في العمل الإعلامي توجد قواعد منها ما يتعلمه الإعلامي في سنوات دراسته، ومنها ما يكتسب من الخبرة والاحتكاك، وكانت الإعلامية والمذيعة النابغة زينب سويدان في حواراتها تؤكد دائمًا إن المذيع عليه أن يكون حذرًا، وأن يقرأ النشرة وكأنه يمثل، فإن كان خبرًا حزينًا تفاعل بما يعبر عن الحزن، وإن كان مفرحًا عبر، ولكن بلطف دون المبالغة في كلتا الحالتين. هذا الكلام يبدو أنه كان قاعدة ثابتة في عقل جيل العمالقة من الإعلاميين الذين عملوا في الإذاعة والتليفزيون، فكان أحمد سمير - رحمه الله - يقدم نشرة الأخبار، وكأنه يلقي خطبة مرتبة، وكذلك محمود سلطان، وغيرهم ممن وضعوا أسس لم يحد عنها بعض من أتوا بعدهم.. وتعلمت أجيال في القنوات الفضائية الخاصة من هؤلاء، بل ونبغ من نبغ في قنوات عربية من الشباب المصريين على سمعة وقيمة الإعلامي المصري. وما حدث من المذيعة مروج إبراهيم مع الدكتور عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ، كان مستفزًا ليس لأستاذنا الجليل فقط، ولكن للمشاهد الذي تحطمت أمامه قيم تتمثل في صورة مقدم البرامج الملتزم بمعايير وقيم المهنة. وأعتقد أن الحالة الهيستيرية التي انتابتها كمقدمة لبرنامج حواري نتجت عن أنها شعرت بضعف وعدم وعي بقيمة من تحاوره، فظلت تتكلم بسرعة حتى تقنع نفسها أنها على حق، وهو لم يخطئ، إذ انتابته صدمة مما يحدث أمامه. وهنا تكمن المشكلة، من يستضيف من؟ ومن يحاور من؟ ومن يقوم بإعداد حلقة لرجل عظيم مثل الدكتور عاصم، أو غيره من الأساتذة الأجلاء، الذين أعتقد أنهم لا يتقاضون مليمًا واحدًا من حواراتهم، أو ظهورهم على قنوات مثل "سي بي سي إكسترا" أو غيرها من القنوات.. لأننا في مصر لدينا إعلام يدفع لأشياء وشخصيات تثير جدلًا فقط، لا تمنح المشاهد معلومة تفيده. بعض نجوم الفن بل أكثرهم يرفضون برامج ال"توك شو" المجانية، وحدث ولا حرج في هذا الصدد، من أصغر ممثل وحتى نجومنا الكبار "لا للمجانية" ليس في برامج التليفزيون فحسب، بل في مناسبات أخرى كثيرة يرفضون الظهور المجاني، لكن معلمًا وأستاذًا كالدكتور عاصم، حضر دون أجر، لتلقنه مذيعة في سن حفيدته درسًا يكره فيه كل اللقاءات الإعلامية.. لا يا سيدي نحن نعتذر لك، فقد شاهدت الفيديو المليء بالثرثرة، وأنت مغلوب على أمرك تجلس تطلب منها بأدب جم "وأين السؤال؟!". والمؤسف أن هناك عشرات البرامج المفتوحة على الهواء، ليس بها سوى الثرثرة، ولم تعد لها جماهيرية، وكأنها فرض على القنوات، وليس على الجمهور الذي عزف عنها، ولا يتابعها إلا عبر مقاطع مواقع التواصل الاجتماعي فقط.