فجأة تحولت العمرانية المنطقة الهادئة الآمنة، التي يعيش فيها المسلمون والمسيحيون حياة هادئة كغيرها من مناطق مصر إلى ثكنة عسكرية، يتبادل فيها المسيحيون ورجال الشرطة الضرب وإلقاء الحجارة وزجاجات المولوتوف بل وحتى القنابل المسيلة للدموع والطلقات المطاطية.. كل هذا بسبب خلاف على بناء كنيسة لم ينته التصريح ببنائها وبسبب عدم الاقتناع وغياب القدرة أيضًا على الإقناع، اشتعلت الأوضاع مخلفة عشرات الضحايا من المصابين من رجال الشرطة والمتظاهرين، ووقع شاب صريعا ليكون ضحية الأسلوب الخاطئ للتعبير عن الرأى وفرض وجهة النظر. وبرغم الجوانب السوداء التي تمتلأ بها أحداث العمرانية إلا أنه توجد بها بادرة أمل واحدة أكدها المتظاهرون قبل المؤيدين لهم وأيضًا المستنكرون لموقفهم، ألا وهي أن الأحداث لا تتعلق بالفتنة الطائفية من قريب أو من بعيد، بل هى أحداث أحكمتها وقادتها بعض العناصر المسيحية تجاه قوات الشرطة لخطأ فى المفهوم بشأن الموافقة على تطوير مبنى للخدمات المسيحية وتحويله إلى كنيسة. اشتعال الأحداث في العمرانية بدأ بعدما التقى المهندس سيد عبدالعزيز محافظ الجيزة أمس الثلاثاء بعدد من القساوسة، وأكد لهم عدم ممانعته لبناء الكنيسة، بشرط أن يتم تعديل الرسومات الهندسية الخاصة بها، وتمَّ الاتفاق على التعديل والبناء في وقت لاحق، إلا أنه فوجئ صباح اليوم الأربعاء باندلاع شرارة الغضب التي تحولت إلى تراشق بالحجارة بين الأقباط والشرطة التي كانت تحاول حفظ الأمن، وجاء ذلك بسبب خطأ صغير فى نقل تصريحات المحافظ بالموافقة على بناء الكنيسة دون ذكر شرط تعديل الرسومات الهندسية الخاصة، وقام على أثرها نحو 600 مسيحياً بالتجمع مع أصدقائهم الذين أمضوا ليلتين أمام مبنى الخدمات فى انتظار الموافقة ببدء أعمال البناء والتطوير، وعندما أبلغ رجال الشرطة المتجمعون أنه لا سبيل لاستكمال أعمال التطوير، نظرًا لعدم وجود موافقة بذلك، اعتقد المتجمعون أن الأمر بمثابة مزحة واستهتار بهم فبدأت ثورة الغضب. حيث بدأ المتظاهرون سلسلة من العنف وعاجلوا الشرطة بموجهات عنيفة تضمنت إلقاء الحجارة وزجاجات المولوتوف وقطع الطريق الدائرى، وتشابك وتراشق بالحجارة 5 آلاف مسيحي وقوات الأمن المركزى، وأشعل الغاضبون النيران فى وسط الشارع وتعالت صيحاتهم وهتافاتهم قائلين: "يحيا الصليب.. يحيا الصليب". الأمن تعامل مع الأحداث محاولا تطويقها، حيث فرضت أجهزة الأمن بوزارة الداخلية كردونا أمنيا لحماية الأهالي من المتظاهرين، وقد تمَّ نشر 30 سيارة أمن مركزى، أعلى الطريق الدائرى بالقرب من مبنى مجمع الخدمات التابع لمطرانية الجيزة، وقال مصدر أمني إنه تم القبض علي 154 من مثيري الشغب في أحداث العمرانية حتي الآن. واندفع بعض المتظاهرين باتجاه مقر حي العمرانية، ورشقوه بالحجارة وحطموا واجهته بالكامل كما حطموا عددا من السيارات التي كانت متوقفة أمام المبنى، واشتبك المتظاهرون مع قوات الأمن المركزي وأصابوا عددا منهم ثم فروا هاربين، وصرح المصدر الأمني بأن عدد الإصابات بين صفوف قوات الأمن وصلت إلى 23 مصابا نقلوا للمستشفيات، فيما جرى علاج آخرين في المكان. وانتقلت القيادات الأمنية والأمن العام إلى مكان الواقعة، وفضوا الإاشتباكات التي كانت قائمة بين أطراف المشكلة، لكن عددا كبيرا من مثيري الشغب اتجهوا مباشرة إلى كنيسة ماري مينا بالعمرانية. يأتي ذلك بينما استنكرت قيادات الكنيسة الأحداث التي شهدتها محافظة الجيزة، وقال مصدر بالكنيسة لوكالة الأنباء الألمانية إن البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية أعلن رفضه التام لتلك الأحداث المؤسفة، وطالب قيادات الكنيسة بالتحرك وتهدئة الأوضاع ومنع تفاقمها. بينما أعلنت بعض القوى السياسية وعدد كبير من المسلمين تضامنهم مع الأقباط المستنكرين لوفاة الشاب المسيحى. ومن جانبه، أوضح عبدالعزيز أنه تم تشكيل لجنة لدراسة الوضع القانوني لتحويل المبنى إلى كنيسة وتقديم الرسومات إلى اللجنة لدراستها وفقا للقانون، كما سيتولى فريق من النيابة العامه استجواب المصابين والمتهمين بإثارة الشغب لمباشرة التحقيقات، بينما عاد الهدوء ليخيم مجددا على العمرانية.