العلاقة بينه وبين جمهوره تحمل خصوصية كبيرة، فكلما تذكروا عملًا دراميًا معين تأتي في أذنهم دندنات لموسيقى هذا العمل لما تحمله من فخامة وتلاحم متطابق مع صورة العمل المقدم، ليصبح واحدًا من أهم صناع الموسيقى التصويرية في مصر الذين قدموا تراثًا موسيقيًا مشرِّفًا. الموسيقار العراقي رعد خلف واحد من أكثر الموسيقيين المؤثرين بالمنطقة العربية في السنوات الأخيرة، حيث كان له العديد من البصمات البارزة في الموسيقى التصويرية بخلاف قيادته للعديد من الأوركسترا العربية والدولية، واليوم يكرم الموسيقار الكبير عن مجمل أعماله الفنية ضمن حفل افتتاح الدورة ال 26 لمهرجان الموسيقى العربية. "بوابة الأهرام" أجرت حوارًا مع الموسيقار الكبير تحدثت من خلاله عن دور مصر في المساهمة بتاريخه الفني الكبير، وأبدى أراءه في عدد من القضايا الموسيقية المطروحة على الساحة.. تفاصيل الحوار في السطور التالية: - كيف استقبلت خبر تكريمك من مهرجان الموسيقى العربية في دورته هذا العام؟ شرف لي وفرحة كبيرة ولأي موسيقي عربي أن يكرم في هذا المحفل الموسيقي الكبير وخاصة بدورته هذا العام التي خصصت للموسيقى التصويرية والدرامية على وجه الخصوص، هذا الأمر يعني لي الكثير لأن مصر ليست دولة ثانية أزورها وأعمل بها، فهي بلدي الأول الذي عملت به منذ 23 عامًا ولي فيها الكثير، بالإضافة إلى أن مصر لها تاريخ كبير في الموسيقى العربية والكلاسيكية. - ما هي علاقتك بهذا المهرجان، هل تتابع تطوراته من عام لآخر؟ لم يكن لي أي علاقة قديمة بالمهرجان، بل كان لوالدي حميد البصري حيث كان يتواصل مع الراحلة الدكتورة رتيبة الحفني مؤسسة المهرجان، ويشارك بالمهرجان أو تقدم له أعمال مثل موشح "يانسيم الريح"، بالإضافة لعلاقته بالمايسترو سليم سحاب، وكان له أكثر من موضوع ومشروع في السنوات السابقة بالمهرجان، ومن خلال والدي وتخصصي في الموسيقى العربية كنت أتابع أخبار المهرجان. - هل أصبح المستمع العربي أكثر اهتمامًا وتطلعًا بالموسيقى وتنوعاتها في الفترة الأخيرة؛ لذلك كان الاهتمام في دورة المهرجان هذا العام بالموسيقيين في المقام الأول؟ الحقيقة أن هذه الدورة بالذات الأكثر اهتمامًا بالموسيقى بشكل أكبر لكن دعيني أقول لك إن مؤتمر المهرجان كان يناقش حقيقية المواد البحثية والموسيقية بشكل كبير، والمهرجان كان متنوعًا ويطغى عليه الأصوات الغنائية أكثر من الموسيقية في بعض الأحيان ولكن بوجود الدكتورة إيناس عبد الدايم رئيس الأوبرا حاولت جاهدة أن تعطي هذا الدفع للموسيقى بشكل متساو مع الحالة الغنائية. - بالرغم من انتشار المهرجانات الخاصة بالموسيقى فقط في الآونة الأخيرة واهتمام المستمع العربي بها قدرًا ما إلا أنها لا تزال في مرحلة متراجعة من الاهتمام والدعم الإعلامي، لماذا؟ أن تأتي الموسيقى في مرحلة ثانية ولا يعطيها الإعلام أي اهتمام فهذا أمر ليس بجديد علينا وتحدثنا فيه كثيرًا، وحتى هذه اللحظة نسمع عبارة "أغنية فلان" متجاهلين الملحن والمؤلف وبالفعل ومع الأسف انتقلت المسألة للدراما "مسلسل فلان" متناسين طاقم العمل كاملًا، وهذا كله يأتي بسبب الإعلان عن اسم المطرب أو الممثل في مرحلة طاغية على اسم الملحن أو الشاعر. - وكيف ترى ثقافة المستمع العربي في الوقت الذي تغيرت فيه ملامح الموسيقى العربية جذريًا وأدخل عليها كثير من الحداثة الغربية؟ بكل تأكيد الحداثة الموسيقية أو "غربنتها" بمعنى إدخال بعض مواد التوزيع الموسيقي هو تطور طبيعي لكي لا تصبح مادتنا الموسيقية أحادية، وبالطبع هناك بعض المواد يصعب تطبيق ذلك عليها مثل ميراث "أم كلثوم" بالكامل لا يمكن اللعب فيه أو إعادة صياغته لأننا نعرفه بهذه الطريقة، وعلى سبيل المثال كان هناك تجربة لزياد الرحباني مع فيروز بالطبع حبيت بعض الأغاني لكن أنا وغيري تعرفنا على فيروز وأم كلثوم وعبد الوهاب وليلى مراد والقصبجي بهذه الطريقة ولم تدخل عليها الحداثة، ولا يمكن أنا يقوم بذلك لمجرد أننا ابناء 2017. - هل كانت هذه الحداثة في صالح الموسيقى العربية من وجهة نظرك؟ هناك أشياء كانت لصالحها وأخرى العكس، والحقيقة أن إعادة هذا الزخم المستخدم من الآلات في اللحن وكم التوزيع الموسيقى لغى جمالية اللحن العربي وليست كل التجارب ناجحة وهناك تجارب جيدة لعمل توزيع موسيقي بحداثة حتى للموشحات العربية القديمة، ولكن ليس كل التجارب صحيحة أيضًا فالبعض كان يعمل بجد وآخر يقوم باستعراض عضلاته. - العراق هي مهد الحضارات والثقافات الموسيقية على وجه التحديد، كيف كان للنشأة في البصرة أثر في تكوين ثقافتك الموسيقية؟ طبعا ميراث العراقوالبصرة بالتأكيد ترك أثره في، وللأسف انتقلت في طفولتي من البصرة إلى بغداد ولكن هذا الميراث البصري بقي داخل الأسرة وتوارثتها وتعلمته من والدي وأشعر أنه له خصوصية "هذه المادة الجنوبية" وقد عملت عليه من خلاله العديد من المواد الموسيقية التي استخدمتها في بعض الأعمال العراقية والعربية. - ما الذي بقي معك في رحلة الإبداع من أصول الموسيقى العراقية؟ في رحلتي بقي معي كل شىء، فالعلاقة بيني وبين هذا الموروث بقي بداخلي ولكن لا نستطيع استخدامه بشكل دائم حسب طبيعة العمل والمكان خاصة في الموسيقى التصويرية والحالة الدرامية لأنها تطلب أن تكون أقرب لبيئة أخرى لكن البحث في ماهية الألحان العراقية أمر يعنني طول الوقت. - هل تأثرت الموسيقى العراقية في ظل الحروب والظروف السياسية التي مرت بها في الآلفية الجديدة، وأين تقف هي الآن في مصاف الموسيقى العربية؟ للأسف الشديد الموسيقى العراقية مثل كل الموسيقى في بلادنا العربية تأثرت بالطبع بظروف الحرب، والعراق تحديدًا لم يستقر منذ القدم، والمواطن والفنان العراقي لمؤشر بهذه الحالة وتحديدًا الأخير لم يشعر بالراحة التي تجبره على الإبداع وكل الظروف المحيطة بالطبع أثرت كثيرًا. - في رأيك، هل استعانة بعض الشباب المشاركين في برامج اكتشاف المواهب للتراث العراقي خطوة للحفاظ عليه باعتباره كان متصدرًا المشهد في الثمانينات والسبعينات من القرن المنصرم بالمنطقة العربية؟ الحقيقية أنني لست متابعًا لهذه البرامج، وبالتالي لا أعرف كثيرًا عما إذا كان له تأثير أم لا، ولكن أعتبر أن كل هذه البرامج مجرد حالة دعائية وإعلانية. - كيف كانت النشأة في بيت فني لأم فنانة كبيرة وهي شوقية العطار، وأب يعمل في مجال التلحين؟ بالتأكيد فوالدي كان دكتورًا ومتخصصًا في البحث أصول الموسيقى، ووالدتي مغنية كبيرة وهو ما يجعل أي إنسان يتمنى أن يعيش أضعاف عمره لكي ينهل من تراثهم خاصة أنه بعد إنهاء دراستي وذهابي لدمشق لم ننقطع عن العمل المتواصل معًا بيني وبين والدتي التي كانت تقيم بأمريكا كما حدث في مسلسل "هدوء نسبي"، وقدمت معي بعض الأعمال وكذلك الوالد الذي شارك معي في مسلسل "أسمهان". - موسيقى رعد خلف تتميز بالتعبير والعمق في الموضوع الذي تناقشه بشكل فلسفي فكيف تكون المعايشة لخروج لهذا الإبداع؟ بالأساس دراسة حالة النص الصحيحة مع المخرج وقراءة أبعاد النص والتي لاحقًا ستحول لصورة بصرية ستجعل مخيلة المبدع الموسيقية أكثر تطابقًا مع الصورة، ولأن الموسيقى التصويرية هي البعد الثالث لأي عمل فني بعد الصورة والحوار لابد أن تكون ذات تعبير عالي حتى نساهم في رفع الاهتمام بالعمل، والحقيقة أنني تعاملت مع مخرجين مهمين على مدار مشواري الفني، فأنا أتعامل مع النص مثلي مثل مصمم الأزياء والديكور منذ البداية حتى تكتمل الصورة والرؤية بالعمل. - هل تشعر براحة في وجود موسيقى أعمالك بالدراما دون إضافة صوت فنان عليها؟ هذا يتوقف على العمل الدرامي، كثيرون يقولون إنني لا أعتمد على فنانين في أعمالي ويجوز أنني لا أعتمد على مطربين مشهورين لأَنِّي آخذ الصوت كحالة درامية للفكرة التي أفكر فيها بالعمل، لذلك أتعامل مع الصوت بدون اسمه وهذه المغالطات التي صارت بأغلب أعمالنا الدرامية العربية ومع الاحترام للجميع هم لا يفكرون هل يناسب الفنان "الفلاني" للمسلسل ولموضوعه أم لا لذلك هناك كثير من الأعمال تخرج منفصلة عن موضوعها رغم أن شارة المسلسل هي انطلاقة للموسيقى التصويرية بالعمل لذلك أصبح هناك شرخ في هذه المسألة. - في السنوات الأخيرة أصبحت الموسيقى التصويرية هي البطل للعمل الفني والمشجع الأول لمتابعته، هل تغيرت ثقافة المنتجين في هذا الأمر؟ تغيرت قليلًا لدى المنتج والمخرج، وبدأ الاثنان يشعران بقيمة المادة الموسيقية بالعمل الدرامي، وهناك مراحل جاءت فيها مخرجين على قيد الحياة وآخرون رحلوا مثل المخرج الكبير نادر جلال كان يضع الموسيقى التصويرية في مقدمة عمله طوال حياته وكان يتابع المادة الموسيقية بعناية، وهناك مراحل آخرى كانت بها الموسيقى إسفاف وما يهم المنتج هو اسم الفنان الفلاني لكن تغيرت مع الوقت هذه النظرة. - هل كان لقيادتك العديد من الأوركسترات الدولية وعملك بها كعازف كمان أول أثر في إضفاء طابع الفخامة على موسيقاك؟ نوعية الدراسة الموسيقية لي هى التي أوحت بهذه الفخامة في حقيقة الأمر بالإضافة إلى قيادة الأوركسترا والعزف الفردي زاد من ثقافتي الموسيقية سواء أثناء الدراسة أو بعد الانتهاء منها. - كيف ترى فكرة الاستعانة بالآلات الشرقية في الأوركسترا كالربابة والمزمار في بعض الأحيان؟ انا شخصيًا استخدمت الربابة والمزمار كما في "نابليون والمحروسة"؛ حيث كان من الضروري أن نستخدم الفخامة والأبواق والأوركسترا الكاملة للتعبير عن فرنسا وهذا الطابع الأجنبي مع المزج لحالة المجتمع المصري التي كانت تقدم في هذا الوقت بالتعامل مع الموروث الشعبي فهذا له دلالات سمعية حسب طبيعة المادة البصرية، واستخدام هذه الآلات في النهاية متوقف على المشروع الدرامي. - كيف ساهمت مصر في دعم موسيقى رعد خلف التي بات المستمع المصري أكثر تعلقًا بها؟ أول عمل بدأت فيه بمصر هو "على باب مصر" ثم كنت أحضر للقاهرة ضمن وفود المسرح التجريبي بصفتي مؤلف موسيقي لأحد العروض تلاها تقديمي حفلات بالأوبرا مع أوركسترا رباعي دمشق الوتري ثم الموسيقى التصويرية التي عملت بها، ومساهمة مصر لي كبيرة، فصحيح أن أعمالي قليلة لكنها كانت مؤثرة وأفتخر بها مثل حرب الجواسيس، ملكة في المنفى، ليلى مراد، وسعيد أنني أستطعت أن أقدم حالة موسيقية جديدة مؤثرة بمصر. - تعمل منذ سنوات بالموسيقى التصويرية للعديد من الأعمال الدرامية المصرية، ما هي التطورات التي شهدتها، ومن من الموسيقيين الجدد أعجبت بموسيقاهم؟ الموسيقى التصويرية تطورت في مصر مؤخرًا، وأسماء كثيرة برزت على الساحة وكان لها تأثير، وأعجبت كثيرًا ب هشام نزيه لأنه يحاول أن يخلق لنفسه مكانة مختلفة ويدرس جيدًا مشروعه الدرامي فهو بالفعل موسيقي مهم لأنه يعطي الأبعاد الموسيقية حقها الكامل. - الثورات العربية هل أضعفت من حال الموسيقى أم أنها جعلت المستمع يفتش عن ألوان موسيقية آخرى؟ هذا الخريف العربي حطم بلادنا وأطاح بها ولم يأت إلا بالتخلف، وبالطبع أثر علينا جميعًا يجوز بسبب اعتكاف بعض المنتجين عن الإنتاج وبالتالي تأثرت الموسيقى؛ لكونه لم يجد مساحة لتقديم موسيقاه، وبالتالي أصبح المستمع ينصت لأي شىء وسط حالة التخبط التي يعيشها ولكن أنا عندي أمل أن الوضع سيصحح نفسه تباعًا.