رحلة العائلة المقدسة بكنائس زويلة الأثرية    ريا أبي راشد: أجريت مقابلة تلفزيونية مع مات ديمون بعد ولادة ابنتي بيومين فقط    حملة للتبرع بالدم بمديرية أمن البحر الأحمر    وزير الإسكان: بدء إرسال رسائل نصية SMS للمتقدمين ضمن "سكن لكل المصريين 5 " بنتيجة ترتيب الأولويات    بنيامين نتنياهو يدخل غرفة العمليات.. ومسؤول آخر يتولى إدارة إسرائيل    مصرع وإصابة 4 أشخاص في حادث تصادم بطريق مصر السويس الصحراوي    «عانت بشدة لمدة سنة».. سبب وفاة الفنانة سارة الغامدي    3 ساعات حذِرة .. تحذير بشأن حالة الطقس اليوم : «شغلوا الكشافات»    موعد مباراة الاتحاد والقادسية في نهائي كأس خادم الحرمين والقنوات الناقلة    «اعتذرتله».. ياسر إبراهيم يكشف كواليس خناقته الشهيرة مع نجم الزمالك    "فوز إنتر ميامي وتعادل الإسماعيلي".. نتائج مباريات أمس الخميس 29 مايو    «مالوش طلبات مالية».. إبراهيم عبد الجواد يكشف اقتراب الزمالك من ضم صفقة سوبر    نجاحات متعددة.. قفزات مصرية في المؤشرات العالمية للاقتصاد والتنمية    تقارير: أرسنال يقترب من تجديد عقد ساليبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عروسة وحصان
نشر في بوابة الأهرام يوم 05 - 12 - 2017

على وقع أقدام حصانى، التى لم أسمع نقرها حتى الآن، ومن فوق صهوته، التى لم أمتطها يومًا، وعلى دقات قلب عروس، ما رأيتها يًوما تجلس الى جوار عريسها، كانت تحملنا أقدام غضة عفيفة.. طاهرة المقصد والمسعى، لنطوف دروب بلدتنا وأزقتها خلف (عم عبده) بائع حلوى المولد.
كان عم عبده يدفع أمامه عربة خشبية متهالكة، تدب قدماه على الأرض من خلفها دبيبًا رتيبًا هادئًا، وتصدر عجلاتها، على لحن خطاه، صريرًا متقطعًا من أروع سيمفونيات الزمن الجميل، وقت أن كان يتراقص عليها حصانى، وتتمايل عليها العروس، التى كانت تضمها شقيقتى الصغرى بين أحضاني.
وحينًا فحينًا، كان عم عبده يتوقف بعربته قليلًا، ثم يرفع كفيه إلى خلف أذنيه، وينادى بصوت عالٍ شجى طويل (حلاوة زمان)، ملوحًا بوجهه، موزعًا نداءه على الخلائق يمينًا ويسارًا، لنلتف نحن من حوله بنينًا وبنات، مرددين من خلفه فى كورال طفولى برئ، وبألسنة مازالت على فطرة الله: (عروسة - حصان).
عندها يرفع الولد منّا حصانه، والبنت عروستها إلى أعلى، ليؤكد كل منّا لرفاقه أن الأغنية ما كتبت إلا لحصانه الذى يمتطيه فارس مغوار، أو لعروستها التى تزينت وتجملت، وكأنها إحدى حوريات الجنة، وكنّا مع كل وقفة من وقفات عم عبده، يسرع منّا من أنفق كل نقوده إلى بيته، فيعود بقرش أو قرشين آخرين، ليشترى واحدًا من تلك الطراطير زاهية الألوان، وقد رصها عم عبده هى الأخرى رصات مغريات.
بدأ يداعب النسيم قصاصات ورقية مزخرفة، تتدلى منها، فتصدر شخللات تشاغل عيوننا البريئة، وتراقص قلوبنا خضرًا بين جوانحنا، فمنّا من كان يعود، والفرح يتقافز فى عينيه، ومنّا من كان يعود بدموع ضارعة إلى الله أن يرزق أهليهم.
