خطورة تقرير منظمة العفو الدولية، أنه ذكر أسماءً محددة في الشرطة والقضاء، والأمر المؤكد أن كثيرًا من تقارير المنظمة سياسية ومغرضة، ولكنها واحدة من أربع منظمات تعتمد عليها الأممالمتحدة؛ بمعنى أنه لا يمكن أن نتجاهل ما يصدر عنها هي وبقية المنظمات ك"هيومن رايتس ووتش"، ولا يمكن تجاهل الرد عليها؛ خاصة إذا كانت تلك التقارير مغلوطة، وغير صحيحة، بل إن ذلك أدعى لتفنيدها. ولا اعتراض عندي على وصف بيان المستشار أحمد أبوزيد المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية لتلك المنظمة بأنها "صاحبة أجندة سياسية مشبوهة وتوجهات منحازة، وتعبر عن مصالح الجهات التي تمولها"، وربما يكون وصفه صحيحًا مائة في المائة، واستمرارًا للمحاولات البائسة التي لا تكف عن القيام بها لتشويه ثورة "30 يونيو". لكن التقرير هذه المرة يستند إلى شهادة (19) من المعتقلين ذاتهم وأسرهم ومحاميهم ما بين عامي (2014) و(2016)، ومراجعة عشرات التقارير التي أصدرتها المنظمات المصرية التي تعمل في مجال حقوق الإنسان، وما نشرته وسائل الإعلام المصرية الرسمية، وأسفرت عن وقائع موثقة لجرائم، ثم إن المنظمة أرسلت هذا التقرير لمصر قبل النشر بخمسة أشهر للرد، ولكن الصمت وعدم الرد تم تفسيره بالموافقة على النشر. وهنا لابد أن نلوم أنفسنا أولًا قبل كل الكلام العادي والمكرر عشرات المرات، في كل مرة تصدر تلك المنظمات مثل هذه التقارير، ولا أن نرسل وفدًا من نواب البرلمان إلى واشنطن لكي يلتقي وفدًا من الكونجرس؛ لإعادة فتح باب المناقشة حول ملف حقوق الإنسان في مصر. ولكن علينا التصدي بشفافية، وأن يسارع المجلس القومي لحقوق الإنسان، والنائب العام، ووزارة الداخلية بالإعلان عن فتح تحقيقات جادة؛ ليس لأننا نصدق تقارير "هيومان رايتس ووتش" التي نثق بأنها كاذبة ومشوشة؛ بل وملعوب في أساسها، ونعلم أن من بين الذين يحررون ويدعمون تلك التقارير بالمعلومات الكاذبة عناصر تنتمي ل"جماعة الإخوان"، ونعلم أكثر أن الدولارات القطرية تتسلل إلى تلك المنظمات علنًا، ولكن من واجبنا أن نحقق؛ لأنه الصواب الذي يتوجب علينا أن نقوم به، بصرف النظر عما قد يرتكبه الآخرون من أخطاء، ومن واجبنا أن نفعله؛ لأنه يليق بِنَا وبالشعب المصري، وأي تصرفات عكس ذلك تعيدنا لاستنساخ أيام ما قبل يناير (2011) العصبية، خاصة أن الدنيا تغيرت، وأن المصادرة والحجب والشوشرة بخطاب إعلامي ساذج ومتخلف لن يفيد في إقناع الرأي العام؛ سواء المحلي أو الدولي باستقامة الأداء فيما يتعلق بحقوق الإنسان؛ لأن التعامل بمثل تلك الخفة لا يقنع أحدًا؛ بل يضاعف من سوداوية الصورة. أما الأخطاء التي وقعنا فيها في التعامل مع تلك الأزمة، فكان في حجب موقع "هيومن رايتس ووتش"، ولست أدري من هو العبقري الذي أراد أن يكحلها فأصابها بالعمى؛ ليثبت على نفسه تهمة ممارسة القمع، ومصادرة الحريات الإعلامية والحقوقية، والخطأ الأكبر في حشد القوات الإعلامية والحقوقية والبرلمانية الرسمية؛ للرد وتكذيب البيان جملة وتفصيلًا، بدون أن نجهد أنفسنا في التحقيق حول الوقائع المنسوبة لها في التقرير، أقول حتى ولو تحقيقًا شكليًا، الأمر الذي أفقد الجميع المصداقية، خاصة إذا ظل أصحاب الشأن في صمت؛ بينما تصدى للتكذيب من ليس لهم علاقة بالأمر. والأمر المؤكد أن الإدارة العصبية غير المحترفة تحملنا ما لا طاقة لنا به، وتضعنا في دوائر الاتهام، حتى ولو كنا ضحايا، ونواجه معركة الإرهاب نيابة عن العالم، وعن مدعي حقوق الإنسان بدماء أبنائنا، بدون أن نطلب من أحدٍ المساندة. كل ما نرجوه أن يكفوا دعمهم للإرهاب والإرهابيين؛ تحت لافتات حقوق الإنسان، بل ويطلبون من الضحية أن ينصف الجاني.