كان المجتمع المصري حتى وقت ليس ببعيد متمسكًا بالقيم المجتمعية والدينية، ومنها احترام الكبير، والعطف على الصغير، والنخوة، والشرف، واحترام الكلمة، والإيمان بالمساواة، والعدالة الاجتماعية، وغيرها من الفضائل التى كانت تزيد أبناء المجتمع تماسكًا وثقة بالنفس، وتوفر لديهم الإحساس بالطمأنينة والأمن.. ولكن ولأسباب كثيرة، حدث الخلل في منظومة القيم الأخلاقية المصرية، بل يجوز لنا أن نقول إن تلك الأخلاق قد انهارت بالفعل، ولم يصبح لها وجود، خاصة مع منتصف القرن الماضى. وقد رصد الإعلامي الكبير أحمد الشقيري في برنامجه "خواطر 9"، تنظيم طوابير مباريات كرة القدم في اليابان، وكيفية احترام الآخر والانضباط الأخلاقي والسلوكي، وحفظ الأمانة دون تطبيق أي عقوبات أو فرض قانون، نجد أن المشجعين يحجزون أماكنهم من خلال وضع زجاجة مياه على الأرض، ومعها ورقة مدون عليها الاسم والرقم الخاص بدورهم ليأتوا في اليوم التالي ليجدوا كل شيء كما هو لم يتغير. وحاولت "بوابة الأهرام" الوقوف علي أسباب انهيار القيم الأخلاقية والاجتماعية داخل المجتمع المصري. ويقول الدكتور جمال شفيق أحمد أستاذ علم النفس الإكلينيكي واستشاري الطب النفسي بجامعة القاهرة، ل"بوابة الأهرام"، إن من أبرز هذه الأسباب التراجع الحاد في الكثير من القيم؛ مثل قيمة العلم، وقيمة العمل، وقيمة التدين، وقيمة الوقت وقيمة الأمانة، ومن أهمها غياب دور الأسرة، خاصة فى الاهتمام بالتنشئة الصحيحة، ومراقبة الأبناء، وغرس القيم الدينية والخلقية، وانشغالها بالبحث عن لقمة العيش، وترك الأطفال فريسة لوسائل التواصل الاجتماعي، والذي اعتبره "اللص الخفي"، والتوغل داخل عالم افتراضي يستلقون منه قيمًا منهارة وفاسدة، فقد ساعدت تلك التكنولوجية على عزل الأبناء عن آباءهم، بالإضافة إلى أصدقاء السوء. وأضاف الدكتور شفيق أن غياب دور المدرسة في التربية والتعليم الصحيح، وانحصار المدرس في البحث عن الدروس الخصوصية، وتحويل منظومة التعليم إلى منظومة اقتصادية بحتة، أفقدت الطالب احترامه للمدرس والمدرسة، وشعر وكأنه يمتلكه بفلوسه، فقد تخلت وزارة التعليم منذ فترة من الزمن عن دورها الأساسي والأول وهو التربية، وظلت على التعليم حتى انهار تمامًا، ولا يوجد لدينا لا تربية ولا تعليم. وتابع الدكتور شفيق، بالإضافة إلى انهيار المنظومة الأخلاقية، والذي تقوم به وسائل الإعلام، والتي تميزت في بث القيم المنهارة والبرامج غير الأخلاقية من خلال المسلسلات والأفلام، والتركيز على تجارة المخدرات والجنس غير الشرعي والترويج لسلوكيات فاسدة برغم من أن دورها أساسي ومكمل للأسرة والمدرسة. وأوضح أستاذ الطب النفسي أن دور العبادة لها أهمية كبيرة جدًا، من حيث تقويم سلوك الناس، وكيفية حسن المعاملة، وتقبل الآخر والاختلاف معه ثقافيًا ودينيًا واجتماعيًا، وبث روح الأمانة والانتماء للأسرة والمجتمع والدولة، وعدم الغش، والمشاركة الاجتماعية والتكافل والتطوع ومساعدة المحتاج، ولكنها للأسف أصبح دورها تلقينيًا فقط، ولتك الأسباب هدمت الثوابت المصرية وأفقدتهم الثقة في بعضهم بعضًا. ويؤكد الدكتور حسين سمرة أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة ل"بوابة الأهرام"، أن هناك عدة أسباب جعلت القيم الأخلاقية تنهار داخل المجتمع المصري، وعلى الرغم من وجود أديان تنظم تلك القيم فإننا تركناها ولم نتعامل بها وهناك دول لم تتدين بأي أديان، ولأنها تتعامل بروح الدين فتتقدم وتزدهر ونحن نتراجع، ومن تلك الأسباب غياب القدوة داخل الأسرة ثم المدرسة، ثم دور العبادة، ثم وسائل الإعلام فتنهار المنظومة بأكملها. وأشار سمرة إلى أن منظومة القيم لابد أن تبدأ داخل المدرسة وتؤكد عليها الأسرة، ثم يأتي دور وسائل الإعلام الهادفة، ويليها دور العبادة، ولابد من اختيار خطيب المسجد على أساس ثقافي وتعليمي، كبير ويكون مؤهلًا لمخاطبة جموع المصلين، والذين تختلف ثقافتهم ومستوى تعليمهم، لافتا إلى أن الخطيب لابد أن تحتوي خطبته على القيم الإنسانية واحترام الآخر، واحترام ممتلكات الآخرين، وحسن معاملة الجار، والعديد من مكارم الأخلاق حتى نعود إلى سابق عهدنا. وأكد الدكتور إيهاب عيد أستاذ الصحة العامة والطب النفسي ووكيل معهد الدرسات العليا للطفولة ل"بوابة الأهرام" أن مشكلة الإنسان المصري تكمن في شعوره الدائم بالظلم؛ بداية من الأسرة، وحتى المجتمع الخارجي كله، والمتمثل في العمل، وصولًا إلى إحساسه بالظلم الواقع عليه من الحكومات المتعاقبة السابقة، ولذلك المجتمع المصري لن ينجح إلا إذا انخرط في عمل جماعي، وابتعد عن العمل الفردي. وأضاف الدكتور إيهاب أن الإنسان المصري دائمًا لديه شعور بعدم الأمان؛ ولذلك لابد من إعادة ثقته بنفسه من خلال متخصصين في التنمية البشرية، ومحاولة دمجه داخل مجموعة من الأفراد؛ للعمل في شكل جماعي، وليس بشكل فردي. وأشار أستاذ الطب السلوكي إلى أن بداية انهيار القيم الأخلاقية تبدأ من الأسرة والتعليم، كما يعود للانهيار الثقافي الذي يعاني منه المجتمع المصري منذ أكثر من ثلاثة عقود، مشيرًا إلي أن السمة الأساسية التي أصبحت تسيطر على الشعب المصري هي اللامبالاة، والتي جعلت المواطن يقف موقف المتفرج عند حدوث أي موقف سلبي. وطالب وكيل معهد الدراسات العليا للطفولة الحكومة الحالية بضرورة إنشاء وزارة للأسرة، يعمل بها خبراء سلوكيون وتكون على مستوى الجمهورية للعمل على التأهيل النفسي للأشخاص وإعادة السلوك القويم للمجتمع. . أين ذهبت الشهامة والجدعنة المصرية؟.. علماء نفس وشريعة يجيبون