كبر الولد منّا وصار رجلًا، تزوج عروسًا، غير التى كانت فى يد أخته، أو التى ما زالت فوق عربة عم عبده، تلك العروس التى كنا نراها ملء السمع والبصر، كنا نراها أجمل ما وقع عليه اختيارنا وقتها، ولم لا ؟! وهى الأولى التى ليس قبلها، والأخيرة التى ليس بعدها فى الجمال، الذى كنا نبصره بعيون قانعة غير طامعة.. ولم لا ؟! وهى التى كلما سمحت لى أختى بتذوقها، وجدتها حلوة المذاق.
وكبرت البنت أيضًا، وصارت زوجة، وما حظيت بفارس أحلامها، الذى كان يمتطى حصان أخيها، مرتديًا زى فارس مقدام.. ممسكًا بزمام حصانه فى إباءٍ وشمم، ذلك الفارس الذى تفتحت أنوثتها على طيفه، وراحت تتأمله، وتأمله.. وقت أن كان يوقفه أخوها على الأرض، ويهزه أمامها، وكأنه يكر ويفر فى ميدان قلبها، وفى ساحة وجدانها.
صار الولد أبًّا، ماعاد المذاق الحلو يرطب فمه، بعد أن جف حلقه جفاف أيام جدبى، لا تعرف اللين، دارت فوق جسده طاحونة الحياة لتهرس عظامه بين فكيها، وقد أخفت الهموم من ذاكرته تلك العروس، التى كان يظن أنها ستبقى جميلة حلوة المذاق مدى الحياة.
وصارت البنت أمًّا بكل أعباء الكلمة وأحمالها، ذهب عنها فارس الأحلام، الذى رسمته براءة الطفولة يومًا فى عينيها.. حل مكانه أب كادح مكافح، يسعى على قوت عياله ليل نهار، فقد أبلاه الزمن، وأذرى به الدهر، و ما عاد ممشوق القوام كما كان، بعد أن انخلع عنه زى الفرسان، وألبسته الدنيا ثوب الشقاء والمعاناة، فبالكاد كان الرجل يحسن هندامه.
بقى فى صدرى طفل، كبرت أنا، وهذا الطفل لم يكبر.. كبرت أختى، وطفلتها لم تكبر.. بقى الطفل فى صدرى يعادينى.. يقاضينى.. يساءلنى فى غضب ودهشة : لماذا أخرجته من موكب عم عبده، وجئت به إلى هنا ؟! رفض الطفل أن يرافقنى.. سحب يده من يدى، واستدار عائدًا للخلف.. ما راقه من الدنيا ضجيجها، ولاصراع أهلها.. فهذا يقاتل كى يمتلك مساحات أوسع من الأرض، وهذا يحارب ليكمل بناء عماراته الشاهقة، وهذا يلهث خلف الزمن ليزيد من مدخراته البنكية.. عاد الطفل يطوي بساقيه أرضًا واسعة.. يتسلل من بين عمارات شاهقة.. عاد، وكل أمله أن يكون والده قد رزقه الله بقرش، أو قرشين، يشتري بها طرطورًا مزينًا، أسوة برفاقه عاد باكيًا، وقد اهتزت الدنيا أمام دموعه، وتضاءلت.
يتلفت الطفل يمينًا ويسارًا. يبحث عن الطفلة التى سمعها تناديه من صدر أخته. وجدها. أمسك بيدها. سألته فى براءة : "أخي.. أين حصانك وأين عروستي؟!".. قال: "سنبحث عنهما حيث تركناهما.. فى حارتنا.. فى بيتنا.. حيث كان يقف عم عبده بعربته.. عدت أنا وأختى الى الماضى مسرعين، لأنظر إلى الدنيا بعين الفارس الأحمر، ولتنظر أختى إليها بعين العروس الجميلة، ولنلحق من جديد بموكب عم عبده بائع الحلوى، لنطوف معه دروب البلدة، وأزقتها.. مصفقين بكفوف رقيقة كأوراق الشجر.. مرددين على رجع صوته، وبألسنة بريئة، أنشودة الأمل، وأغنية الزمن الجميل لحلوى المولد النبوى الشريف: "حلاوة زمان.. عروسة حصان.. وآن الأوان... تدوق يا وله"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.