«انتهى العالم الذى كان محكومًا بالأديان والميثولوجيات وبدأ نظام عالمى جديد يحكمه المال والإعلام،عالم لا مكان فيه للقيم الإنسانية !» ما يجرى حولنا فى العالم يجعلنى أطرح سؤالًا مهمًا قد يكون بداية السلام. السؤال هو : لماذا يكرهوننا ؟!. فعلًا نحن شعوب طيبة، ولنا من الأخلاقيات والمبادئ ما تجعل الشعوب الأخرى تحبنا، لكن هناك سرًا فى هذه الكراهية المفرطة بيننا وبين أمريكا والغرب. نعم هذا السر هو الصهيونية العالمية وتأثير اللوبى اليهودى. فى المقابل ضعف التأثير العربى والإسلامى على المجتمعات الأمريكيةوالغربية. تأثير اللوبى اليهودى لم يأت من فراغ، بل خلفه سيطرة اقتصادية وعسكرية وتكنولوجية وفكرية وإعلامية، وبالتالى سيطرت على أصحاب القرار، يقابلها ضعف عربى وإسلامى، نتج عن نجاح الصهيونية العالمية فى السيطرة على مقدرات دولنا، ولو ببجاحة ووقاحة!!. ليس ما أقوله كلام مصاطب، بل هو نتاج أبحاث ودراسات علمية للعديد من الباحثين الجادين. إدوارد لويس من هؤلاء الأستاذ الدكتور أحمد عرفات القاضى أستاذ الفلسفة الإسلامية، والذى أصدر كتابًا عن الاستشراق، خصص فيه فصلًا كاملًا عن المستشرق اليهودى إدوارد لويس، وكان مستشارًا للحكومة الأمريكية فى عهد بوش الابن وعصابة اليمين المتطرف بقيادة ديك تشينى وولفوتز. وكان مؤثرًا فى إذكاء روح العداء للعرب والمسلمين. وتغذيتها بروح ملؤها الحقد والتشويه والتزييف المتعمد. تم استدعاء لويس بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 إلى واشنطن حيث مقر البيت الأبيض والبنتاجون أكثر من مرة لأخذ مشورته كخبير فى شئون الإسلام والشرق الأوسط قبل الحرب الأمريكية على أفغانستان، تحت مسمى الحرب على الإرهاب. وفى مرحلة الإعداد للحرب على العراق. استحوذ موضوع الشرق الأوسط على جزء كبير من اهتمام لويس كيهودى صهيونى فكتب مجموعة كتب عن الشرق الأوسط ومنذ بداية عقد التسعينيات ركز اهتمامه حول الشرق الأوسط. وكلها بهدف تثبيت صورة نمطية فى ذهن الغرب عن الشرق الأوسط، باعتباره مقرًا لدولة الكيان الصهيونى التى يرتبط بها نفسيًا ودينيًا. وباعتبار أن غالبية دوله نتاج لثقافة الإسلام وحضارته ودينه. فيحاول ربط تخلفهم بالإسلام كدين مخاصم لقيم الحرية والحداثة الغربية. إضافة إلى إلصاق تهم التخلف والرجعية بالإسلام، فالتخلف الذى يعانى منه العرب والمسلمون المعاصرون نتيجة لثقافات تخاصم روح العصر، ولا تؤمن بقيم الحرية والديمقراطية، وتظلم المرأة، ولا تؤمن بفكر الحداثة الغربية، الذى لا مناص منه للتقدم والمدنية. بالطبع انتقد الدكتور القاضى فكر إدوارد لويس، وقدم تحليلًا نقديًا لأفكاره، وصفها بالغرض والتناقض وعدم الموضوعية والتكرار، وكشف عن الأهداف الواضحة فى ذهن لويس، لتمكين إسرائيل فى الشرق الأوسط. وأكتفى بهذا القدر من رؤية الدكتور القاضى. وأعود إلى سؤالى: لماذا يكرهوننا؟!. الماضى والحاضر هناك بعد تاريخى مهم يقدمه لنا محمد المنشاوى أستاذ التاريخ. حين نربط بين الماضى والحاضر نرى أن ظهور الإسلام كان فى بداية حقبة العصور الوسطى، حيث لم يكن فى العالم وجود لأمريكا والغرب كما هو الآن. أوروبا كانت إقطاعيات على رأس كل منها أمير، بينها جميعًا دمار وخراب. القوى الكبرى التى كانت موجودة حينئذ قوتان الأولى الأمبراطورية الرومانيةالغربية والتى انقسمت فيما بعد إلى غربية وعاصمتها روما بعد اعتناقها المسيحية والثانية شرقية والتى عرفت بالدولة أو الأمبراطورية البيزنطية وعاصمتها القسطنطينية، ومكانها الآن الدولة التركية. أما القوى الثانية فكانت الأمبراطورية الفارسية والتى مكانها الآن إيران. استولت الأمبراطورية الرومانية على مساحات شاسعة