أعماله أيقونات مشغولة بحرفية وشجن، كان نحاتًا في اللغة وهو الرمز الأبرز لجيل الستينيات ورمز الشرف والأدب والإخلاص للكتابة في مصر المعاصرة، والرمز الأبرز علي الكاتب المقل المتميز، ذو البصيرة الإبداعية الهائلة، عاش محباً للمكان والإنسان، ولم يتوقف نهر عطائه حتي وفاته. هكذا عبر كتّاب وأدباء مصر عن حزنهم لرحيل الكاتب الكبير إبراهيم أصلان صاحب "مالك الحزين" و"بحيرة المساء" الذي وافته المنية صباح اليوم بعد فترة قصيرة من الصراع مع المرض، متأثرًا بتنازله عقاقير مضادة للبرد، بعد نزلة برد ألمت به قبل أيام تسببت في إرباك وظائف قلبه، الذي خضع لعمليتين جراحيتين لتغيير شرايين علي مدار العشرين سنة الماضية. قال الشاعر حسن طلب إن أصلان واحد من أبرز الناس الأصلاء والطيبيين المخلصين لفنهم في جيل الستينيات كله، تميز ببصيرة إبداعية جعلت منه روائياً متميزاً، مثالأ علي الروائي المقل المتميز رغم قلة إنتاجه، استطاع سبر أغوار النفس البشرية التي كان ملماً بأبعادها. "هو أستاذي وشيخ الصنعة ورمز الشرف والأدب في مصر المعاصرة، حكاء غريب ونادر قريب من كل العقول المبدعة والجميلة في مصر، أنا مدين له بأشياء كثيرة ليس أولها التلمذة علي يديه في الأدب، وليس آخرها التتلمذ علي يديه في الحياة" هكذ عبر الروائي أحمد صبري أبو الفتوح عن حزنه لفقدان أستاذه إبراهيم أصلان. أما جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق الذي عرف بالخبر من "بوابة الأهرام" لم يستطع الحديث عن رفيقه أصلان، من شدة التأثر. لكن الناقد والكاتب محمود الورداني اعتبر رحيل صاحب "مالك الحزين" مصابا شخصيا، ولم يكن متوقعاً برغم أن حالة أصلان الصحية لم تكن مستقرة، فكان في حيوية دائمة حتي في آخر لحظات حياته، وداوم علي كتابة المقالات ووحتي الكتابات المشاغبة والشقية، لذا رحيله مصاب كبير لأننا فقدنا واحدا من أهم رموز الأدب، إذ تعد أعماله أيقونات مشغولة بحرفية فنية وشجن. "لأصلان مواقف سياسية محترمة، لم يعرضها باستعراض أو صوت عال، فهو إنسان وكاتب "مفيهوش غلطة"، وكتابته ستبقي ولن يمحوها الزمان، فمن الصعب أن يوجد كاتب كامل وبه كل شيء جيد، لكن هذا النموذج الفريد تحقق في أصلان، فهو كاتب من طراز فريد. سرد الشاعر عبد المنعم رمضان أخر مرة رأي فيها صاحب "بحيرة المساء" في عزاء الراحل "خيري شلبي"، وكانت يده ترتعش من التأثر وإحساسه بأن الدور القادم في الموت هو دوره، وآخر مرة تحدث معه كانت عندما انقطع مقاله في جريدة الأهرام، وقال إن سبب انقطاعه أنه "بيعزل" لكنه علق علي النقاد والكتاب الذين يقومون بكتابات المقالات بعيدة عن الثورة، لكن مقاله التالي لام فيها نفسه لأنه يري أنه لا يستطيع أن يعبر هو الاخر عن الثورة غير بحكايات بسيطة منها. "كان رجلاً صادقاً جدا" يضيف رمضان، وعندما يأخذ راحته في الحديث، كنا نسمع منه أجمل كلام عن الأدب، فهو أفضل حكاء عرفته، وشخص لا يكره الاخرين، كما أنه شخص عارف وليس مدعيا، وكنت كتبت عنه مرتين من قبل لكني ووعدته أن أكتب عنه بورتريها لكن للأسف لن يقرأه. "منذ بدأ وهو كاتب كبير، وقيمته الأدبية ليست محل جدل" هكذا بدأ الروائي إبراهيم عبد المجيد شهادته عن أصلان، فكانت مجموعته القصصية الأولي "بحيرة المساء" فتحاً جديداً في التجديد في مجال القصة القصيرة، وقيمته الأدبية ليست محل جدل، وكان مقلاً في أعماله لأنه كان نحاتاً في اللغة يبحث عن مفردات جديدة لكل عمل يكتبه فكانت تأخذ منه هذه العملية وقتاً طويلاً. ويري عبد المجيد أن تلك العملية جعلت من أعماله مشبعة بدلالات جديدة وأبعادا أخري للنفس البشرية، وعلي مستوي شخصي كان أصلان رجلاً لطيفاً محباً للضحك، ينعش أي مكان يحل فيه، وأي شخص عرفه سيشعر بفقد شديد.