أطباق المطبخ الليبي؛ مثل معظم الشخصيات التي قابلتها هنا في بني غازي.. طيبة ومعطاءة وتقابلك بحرارة عالية.. بسيطة وعلى طبيعتها وتشعر معها بصداقة عميقة ولا تأخذ وقتًا حتى تحبها! شوربة الضأن بالشطة ساخنة وممتعة حقًا؛ والمكرونة المبكبكة طبق مميز معروف؛ السمك طازج والدجاج بالبصل مغري؛ والسبانخ ترد الروح؛ واللحم هنا بالذات يرفع معدلات السعادة ويقاوم الاكتئاب وفقدان الشهية؛ وهناك صنف من البطاطس والباذنجان واللحم المفروم لم أحفظ اسمه؛ لكن أذكر أن مراسلًا لقناة فضائية زميلًا لنا في الرحلة؛ استقدم الطباخ إلى حيث كنا نجلس ولم يكمل أكله ولم يدعنا نأكل؛ حتى يشرح لنا الطباخ بالتفصيل؛ مكونات وطريقة عمل هذا الصنف اللذيذ المذهل! بالمناسبة جمال الطباخ.. من قبائل ليبيا في الجنوب؛ صار صديقي؛ ومازلنا نتبادل السلام ورسائل المعايدة على الفيس بوك من أيامها! لايمكن أن أنسى مجاملاته الرقيقة اللذيذة؛ أيام كان يرسل لي على غرفتي أطباقًا إضافية من الكريم كراميل وفاكهة الدلاع (البطيخ عندنا)! لا أعرف لماذا كان يظن أننى فنانة؛ ويطلب مني أن أسمعه أغاني ميادة الحناوي؟؟؟ حاولت أن أصارحه بالحقيقة.. لكن ابتسامته الطيبة كانت تخبرني أنه من الأفضل لو كنت فنانة بالفعل وأغنى (والله زمان.. يا هوى زمان.. حبيبي كان هنا)! وإلا فماذا سيستفيد جمال أو أي زميل له في هذا المطبخ، إن كنت صحفية وأكتب المقالات والتحقيقات ومثل تلك الأعمال غير مضمونة الجدوى أو على الأقل ذات النتائج بعيدة المدى؟؟ الأفضل طبعًا أن أسمعهم أغنيات مبهجة وعاطفية وشاعرية ذات نتائج قصيرة المدى! الناس وقت الحرب وفي بلاد تحارب؛ تكون أكثر احتياجًا للإحساس بالحب والأمل. وعلى عكس ما قد نتوقع، وجدت الذين يقتربون كل يوم من الموت يصبحون أكثر إحساسًا وتمسكًا بجمال الحياة. رأيت في الحفلات شبابًا ليبيين متحمسين للغاية لأداء الأناشيد الوطنية والهتاف بصوت عال والغناء والرقص؛ باستغراق وانسجام كبير؛ وكأنهم يراقصون الدنيا ويأخذونها في أحضانهم؛ كي لا تتجرأ وتفارقهم فجأة؛ أو تولي وتعطيهم ظهرها للأبد! المهرجان الثقافي المصري؛ قدم خلال رحلتنا؛ في بني غازي؛ مسرحًا للعرائس (الليلة الكبيرة؛ ويا ترى إنت فين يا مرزوق؛ وعوف الأصيل) وحفلات للموسيقى العربية وأغاني أم كلثوم وسيد مكاوي وحليم وفريد وعبدالمطلب.. وكله كووووووم... وحفلتي كوم! كانت حفلة خاصة غير رسمية ولا مذاعة؛ في حديقة الفندق؛ من بعد العشاء.. وقد جاء هذا الحدث الفني الرهيب؛ نتيجة طبيعية للفراغ؛ وظروف الحرب التي كانت تمنعنا معظم الوقت من مغادرة الفندق؛ الأمر الذي وثق عرى الصداقة؛ بيني وبين العازفين في فرقة الموسيقى العربية؛ وفي نفس الوقت بيني وبين العاملين في الفندق (موظفي الاستقبال والعمال في البوفيه والمطبخ وخدمة الغرف والإدارة والحسابات) وهكذا صار عندي كل ما يتمناه أى فنان؛ كي يحقق الشهرة والمجد؛ فرقة محترفة وجمهور من الشباب وروح المبادرة عند عبدالحليم حافظ؛ في فيلم (إنت اللي هاتغني يا منعم)! كل الإمكانات والظروف شجعتني.. فلم أكذب خبرًا. عادة يتعرف الفنانون في مثل هذه الحفلات؛ على رجال مال واعمال؛ ومعجبون واثرياء.. لكنني تعرفت على إنصاف(!) لاحظت أنها أكثر من فهمني واستمتع بصوتي.. حتى إنها كانت الا تهدأ ولا تنام الا اذا اطمأنت انني اغني! إنصاف الحبيبة طفلة في شهرها التاسع.. جميلة مثل قطة بيضاء؛ والدها وأمها يعملان في وزارة الثقافة الليبية؛ التي تستضيف أنشطة المهرجان المصري؛ وتشرف على رحلتنا في بني غازي. بإحدى الحفلات انشغلت الأم على ما يبدو؛ فوجدت إنصاف بين يدي؛ ومطلوب مني أن أهزها وأهوي بمروحة أمام وجهها؛ حتى لا تشعر بالزهق وتبكي أو تتلوى وتزوم... من يومها وقعت في غرام إنصاف.. وزاد تعلقي بها بعدما لاحظت نها سميعة ممتازة لأغاني شادية؛ وعفاف راضي وبالتحديد (كتكوت يا فصيح... والست زرافة قلتلها جايبة الظرف ده كله منين؟؟؟) ليبيا... آخر مكان في العالم توقعت منه السعادة؛ وجدت فيه (إنصاف) أجمل مصادر الحب والإحساس بالسلام والسعادة!!! وقد ظلت معي تلك (القطة الغالية) تبتسم وتتعلق بخصلات شعري حتى سلم الطائرة في رحلة العودة... ليبيا قريبة.. وجميلة.. وتستحق الحب .. أحيانًا نجد الحب أقرب مما توقعناه بكثير!!!