من العالم العربى منها مصر والشام كاملًا والمغرب العربى (تونس، الجزائر، المغرب) بالإضافة إلى آسيا الوسطى. وهنا لابد أن نصل إلى مربط الفرس إلى أصل العداء بين الشرق العربى الإسلامى وبين القوى المسيحية فى الغرب. لابد أن نذكر أن الإسلام والعرب استولوا على مصر والشام وشمال إفريقيا كله من يد الروم المسيحيين وأصبحت تلك المناطق عربية إسلامية. إذاً فهنا ثأر قديم بين الغرب المسيحى والشرق العربى الإسلامى. وهنا علينا أن نذكر معركة بلاط الشهداء على الحدود الإسبانية الفرنسية والألمانية بين المسلمين العرب فى الأندلس، وانتهت بهزيمة للمسلمين، وما زالت أوروبا تحتفل بذكرى هذه المعركة على أساس أنها حمت أوروبا كلها من أن تكون إسلامية. سر العداء ! وتمثلت الصورة الكبرى للعداء فى الحملات الصليبية التى جاءت بهدف القضاء نهائيًا على العرب المسلمين واستعادة مصر والشام من أيديهم واستقبلهم الأتراك السلاجقة ثم صلاح الدين والمماليك ودحروهم وأخرجوهم نهائيًا. ثم جاءت الطامة الكبرى بدخول محمد الفاتح القسطنطينية والقضاء نهائيًا على معقل الصليبيين فى الشرق. بين هذه الأحداث الكبرى لم يكن لأمريكا أى وجود واستمر الغرب يحمل الكراهية والحقد للعرب لشعورهم أن الإسلام هو صانع الحضارة البشرية. ولعل أحدًا يسأل أين الدور الأمريكى ومتى ظهر؟!. علينا أن نعرف أولًا أن الغرب يبنى سياسته على أساس أن الحروب الصليبية مازالت مستمرة ومن هنا يبنى علاقته معنا كعرب وهنا يظهر الدور الأمريكى وتخطط على هذا الأساس فأمريكا أصلًا كانت مستعمرة انجليزية. وهنا نذكر قول (أبوجين رئيس قسم التخطيط فى وزارة الخارجية الأمريكية ومستشار الرئيس جونسون لشئون الشرق الأوسط حين قال: يجب أن نعرف أن الخلافات بيننا وبين الشعوب العربية ليست خلافات بين دول أو شعوب بل هى خلافات بين الحضارة الإسلامية والحضارة المسيحية منذ القرون الوسطى. فأمريكا هى مكمل للغرب فلسفيًا وعقائديًا ونظاميًا وهذا فى حد ذاته يجعل أمريكا تقف دائمًا معادية للعرب ودائمًا بجانب الغرب والدولة الصهيونية. السؤال هنا لماذا هذا الموقف العدائى الأمريكى للعرب والمسلمين؟ لأن أمريكا إن وقفت غير ذلك فهى تتنكر للغتها وفلسفتها وثقافتها وبالتالى فإن التخطيط الأمريكى يقوم على أساس أن الاستعمار فى الشرق الأوسط هدفه تدمير الحضارة الإسلامية وقيام دولة إسرائيل وتمكينها. وفرنسا هى جزء من الخطة بدليل أن الجنرال الفرنسى (غورو) عندما دخل دمشق اتجه فورًا إلى قبر صلاح الدين وركله بقدمه قائلًا: ها نحن قد عدنا يا صلاح الدين. وتشرشل قالها بوضوح بعد نكسة 1967 واستيلاء اليهود على القدس، قال: لقد كان إخراج القدس من سيطرة الإسلام حلم المسيحيين واليهود على السواء وأن فرحة المسيحيين لا تقل عن فرحة اليهود. وأعلن اليهود أن القدس لن تعود للعرب فى أى مفاوضات قادمة وسيظل الغرب ومعه أمريكا أكبر عدو للعرب والمسلمين لأن الإسلام هو الجدار القوى فى وجه الأطماع الغربية. سر الكراهية هو كراهية الإسلام وأهله وللأسف يساعدهم حكام العرب بفتح بلادهم وخزائن ثرواتهم لأمريكا والغرب. ويؤكدها دونالد ترامب: كان العالم بحاجة إلى ثورة فكانت الثورة الفرنسية عام 1789، تلك الثورة التى غيرت كل شيء، وانتهى العالم الذى كان محكومًا طيلة 5000 سنة بالأديان والميثولوجيات، وبدأ نظام عالمى جديد يحكمه المال والإعلام.. عالم لا مكان فيه للقيم الإنسانية!. لا أكتب هذا للتسلية، علينا أن ندرس ونتعلم ونستفيق!. أفلا يتدبرون يقول تعالى فى كتابه الحكيم: «وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِى جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ» البقرة 120